هل تُشكّل السعودية حلفاً جديداً في المنطقة؟ وأين مصر منه؟
كان السيّد حسن نصرالله في الحادي عشر من الشهر الجاري، جازماً عندما أعلن في خطابه الحاشد أن المشهد العام في المنطقة هو مشهد تصعيد وتوتر، خلافاً لما كان عليه قبل أشهر.
بطبيعة الحال، فإن السيّد نصرالله سرد عدّة وقائع ميدانية وسياسية تتعلق باليمن وسوريا والعراق، لتثبيت وجهة نظره، مستخدماً أدق الأدلة والشواهد. لاحقاً، تتالت الإشارات على تلبّد الغيوم في سماء المنطقة. عُلّقت المعارك في اليمن وحلب على شمّاعة هُدَن هشّة، ترقباً لمعركة تحرير الموصل وهدفها نقل مقاتلي داعش نحو دير الزور والرقة في شرق سوريا.
في هذه الأثناء، تتسارع الخطى السعودية لإعادة لملمة حلفها العربي – الإسلامي العريض في المنطقة، للعب في المساحة الفاصلة بين إجراء الانتخابات الرئاسية الأميريكة، وفوز إدارة جديدة تخلف باراك أوباما في البيت الأبيض وتباشر مهامها فيه. غير أن السؤال الكبير الذي يشغل السعوديين هذه الأيام يبقى عن مصر ومدى تجاوبها مع مساعيهم الجديدة، خصوصاً بعد الجفاء الذي خرج الى العلن. هذا الجفاء الذي يحكم العلاقات السعودية - المصرية، لعب تصويت القاهرة في مجلس الأمن، لمصلحة مشروع قرار روسي كان يمكن أن يكون لمصلحة الحكومة السورية، دوراً بارزاً في إخراجه من الغرف المغلقة الى تحت الأنوار المسلّطة.
اليوم، يُسمع في الأروقة السعودية حديث عن مساعٍ لإعادة إحياء الحلف العربي – الإسلامي الذي قادته السعودية عندما قرّرت شنّ عدوانها على اليمن. وقتها، كانت السعودية تحظى بغطاء أميركي كامل، وتأييد عربي – إسلامي، سرعان ما بدا أنه غير شامل. في مسعى اليوم، تحاول السعودية لملمة الأطراف الرئيسية في هذا الحلف، حتى ولو بدا غير موسّع على غرار ما أرادته إبّان حملتها على اليمن. عين السعودية على تركيا ومصر في الدرجة الأولى، لما لتركيا من تأثير على الأوضاع في سوريا من بوابة حلب، وعلى العراق من بوابة الموصل، ولما تمثله مصر من حليف أساسي إقليمي للسعودية التي بدأت تشعر بتزايد الضغوط عليها. يقود هذه الضغوط لوبي وسائل الإعلام الغربية - الأميركية على وجه التحديد – مع تزايد جرائم السعودية في اليمن فظاعةً.
مقرّبون من دوائر القرار الملكي بدأوا يشيعون معلومات وتقارير عن تحضيرات لإطلاق مجموعة تحالفية جديدة بقيادة السعودية. هذه المجموعة ستضم إليها تركيا بوصفها شريكاً للمجموعة الخليجية في الخيارات الاستراتيجية من سوريا الى العراق، حتى اليمن. على الأقل هذا ما يسرّبه مقرّبون من مطبخ القرار السعودي، وهذا ما يؤشر إليه آداء رجب طيّب أردوغان، الذي يبدو أنه استوعب صدمة محاولة الإنقلاب، وحشرَ الإدارة الأميركية في زاوية الإتهام برعاية محاولة الإنقلاب. يستفيد أردوغان اليوم من الحَرَج الأميركي المتأتي من فشل محاولة الإنقلاب، وصحّة إتهاماته للقيادة الأميركية، لينفّذ بعض رغباته، خصوصاً في ما يتعلّق بمعركة الموصل، وقبلها الدخول الى جرابلس السورية، ليعود بذلك لاعباً أساسياً على ساحة أحداث المنطقة.
يقرأ هؤلاء المقرّبون في توالي الخطوات المصرية المعبّرة عن هامش واسع في استقلالية القرار المصري عن ذلك السعودي، مؤشرات قد تعرقل إندفاعة المسعى السعودي الجديد. فمصر، استقبلت في الآونة الأخيرة رئيس مكتب الأمن الوطني السوري علي مملوك، وتعمّد الطرفان، السوري والمصري، الإعلان عن الزيارة. علماً أن العارفين بالعلاقة المصرية – السورية، يؤكدون أن مملوكًا قام سابقاً بعدة زيارات ظلّت بعيدة عن الأضواء. ومصر، اقترعت في مجلس الأمن لقرار روسي خلافاً للرغبة السعودية، وهي خاضت، لأول مرة منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي، تدريبات عسكرية مشتركة مع روسيا سُميّت "حُماة الصداقة - 2016". كل هذا التقارب المصري – الروسي، يظلّله حديث عن نية مصر على شراء مروحيات "كا -52" العسكرية الروسية المخصّصة للعمل على سفينتي "ميسترال" اللتين اشترتهما القاهرة مؤخراً، وعن قرب توقيع عقد شامل لبناء محطة للطاقة النووية في منطقة الضبعة المصرية.
في المقابل، جمّدت السعودية تنفيذ تعهّدها بتزويد مصر بـ700 ألف طن من المحروقات شهرياً. لكن هذا التجميد ليس مردّه الغضب السعودي الذي لازال مكبوتاً الى الآن، فحسب، بل إمكانية ألا تكون مصر جزءاً ممّا أطلقت السعودية التحضيرات له في اجتماع الرياض والذي ضمّ وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي وتركيا. هذا الاجتماع الذي وصفته إحدى الصحف السعودية المعروفة والمقرّبة من العائلة الحاكمة، بأنه "ورشة عمل جادّة لتنسيق المواقف ووضع الخطط لمعالجة قضايا المنطقة الجارية والدامية والمهدِّدة للأمن القومي العربي، (بل) أمن المنطقة القومي، بعدما أصبح الأتراك شركاء مع السعوديين والخليجيين على أرض العرب من الموصل شمالاً حتى اليمن جنوباً، وللأسف غابت مصر عن الاجتماع، على رغم أنها معنية به وبكل تفاصيله".
بقلم : حمزة الخنسا
ارسال التعليق