ارتبطت بدول خليجية وعملها قائم على التجسس.. ما هي "NSO" الاسرائيلية؟
التغيير
من حين إلى آخر تتكشف خفايا أكبر حول تعاون آل سعود والإمارات والبحرين مع شركة التجسس الإسرائيلية في عمليات تجسس واسعة طالت مواطنين أمريكيين وشركات عالمية، بالإضافة للتجسس على صحفيين وناشطين في مجال حقوق الإنسان في العالم العربي.
وبما أن عمليات التجسس تحتاج إلى تكنولوجيا متقدمة في مجالات الملاحقة والاختراق والقرصنة والأعمال غير المشروعة؛ تتصدر دولة الاحتلال الإسرائيلي المشهد بتمويل من العواصم العربية آنفة الذكر، التي تستفيد منها في تتبع كل تحركات مواطنيها بما يضمن لها السيطرة واستمرار القمع.
وتجدد الموضوع، يوم الجمعة (31 يناير 2020)؛ بعد قيام مكتب التحقيقات الاتحادي الأمريكي "إف بي آي" بالتحقيق في دور شركة الهايتك والبرمجية الإسرائيلية "إن إس أو" في عمليات اختراق إلكتروني محتملة استهدفت مواطنين وشركات أمريكية، فضلاً عن جمع معلومات استخبارية عن حكومات.
ما هي "NSO"؟
شركة تقنية إسرائيلية تركز في عملها على الاستخبارات الإلكترونية، ويأتي في مقدمة خدماتها التجسس على الهواتف النقالة واختراقها، والتمكن من سرقة بياناتها.
تأسست عام 2010 من قبل نيف كارمي وأومري لافي وَشاليف هوليو، وتُفيد بعض التقارير بأنّ الشركة توظف نحو 500 شخص في مقرها في "هرتسليا" بالقرب من تل أبيب.
ووصلت الإيرادات السنوية للشركة إلى نحو 40 مليون دولار في عام 2013، وارتفعت إلى 150 مليون دولار بحلول عام 2015.
وفي يونيو من عام 2017 تمّ طرحُ الشركة للبيع بمبلغ مليار دولار من قبل مالكتها شركة "فرانسيسكو بارتنرز مانجمنت"، وتمّت الصفقة في عام 2019.
وتنتشر خدمات الشركة في كل أنحاء العالم، وتتعامل مع الكثير من الحكومات، لكن ارتبط اسمها بدول تشهد انتهاكات واسعة في مجال حقوق الإنسان؛ مثل الإمارات وآل سعود والبحرين.
وباعت الشركة نسخة قديمة من برنامجها لحكومة المكسيك عام 2012، بهدف التصدي لعصابات تجارة المخدرات في البلاد، لكن صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية قالت، في عام 2016، إن السلطات استخدمت البرنامج للتجسس على صحفيين ومحامين معارضين.
وذكرت "نيويورك تايمز" أن دولة الإمارات اشترت من الشركة برامج ساعدتها في التنصت على زعماء دول مجاورة، ورئيس تحرير إحدى الصحف العربية في العاصمة البريطانية.
وتعامل الحكومة الإسرائيلية منتجات الشركة مثل أي شركة مصدرة للسلاح؛ إذ تشترط عليها الحصول على تصريح من وزارة الدفاع لتصدير أي من منتجاتها إلى الخارج.
وتزعم الشركة أنها تقدم "الدعم التكنولوجي" لحكومات العالم من أجل مساعدتهم على "محاربة الإرهاب والجريمة"، لكنها تُتهم من قبل منظمات حقوقية دولية بأنها تعمل على تصميم وتطوير برامج تُستخدم في عمليات الاختراق والتجسّس ضد نشطاء حقوق الإنسان والصحفيين في العديد من البلدان.
تحقيق أمريكي
وذكرت وكالة "رويترز"، في تقرير لها نُشر يوم الجمعة (31 يناير 2020)، أن أربعة مصادر مطلعة قالت إن أحد الأشخاص الذين استجوبهم مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي "إف بي آي" قال: إن "التحقيق بدأ عام 2017، عندما كان مسؤولو المكتب يحاولون معرفة ما إذا كانت الشركة حصلت من متسللين أمريكيين على أي رمز (كود) احتاجته لاختراق الهواتف الذكية. وخضع الشخص للاستجواب آنذاك، ثم مرة أخرى عام 2019.
فيما قال شخصان تحدثا مع ضباط في مكتب التحقيقات أو مسؤولين في وزارة العدل: إن "المكتب أجرى مزيداً من المقابلات مع خبراء في قطاع التكنولوجيا، بعد أن رفعت شركة (فيسبوك) دعوى قضائية، في أكتوبر الماضي، متهمة (إن إس أو) باستغلال عيب في تطبيق (واتساب) لاختراق حسابات 1400 مستخدم".
ونفت "إن إس أو" معرفتها بما يدور في أروقة مكتب التحقيقات الفيدرالي، زاعمة أنها لا تعلم أي تفاصيل بخصوص التحقيق.
وذُكر في بيان قدمته شركة "ميركوري بابليك أفيرز استراتيجي" أنه "لم يتم الاتصال بنا من قبل أي من وكالات إنفاذ القانون الأمريكية على الإطلاق بشأن أي من هذه الأمور".
ولم تجب "إن إس أو" عن أسئلة إضافية حول سلوك موظفيها، لكنها سبق أن قالت إن عملاء حكوميين هم الذين نفذوا عمليات التسلل، بحسب "رويترز".
بدورها قالت متحدثة باسم مكتب التحقيقات: إن المكتب "ملتزم بسياسة وزارة العدل بعدم تأكيد أو إنكار وجود أي تحقيق، لذلك لن نتمكن من تقديم أي تعليق إضافي".
ولم تتمكن الوكالة من تحديد أهداف التسلل التي تمثل أهم الشواغل بالنسبة إلى المحققين أو المرحلة التي دخلها التحقيق، لكن المصادر ذكرت أن الشركة محور مهم في التحقيق، وكذلك مدى تورطها في عمليات تسلل محددة.
كما نقلت الوكالة عن مصدرين مطلعين قولهم إن جزءاً من التحقيق يهدف إلى فهم العمليات التجارية لـ"إن إس أو"، والمساعدة التقنية التي تقدمها للعملاء.
ويبدو أن الشركة متورطة في قضية اختراق هاتف جيف بيزوس، الرئيس التنفيذي لشركة "أمازون" ومالك صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، حيث قالت مؤسسة "إف تي آي كونسلتينغ"، التي تمثل بيزوس، إن "إن إس أو" الإسرائيلية ربما وفرت البرمجيات التي استخدمت لاختراق هاتف موكلها من نوع "آيفون".
وبدأ الأمر في أبريل 2018، عندما حضر بيزوس حفل عشاء مع ولي عهد آل سعود وتبادلا الأرقام، بعدها -وتحديداً في مايو من العام ذاته- تلقى بيزوس ملف فيديو مشفراً أُرسل من حساب الواتساب الشخصي لولي عهد آل سعود، تبعه بدء تسرب كميات هائلة من البيانات من هاتف بيزوس.
وكشف بيزوس أنه تلقى رسائل واتساب من محمد بن سلمان تحتوي على معلومات خاصة وسرية عن حياته الشخصية، حسبما نقلته وسائل إعلام، بين نوفمبر 2018 وفبراير 2019، وهي الفترة التي تلت مقتل خاشقجي.
ووصف آل سعود ادعاء "إف تي آي" بأنه "منافٍ للعقل"، فيما نفت "إن إس أو" أي تورط لها؛ وقال خبراء أمنيون آخرون إن "البيانات غير حاسمة".
قضايا تجسس متصلة
علاقة الحكومات العربية مع شركة التجسس الإسرائيلية فتحت سلسلة من الفضائح حول ارتباط سلطات هذه الدول بأغلب عمليات التجسس التي قامت بها "إن إس أو"، وأخرى منفصلة عنها.
ففي 28 يناير 2020، قال "بوب مينينديز"، السيناتور الديمقراطي في مجلس الشيوخ الأمريكي: "إن القتل الوحشي للصحفي السعودي جمال خاشقجي، واعتقال الناشطين وتعذيبهم، والاستخدام المفترض لموظفي تويتر للتجسس على المعارضين، يدل على أن لدى حكومة آل سعود سجلاً مقلقاً في استخدام التكنولوجيا لقمع المعارضين".
واعتبر أن استخدام برامج التجسس للوصول غير المصرح به إلى بيانات مواطن أمريكي من جانب ولي عهد آل سعود محمد بن سلمان، يثير مخاوف جديدة حول قدرة حكومة آل سعود واستعدادها لاستخدام التكنولوجيا لتقويض مصالح الأمن القومي الأمريكي.
كما أفادت صحيفة "الغارديان" البريطانية، في 21 ديسمبر 2019، بأن العشرات من كبار مسؤولي الدفاع والمخابرات الباكستانيين كانوا من بين المعرضين للتجسس عبر الشركة الإسرائيلية.
وفي 6 نوفمبر 2019، نقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن وزارة العدل الأمريكية أن سعوديَّين، وأمريكياً، اتُّهموا بالتجسس لصالح الرياض في الأراضي الأمريكية، أثناء عمل اثنين منهما في موقع "تويتر".
وفي سياق متصل سبق أن رفعت شركة التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، في أكتوبر 2019، دعوى قضائية ضد الشركة الإسرائيلية؛ لاتهامها بمساعدة دول كالإمارات والبحرين في اختراق هواتف صحفيين ومعارضين وجهات أخرى بينها مسؤولون حكوميون؛ بهدف معرفة نشاطاتهم.
وبحسب وكالة "CNBC" الأمريكية، فقد وجهت "فيسبوك" الاتهامات إلى شركة "كيو سايبر"، وهي شركة تابعة لـ"NSO"، بوصفها مدعى عليه ثانياً في القضية.
وتشير الدعوى إلى أنّ "NSO" استخدمت برمجيتها الأساسية "بيغاسوس" ليس فقط لاختراق الرسائل المرسلة على تطبيق واتساب، "بل لاختراق تلك المرسلة على منصات منافسة مثل آي مسج التابع لآبل، وسكايب التابع لمايكروسوفت، وتليغرام، ووي تشات، وفيسبوك ماسنجر".
وكانت منظمة العفو الدولية كشفت، في 10 أكتوبر 2019، عن اختراق ومحاولات تجسس على ناشطين مغربيين معارضَين؛ هما المعطي منجب، المؤرخ والباحث الأكاديمي المعروف، وعبد الصادق البوشتاوي، المحامي الحقوقي وناشط حقوق الإنسان في البلد الشمال أفريقي، من قبل الإمارات.
كما وجهت الاتهامات للإمارات باستخدام هذه الشركة في تتبُّع عدد من أهم نشطاء وحقوقيي الشرق الأوسط والتجسس عليهم، ومنهم الحقوقي الإماراتي الأشهر والمعتقل حالياً أحمد منصور.
وسبق ذلك تحرك "تويتر"، في 20 سبتمبر 2019، وحذفها آلاف الحسابات التي كانت تدار من آل سعود والإمارات ومصر للتأثير في الأزمة الخليجية وحرب اليمن، بينها حساب المستشار في الديوان الملكي لآل سعود المُقال سعود القحطاني.
وفي أبريل 2019، حذفت "تويتر" أكثر من 5 آلاف حساب "بوت" أوتوماتيكي تنتمي إلى الذباب الإلكتروني؛ لأن هذه الحسابات نفذت حملة تأييد للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فضلاً عن أنها نفذت حملات سابقة للترويج لحكومة آل سعود.
ارسال التعليق