مقابلة بن سلمان مع توماس فريدمان وانعكاساتها على العلاقات مع إيران
قبل أيام أجرى ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" مقابلة مع الصحفي الأمريكي المشهور "توماس فريدمان" تناول فيها مختلف القضايا لاسيّما فيما يتعلق بالعلاقة مع إيران وحزب الله وباقی المحور في المنطقة.
ومما قاله بن سلمان في هذا المجال أنه يرى أن إيران هي العدو الأول للمنطقة (ولیس للسعودیة فقط ) وليس الكيان الإسرائيلي وهذا يمثل في الحقيقة تصعيد جديد لحرب التصريحات المندلعة بين البلدين.
فما الذي يمكن أن نستشفه من هذه التصريحات التصعیدیة خصوصاً وإن بن سلمان كان قد اتهم إيران في أوقات سابقة بدعم الحوثيين واللجان الشعبية بقيادة حركة أنصار الله في مواجهة العدوان السعودي المتواصل على اليمن منذ حوالي ثلاث سنوات وحمل ایران مسوولیة اطلاق الصاروخ الذی استهدف مطار الریاض.
ومن المعروف أن النظرة العامة لابن سلمان تتمثل في أن تقوم السعودية وحلفاؤها بإنشاء تحالف إقليمي ودولي ضد إيران، وذلك بدعم من الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" الذي وصفه ولي العهد السعودي خلال مقابلته مع فريدمان بأنه "الرجل المناسب في الوقت المناسب".
ويعتقد المراقبون بأن التصريحات والإجراءات العجولة والارتجالية التي يتخذها بن سلمان سواء التي تتعلق بالشؤون الداخلية أو الدول الأخرى في المنطقة غير ناضجة وقد تؤدي بالمملكة إلى كوارث حقيقية خصوصاً وأنها تمر بأزمات خانقة على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية.
ويرى المتابعون للشأن السعودي بأن تصرفات بن سلمان وقراراته التي لايمكن التنبؤ بها والتي تكشف عن أنه لم يقرأ التاريخ ولم يستوعب دروسه وعبره، ستقود نظامه إلى مزيد من الأزمات خاصة بعد قيامه بإجراءات ملغمة بألغام شديدة الانفجار من بينها اعتقاله لعدد كبير من الأمراء والمسؤولين بذريعة محاربة الفساد، وذلك في إطار خطة تهدف في الأساس إلى تعزيز سطوته وتمهيد الأرضية لتسلم مقاليد الأمور بعد وفاة أبيه "الملك سلمان بن عبد العزيز" الذي يعاني من الأمراض والتقدم في العمر.
وبحسب الخبراء فإن الهجمة التي يشنها بن سلمان على إيران وحلفائها إنّما تهدف في الواقع إلى حرف الأنظار عن حقيقة الوضع الكارثي الذي تواجهه السعودية نتيجة تخبطات ولي العهد، حيث من المتوقع أن يشهد عهده نهاية حقبة من التاريخ وبداية أخرى نأمل أن لا تكون دموية لأن إرهاصاتها تشي بذلك، ومنها الإجراءات التي تهدف إلى علمنة الدولة بذريعة الانفتاح السياسي والعودة إلى ما أسماه "الإسلام المعتدل" وموجة التقشف التي تجتاح البلاد وما أنتجته من احتقان اقتصادي واجتماعي واضح للقاصي والداني.
وكانت العلاقات السعودية الإيرانية قد زاد تدهورها بشكل ملحوظ منذ نحو عامين وتحديداً بعد قيام سلطات الرياض بإعدام الشيخ نمر باقر النمر وما تبعها من احتجاجات شعبية ورسمية واسعة في إيران تخللها اقتحام السفارة السعودية في طهران من قبل بعض المحتجين.
وتتهم إيران السعودية باالتقصیر فی کارثة منى في عام 2015 والتي راح ضحيتها المئات من الحجاج من إيران ومختلف أنحاء العالم الإسلامي. وقد أثارت الحادثة توترات طائفية بين البلدين، والتي أثيرت بالفعل بسبب الاضطرابات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط لاسيّما الأزمة السورية والعدوان السعودي على اليمن.
وبسبب الخلافات السياسية والمذهبية، اتسمت العلاقات بين البلدين بالاحتقان الشديد، وانقطعت العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين في 1987 بعد مصرع أكثر من 400 شخص، معظمهم إيرانيون، أثناء أدائهم فريضة الحج، والتي عرفت باسم أحداث مكة.
والسؤال المطروح: إلى أين تتجه العلاقات السعودية - الإيرانية في ظل الخلافات القائمة والتي زاد سعيرها في الآونة الأخيرة؟
للإجابة عن هذا التساؤل لابدّ من القول بأن التعويل على المقاربة بين الرياض وطهران، والتعاطي معها كاختراق سياسي في علاقات البلدين في بعض الأحيان، فيه تفاؤل يعبر عن آماني وتطلعات، أكثر من كونه تحليلاً يستند إلى معطيات. فما بين الدولتين، ليس تبايناً ثنائياً عابراً، بل هو خلاف مزمن، عمقته وقائع وشواهد عديدة، لها على الأرض آثار وندوب واضحة في مفاصل كثيرة، من علاقات معقدة وحساسة حكمت سياستيهما وعلاقاتهما بالمحيط الإقليمي. فالانفراج أو التأزيم بين الجانبين، مرتبط بمدى تحسن أو توتر المناخ الإقليمي وما يتصل به من ارتدادات دولية، وهذا بدوره لن يسهم في وضع حدّ لهذه الأزمة طالما كانت هناك جهات مستفيدة من هذا الاحتقان الذي كلّف الأمّة الكثير من دماء وأرواح أبنائها وتسبب في إهدار طاقاتها وإمكاناتها في وقت هي بأمسّ الحاجة إلى التكاتف والتلاحم للدفاع عن القضايا المصيرية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والتحرك الجاد لإعادة الأمن والاستقرار لعموم المنطقة.
الخلاصة:
اعتبر المراقبون تصريحات ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" خلال مقابلته مع الصحفي الأمريكي "توماس فريدمان" والتي وصف فيها إيران بأنها العدو الأول للمنطقة بمثابة صبّ الزيت على النار الذي من شأنه أن يزيد الاحتقان والتوتر بين طهران والرياض، والذي لن يسهم سوى في زيادة الأزمات التي تعاني منها المنطقة على كافة الأصعدة خصوصاً في الجانب الأمني الذي تسبب بإهدار نفوس كثيرة وطاقات كبيرة الأمّة بأمس الحاجة إليها لنصرة قضاياها المصيرية لاسيّما القضية الفلسطينية.
ارسال التعليق