لماذا قام "محمد بن سلمان" بتصفية بطانته الأمنية؟
ما انفك "محمد بن سلمان"، يجري تغييرات في طاقمه الأمني، منذ اعتلائه منصب ولاية العهد. لكن من بين كل من شملتهم التغييرات، وأبعدوا أو قربوا، ثمة اسم ضائع بين الأسماء، تحيط به الأسئلة، وكان له دور بارز في صعود بن سلمان، ولكن الأخير يخشى من أن يلعب دورا مماثلا في سقوطه إذا ما سنحت الفرصة، والمقصود بهذا الاسم، ليس إلا "عبدالعزيز الهويريني".
وأيا تكن حقيقة الأمر، فالأكيد أن تلك التغييرات تندرج في إطار الترتيبات المتسارعة لنقل الحكم إلى ابن سلمان، بتغطية أميركية - إسرائيلية معلنة.
يجد ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، صعوبة كبيرة في منْح ثقته لمعاونيه الأمنيين الذين انقلبوا على غريمه الرئيس، ابن عمه محمد بن نايف، على رغم أنهم خانوا «معلمهم» السابق بأوامر منه، وكانت لهم أدوار حاسمة في صعود الأول إلى السلطة، مع الأيادي الخفية الخارجية التي وفرت التغطية لانقلاب 21 حزيران 2017.
منذ ذلك اليوم، تنشر كل مدة تفاصيل جديدة، يصعب التحقق من صحتها، لما جرى في تلك الليلة. لكن ما تتقاطع عليه، يشير إلى أن ولي العهد، الذي يستعد لتسلم الملك، لم يكن وحيدا في إدارة الحكم طوال كل تلك المدة، وكان على الدوام يتلقى مساعدة ما.
وإذا كان لا يمكن الجزم بنوع هذه المساعدة ومصدرها - على رغم الحديث عن مشاركة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، وصهره جارد كوشنر، والرئيس الإماراتي، محمد بن زايد، الذي كان حينها وليا لعهد أبو ظبي، في الخطة -، إلا أنه من الواضح أنها تحمل أيضا بصمة إسرائيلية، لسبب بسيط هو أن أحدا غير "إسرائيل" لا يستطيع أن يشد ركبتي الرجل للوقوف في وجه الإدارة الأميركية، بالشكل الذي لم يتجرأ ملك سعودي على القيام به من قبل، فكيف بولي عهد مثير للجدل، ما زال مطعونا في شرعيته؟ وهي بصمة صارت أوضح الآن، في ظل تسارع الترتيبات لانتقال الحكم إلى ابن سلمان برعاية أميركية، وربطه بالتطبيع مع "إسرائيل"، ولو كان غير معلن.
منذ أيام، نشرت مواقع إنترنت، بعضها غربي، تفاصيل ما حدث ليلة الانقلاب، حين اخترق ابن سلمان، ابن نايف، عبر واحد من أقرب مساعدي الأخير، عبد العزيز الهويريني، الذي بقي مديرا للمباحث العامة منذ 8 آب 2006، ثم عين رئيسا لرئاسة أمن الدولة المستحدثة بعد الانقلاب.
وتفيد تلك المعلومات بأن الهويريني دبر عملية اغتيال معنوي لابن نايف، عندما رتب «حفلة حمراء ماجنة» في أحد شاليهات مدينة جدة، وقام بزرع كاميرات عدة لضمان بقاء جميع الحضور في الحفلة التي ضمت رجالا مخمورين ونساء بملابس فاضحة، تحت المراقبة.
ومن ثم ذهب ابن نايف إلى الحفلة غير مدرك للفخ الذي نصب له، بسبب ثقته العالية بالهويريني، فتم التقاط صور له وهو في حالة عدم اتزان شديدة، إضافة إلى «تعاطيه المخدرات والمسكنات»، ليقوم الهويريني بجمع الصور والتوجه بها إلى قصر السلام، حيث كان ابن سلمان في انتظاره.
وتم اختيار مجموعة من الصور والفيديوهات التي تساعد في القضاء على سمعته. وبعد أيام من ذلك، بحسب الرواية، توجه ابن سلمان إلى مكة، حيث كان الملك سلمان يقيم في قصر الصفا، وقدم له الصور كأدلة على عدم أهلية ابن نايف لمنصب ولاية العهد، فاستدعى الملك هيئة البيعة إلى القصر، ثم استدعى ابن نايف إلى مكتبه الخاص ووبخه بسبب الصور ، وأخبره بأن هيئة البيعة مجتمعة، ثم هدده بفضْحه أمام كبار الأسرة الحاكمة وكشْف صوره لهم إذا لم يوافق على قرار عزله، فانصاع ولي العهد السابق وتنازل لصالح ابن عمه، على رغم أن بعض أعضاء هيئة البيعة لم يوافقوا على تولي ابن سلمان ولاية العهد، كالأمير أحمد بن عبد العزيز. وتفيد الرواية عينها بأن الخطة رسمها ابن سلمان وابن زايد، وأعلم بها كوشنر، قبل تنفيذها.
ويؤكد معارضون سعوديون أن الهويريني نفسه عاد ووقع ضحية لقمع ابن سلمان، الذي عزله ووضعه قيد الإقامة الجبرية منذ ستة أشهر، حيث يتعرض للتعذيب. وحتى حين ظهر في صورة مع ولي العهد أثناء تنصيب «المجلس الرئاسي» اليمني قبل أسابيع، وضع المعارضون ذلك في سياق الأمر المدبر من قبل ابن سلمان للرد على التكهنات بشأن ما آل إليه مصير الرجل.
لكن الأسئلة عن مصير الهويريني أثيرت مجددا، مع تعيينات أمنية جديدة وإعفاءات من مناصب على تماس معه، صدرت في أمر ملكي نشرته وكالة الأنباء السعودية الأحد الماضي، ومن بينها منصب كان الهويريني يشغله ولم يعزل منه حتى الآن، حيث عين أحمد بن عبد العزيز بن إبراهيم العيسى مديرا عاما للمباحث بالمرتبة الممتازة، من دون أي إشارة إلى أنه يحل في هذا المنصب مكان الهويريني، ومن دون ترقيته من رتبة لواء إلى رتبة فريق.
كذلك، شمل الأمر ترقية اللواء محمد بن عبد الله البسامي إلى رتبة فريق، وتعيينه مديرا للأمن العام، وهي مديرية تقع تحت رئاسة أمن الدولة التي يرأسها رسميا الهويريني حتى الآن، شأنها شأن مديرية المباحث. وتضمن الأمر أيضا ترقية اللواء الركن نايف بن ماجد بن سعود آل سعود إلى رتبة فريق ركن.
حساب «رجل دولة» المعارض، المعروف على «تويتر»، اعتبر أن تعيين العيسى دليل على عزل الهويريني. وعلى إثر ذلك، تعرض الحساب لهجوم واسع من مغردين سعوديين قالوا إنه يخلط بين رئاسة أمن الدولة ومديرية المباحث.
ولاحظ خالد الجبري، نجل المنشق سعد الجبري، الذي كان الذراع اليمنى لابن نايف، بدوره، أن تعيين اللواء العيسى مديرا للمباحث برتبة مدنية بدلا من ترقيته إلى رتبة فريق، يختلف عن آخر أربعة تعيينات في المنصب (عبد العزيز المسعود، صالح الخصيفان، حمود بن محمد بخش، والهويريني) باشر أصحابها مهامهم برتب عسكرية، ويفتح المجال لتعيينه مستقبلا في رئاسة أمن الدولة خلفا للهويريني الذي يترأسها برتبة مدنية.
المعلومات الحساسة التي يمتلكها الهويريني عن ابن سلمان تلعب ضد الأخير، لا سيما إذا كانت مشفوعة بحقيقة أن الأول انقلب على سيده الذي قدم له خدمات جليلة نقلته من كونه ضابطا متواضعا، إلى لصيق برأس الهرم الأمني في المملكة، أي ابن نايف، الذي تعاطف معه نتيجة إصابته بانفجار نفذه تنظيم «القاعدة».
ويخشى ابن سلمان من أن ينقلب الهويريني عليه مرة أخرى إذا سنحت له الفرصة، خصوصا أن فعل الخيانة الذي أقدم عليه سابقا لم يتوقعه حتى سعد الجبري، الذي سرب محادثات «واتس آب» جرت بينه وبين الرجل من 17 أيار 2017 إلى 4 تموز من العام نفسه، حيث لم يكن الجبري قد علم بعد أو حتى شك بأن شريكه متواطئ.
وفيها يسأل الأول الثاني عما إذا كان عليه أن يكمل الصوم في «البراد»، قاصدا الطقس البارد في كندا والولايات المتحدة، ليجيب الأخير: «طبعا»، مما يعني أن عليه البقاء هناك وعدم العودة للمملكة.
ارسال التعليق