رغم الانتقادات الإنسانية ودعوات المقاطعة.. عقود تسليحية أمريكية سعودية جديدة
في الوقت الذي تتزايد فيه الانتقادات الدولية والأممية بشأن العدوان السعودي على اليمن، واتهامات باستخدام المملكة أسلحة محرمة في هذا العدوان، وعلى الرغم من محاولات السعودية تبييض وجهها بشأن القضية الفلسطينية، خاصة بعد قرار الرئيس الأمريكي المثير للجدل حول اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، وما تبعه من ردود أفعال عربية هزيلة، لا تنطوي على أي تحرك إيجابي، وفي الوقت الذي ترتفع فيه ميزانية المملكة بشكل غير مسبوق، وبالتحديد تلك البنود الخاصة بالإنفاق العسكري، لا تزال الرياض تلهث وراء تعزيز علاقاتها بأمريكا من خلال صفقات تسليحية جديدة.
عقود التسليح الجديدة
يبدو أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بصدد تنفيذ وعوده بشأن استراتيجية الأمن القومي الجديد، والتي أكد خلالها أن “على الدول الثرية أن تدفع تكلفة حمايتها لأمريكا”، كما أنه بصدد استكمال تنفيذ وعوده الانتخابية التي أكد خلالها أن “المملكة هي بقرة تدر الحليب، متى جف ضرعها سنذبحها”، فواشنطن تحاول في الوقت الحالي الاستيلاء على ما تبقى في الخزنة السعودية من خلال صفقات تسليحية تضرب عصفورين بحجر واحد، منها تأجيج الصراعات في الشرق الأوسط، وزيادة سباق التسليح في المنطقة؛ مما سيعود بالنفع على سوق السلاح الأمريكية، ويدر عليها الأموال الخليجية، ومنها الإمساك بالمزيد من أوراق الضغط على المملكة وحلفائها؛ مما يجعلهم دمية لينة في يد أمريكا لتنفيذ مخططاتها.
كشفت وزارة الدفاع الأمريكية، الخميس الماضي، عن توقيع عقد لصفقة ضخمة مع السعودية، بقيمة 480 مليون دولار، فازت بها شركة “بوينج الأمريكية”، لتقديم خدمات دعم وإصلاح للقوات الجوية في المملكة العربية السعودية، وفي الوقت نفسه أعلنت شركة “لوكهيد مارتن” عن توقيع عقد دفاعي أمريكي هائل، وصلت قيمته إلى نحو 945 مليون دولار، يتعلق بصواريخ “باتريوت” لقطر والسعودية، دون تفاصيل عن نصيب كل دولة من الصفقة.
تأتي هاتان الصفقتان الجديدتان في إطار سباق التسليح الذي تقوده المملكة العربية السعودية في المنطقة، حيث لا يكاد يمضي أكثر من ثلاثة أشهر حتى تتجدد عقود التسليح بين أمريكا والسعودية بشكل مثير للدهشة، ففي أكتوبر الماضي وقعت السعودية مع البنتاجون صفقة، تشمل توريد 44 منصة إطلاق لمنظومة “ثاد” وجرارات خاصة بها، و360 صاروخًا، و16 مركز قيادة، و7 رادارات، وعلى الرغم من هذه العقود المتتالية بشكل متسارع، إلا أن المملكة لا تزال عاجزة عن الحفاظ على أمن أراضيها أمام الصواريخ الحوثية، التي تكاد أن تصل إلى قلب العاصمة الرياض، حيث فشلت الدفاعات الجوية من نوع “باتريوت” في اعتراض الصاروخ الذي أطلقته جماعة أنصار الله اليمنية في اليمن باتجاه العاصمة السعودية الرياض، مطلع نوفمبر الماضي، وانفجر قرب مطار الملك خالد شرقي العاصمة السعودية، الأمر الذي يثير الدهشة من إصرار السعودية على شراء أنظمة دفاعية غير مجدية.
صفقة استباقية
الصفقات السعودية الأمريكية تأتي في الوقت الذي يتزايد فيه الحديث عن صفقة سعودية روسية، من المفترض أن تزود بموجبها موسكو الرياض بمنظومة صواريخ “إس400” ومنظومات الصواريخ المضادة للدبابات “كورنيت إي إم”، حيث جاء إعلان “البنتاجون” حول الصفقة السعودية الأمريكية، بعد ساعات من إعلان مساعد الرئيس الروسي لشؤون التعاون العسكري – التقني، فلاديمير كوجين، أن روسيا والسعودية قد تتفقان بشأن كل الأمور المتعلقة بتوريدات أنظمة “إس 400” للدفاع الجوي قبل نهاية العام، وأكد كوجين “توقيع رزمة من الاتفاقيات مع السعودية، بما في ذلك “إس 400″، وتُناقَش الآن المسائل التقنية والجوانب المالية، وآمل أن نتلقى الأجوبة عن كافة الأسئلة الباقية قبل نهاية العام”.
هذه الصفقة التي تحاول السعودية بموجبها تعويض فشلها الدفاعي من قبل منظومات الباتريوت، التي عجزت مرارًا عن اعتراض صواريخ جماعة أنصار الله باتجاه أراضي المملكة، أثارت غضب الولايات المتحدة الأمريكية، حيث انتقدت واشنطن قبل أسابيع الصفقة الروسية السعودية، وقالت المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأمريكية، ميشيل بالدانزا: إننا نشعر بقلق من شراء بعض حلفائنا لمنظومة “إس 400″؛ لأننا شددنا مرارًا على أهمية الحفاظ على التطابق العملياتي لأنظمة الحلفاء مع أنظمة أسلحة الولايات المتحدة والدول الأخرى في المنطقة، وذلك خلال تنفيذ صفقات عسكرية كبيرة خاصة بشراء الأسلحة.
انتقادات دولية ومأزق أخلاقي
يبدو أن أمريكا غير معنية بالانتقادات الدولية والأممية التي تتصاعد يوميًّا بشأن العدوان السعودي على اليمن وشبهات حول استخدامه لأسلحة محرمة هناك، والنداءات الإنسانية بوقف تزويد المملكة بالأسلحة والمعدات العسكرية على خلفية انتهاكات هناك، فواشنطن لا يهمها سوى المليارات التي تجنيها من الخزائن السعودية، وفي الوقت نفسه فإن السعودية تصم آذانها عن الدعوات الأممية والتحذيرات الدولية بشأن جرائم الحرب التي ترتكبها قواتها في اليمن، والإحصائيات المفزعة حول المجاعات والأوبئة وأعداد القتلى والجرحى؛ جراء عدوانها المستمر منذ ما يقرب من 3 سنوات، حيث يتعرض تحالف العدوان الأمريكي السعودي على اليمن إلى انتقادات من جهات سياسية وحقوقية دولية، على خلفية استهداف غاراتها للمدنيين، بالإضافة إلى دور التحالف في مفاقمة الوضع الإنساني؛ نتيجة الحصار والإغلاق المفروضين على الشعب اليمني، وكان آخر هذه الانتقادات تلك التي وجهتها أكثر من 15 منظمة إنسانية وإغاثية دولية، حيث أعربت عن قلقها الشديد إزاء إغلاق السعودية المنافذ البرية والجوية والبحرية من اليمن وإليه، فيما حذرت الأمم المتحدة من وقوع أكبر مجاعة منذ عقود ضحاياها بالملايين، إذا لم يسمح التحالف بوصول المساعدات.
ماذا بشأن القدس ودعوات المقاطعة؟
ردود الأفعال العربية، وخاصة السعودية الهزيلة والذليلة، بعد إعلان الرئيس الأمريكي المثير للجدل، بشأن اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إلى هناك، دفعت إلى تهاوي صورة المملكة السعودية في العالم العربي والإسلامي بشكل متسارع، فلم تعد المملكة في أعين العديد من الشعوب هي القائدة للدول العربية والإسلامية، بل باتت عرابة التطبيع مع الكيان الصهيوني المغتصب لجزء من الأراضي العربية المقدسة، وفي الوقت الذي يسعى فيه سفراء المملكة في العديد من الدول إلى تحسين هذه الصورة وإظهار السعودية بقيادتها على أنها الراعي الأول لمصالح الدول العربية والإسلامية، تأتي الزيارات والصفقات بين الرياض وواشنطن لتؤكد حقيقة المملكة اللاهثة وراء مصالحها السياسية دون وضع العالم الإسلامي في اعتبارها.
فمنذ تولي الملك “سلمان بن عبد العزيز” شؤون المملكة في عام 2015، وإحكام نجله “محمد بن سلمان” قبضته على سياسات السعودية الخارجية، تسارعت وتيرة تراجع صورة السعودية بشكل مثير للجدل، بداية من الانتقادات لدعم السعودية للجماعات المسلحة في سوريا والعراق وليبيا، مرورًا بافتعال أزمة اليمن وتصاعد الانتقادات الحقوقية بسبب كثرة الضحايا في هذا العدوان، وصولًا إلى موقف المملكة المبهم بشأن إعلان واشنطن القدس عاصمة لإسرائيل، حيث انهالت الانتقادات على المملكة، وظهرت جليًّا في مظاهرات معظم الشعوب العربية، وأبرزها في الأردن والجزائر، حول دور السعودية في ملف القدس، خاصة بعد أن خرجت تقارير تؤكد أن المملكة باعت القدس لإسرائيل مقابل تعزيز التعاون معها، واقترحت على الفلسطينيين استبدال “أبو ديس” عاصمة لفلسطين مكان القدس، فيما تزيد ضغوطها على الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، للقبول باقتراحات أمريكية حول ما يُعرف بـ”صفقة القرن”.
تضخم ميزانية المملكة
الإعلان عن الصفقة جاء بعد أيام قليلة من إعلان السعودية عن ميزانيتها لعام 2018، والتي قدرت بـ978 مليار ريال، ووصفها العاهل السعودي، سلمان بن عبد العزيز، بأنها “أكبر ميزانية إنفاق في تاريخ المملكة”، فيما تحمل هذه الميزانية نسبة إنفاق عسكري قياسية بلغت 21%، حيث قدّم وزير المالية، محمد الجدعان، عرضًا موجزًا عن الميزانية العامة للدولة، يتوقع أن يبلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي عام 2018 نحو 2.7 في المائة، مبينًا أن حكومة المملكة تستهدف في ميزانية 2018 خفض العجز إلى نحو 7.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، مقابل عجز متوقع بنحو 8.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2017، وزيادة في إجمالي الإيرادات بنحو 12.6 في المائة، مقارنة بالمتوقع تحصيله في عام 2017، بينما يتوقع ارتفاع الإيرادات غير النفطية بنحو 14 في المائة.
بقلم : هدير محمود
ارسال التعليق