مجددا.. واشنطن ساحة للصراع السعودي الداخلي
التغيير
كشفت صحيفة نيويورك تايمز عن سعي بعض أعضاء عائلة آل سعود المسجونين -من خلال وسطاء لهم- إلى دفع واشنطن للتأثير على محمد بن سلمان؛ مما يلقي الضوء على انقسامات العائلة الحاكمة، والدور الأميركي الكبير في منظومة الحكم السعودي.
ولا تعد هذه المرة الأولى التي تصبح فيها واشنطن مسرحا لصراعات آل سعود الداخلية؛ إذ شهدت العاصمة الأميركية سباقا محموما بين ابن سلمان وولي العهد السابق محمد بن نايف، قبل أن يحسم محمد بن سلمان معركة الساحة الأميركية لصالحه منتصف عام 2017.
وأشار تقرير نيويورك تايمز إلى سعي أمراء من عائلة آل سعود للوصول إلى شركات "لوبيات" لها روابط مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، من أجل إنهاء ما يرونه اضطهادا سياسيا من ابن سلمان.
ووقعت شركة يعمل فيها روبرت ستريك -الذي يرتبط بعلاقات جيدة مع شخصيات في إدارة ترامب–على عقد بمليوني دولار من أجل الدعوة للإفراج عن الأمير سلمان بن عبد العزيز بن سلمان بن محمد آل سعود، وسبق لستريك التعاقد مع ولي العهد السابق محمد بن نايف عام 2017 للدفاع عن مصالحه في واشنطن.
وتشير بيانات وزارة العدل الأميركية كذلك إلى توقيع باري بينيت -المستشار السابق لحملة ترامب في 2016- على عقد مشابه مع أمير مسجون كان منافسا كبيرا لمحمد بن سلمان.
توقيت مناسب
وفي حديث مع الجزيرة نت، أشار الباحث بمعهد السياسات الدولية بن فريمان إلى أن الوقت مناسب جدا للقيام بتشكيل "لوبي ضغط" على النظام السعودي في واشنطن، خاصة في ظل الغضب الكبير من جانب ترامب بسبب دور آل سعود في خفض أسعار النفط، وهو ما دعاه إلى تقليص الوجود العسكري هناك.
وذكر بن فريمان أنه "لا يتم ذكر آل سعود ومحمد بن سلمان في الإعلام الأميركي إلا في قضايا شائكة تضر صورة مملكة آل سعود وابن سلمان، وآخرها إقالة المفتش العام لوزارة الخارجية على خلفية تحقيقات تتعلق بمبيعات أسلحة للرياض، وقبلها بأيام كانت هناك أخبار عن تحقيقات لـ"إف بي آي" تكشف عن ارتباط الطيار السعودي–الذي قتل عسكريين أميركيين بقاعدة في فلوريدا- بتنظيم القاعدة".
وعن إنفاق أمراء سعوديين مبالع كبيرة في إطار البحث عن بعض النفوذ لدى إدارة ترامب؛ يعتقد بن فريمان أنه "من السيئ أن يتم إنفاق ملايين الدولارات في واشنطن من خلال "شركات الضغط" من أجل تحقيق العدالة داخل مملكة آل سعود".
وأكد بن فريمان أنه ومع مرور الوقت تكتشف واشنطن أن "حملة محمد بن سلمان على الفساد ما كانت إلا خطوة لبسط سيطرته السياسية باعتقال منافسيه السياسيين"، ويعتقد بن فريمان أنه "حان الوقت لإطلاق هؤلاء المسجونين ظلما في سجون آل سعود".
تنافس محموم
وقبل سنوات، شهدت واشنطن صراعا صامتا بين محمد بن سلمان وولي العهد السابق محمد بن نايف حول حجم نفوذهما في واشنطن.
وظهرت إرهاصات هذا التنافس للعلن حينما تعاقدت وزارة الداخلية بنظام آل سعود -التي كان على رأسها حينذاك محمد بن نايف- في مايو/أيار 2017 مع "شركة ضغط" لتخدم مصالحها وأهدافها داخل العاصمة واشنطن، رغم أن العرف السائد هو تعاقد السفارات؛ كونها الممثل الرسمي للدول مع "شركات اللوبي"، وليست جهات داخل الدول.
وبعد عشرة أيام على تعاقد وزارة الداخلية التابعة لنظام آل سعود مع شركة مجموعة سنوران للسياسات، تم تسجيل العقد -الذي أطلعت عليه الجزيرة نت- مع وزارة العدل كما تنص القوانين الأميركية، وكان التعاقد لمدة عام واحد، مقابل أن تدفع الوزارة مبلغ 5.4 ملايين دولار للشركة التي تحصل عليه في صورة أقساط شهرية قيمة الواحد 450 ألف دولار، وتضمن العقد بنودا لإقامة تواصل مباشر بين وزارة الداخلية بنظام آل سعود والساسة الأميركيين.
واختارت وزارة الداخلية تلك الشركة تحديدا بسبب قرب مديريها الكبار من الرئيس الأميركي دونالد ترامب وفريق عمله، فقد استقطبت الشركة قبل أشهر من تعاقدها مع الداخلية بنظام آل سعود السيد ستيفن جولي، وهو أحد أركان حملة ترامب الانتخابية ليعمل مديرا تنفيذيا لها، وقبل ذلك بشهر واحد استقطبت أيضا أجاكوب دانيالز مسؤول حملة ترامب في ولاية ميتشغان، لينضم لفريق مديريها.
ومثّل تعاقد وزارة الداخلية مع "شركة ضغط" إقرارا صريحا بتنافس على النفوذ في الدوائر الأميركية، إذ سبق ذلك تأسيس محمد بن سلمان جهات بحثية و"شركة لوبي" لخدمه مصالحه بصورة مباشرة في واشنطن، مثل مؤسسة "آرابيا" التي أشرف عليها علي الشهابي (أحد المقربين من محمد بن سلمان)، قبل أن تغلق أبوابها العام الماضي، إضافة إلى "شركة لوبي" تدعى لجنة الشؤون العامة السعودية الأميركية (سابراك)، التي يديرها سلمان الأنصاري المقرب أيضا من ابن سلمان.
وبعد تسجيل تعاقد وزارة الداخلية المستقل بخمسة أسابيع، وفى 21 يونيو/حزيران 2017، تمت الإطاحة بولي العهد السعودي وزير الداخلية محمد بن نايف، وجُرّد من كل مناصبه، وتم تصعيد محمد بن سلمان لولاية العهد.
ورغم كل الأزمات التي مرت بها مملكة آل سعود تحت قيادة محمد بن سلمان، سواء بالتدخل العسكري في اليمن، أو مقتل الصحفي جمال خاشقجي، وحتى حرب أسعار النفط خلال الأشهر الماضية التي أضرت بالمنتجين الأميركيين؛ فإن الأمير محمد بن سلمان يحظى بدعم قوي من البيت الأبيض، وله علاقات وثيقة مع جاريد كوشنر صهر الرئيس ترامب، كما ذكر بن فريمان.
وختم بن فريمان حديثه بأن: "النظام السعودي أنفق ما يقرب من 250 مليون دولار على شركات اللوبي والعلاقات العامة في واشنطن منذ هجمات 11 سبتمبر لتجميل صورته، ومن سخرية القدر أن تتم الاستعانة بلوبي سعودي ليهزم آخر سعوديا في واشنطن".
ارسال التعليق