FP: هل تسير العلاقات الأمريكية مع آل سعود إلى الانهيار؟
التغيير
تناول تحقيق مطول نشرته مجلة "فورين بوليسي"، أعده كل من كيت جونسون، المحرر البارز في المجلة، وروبي غريمر، محرر الدبلوماسية والأمن القومي فيها أيضا، عن مدى الانهيار الذي وصلت إليه العلاقات الأمريكية مع آل سعود، بعد حرب الأسعار الأخيرة.
وقال الكاتبان في تحقيقهما إن زواج المصلحة بين البلدين، استمر منذ الحرب العالمية الثانية، إلا أن انهيار أسعار النفط الحالية، والشكوك المتبادلة التي وصلت لدرجة عالية بينهما مؤخرا قد تفشله.
وعاد الكاتبان إلى أزمة النفط عام 1973، (التي أوقف فيها الملك فيصل تصدير وبيع النفط للغرب)، ونقَلا ما عبر عنه حينها وزير الخارجية الأمريكية، هنري كيسنجر، من غضب باجتماع بـ"ماب روم" بالبيت الأبيض، وقال حينها إن قيام الولايات المتحدة بغزو منابع النفط في الخليج، "لن تكون فكرة مجنونة"، واصفا خطوة آل سعود حينها بأنها "ابتزاز".
ونقل الكاتبان ما قاله كيسنجر، والذي كان مستشيطا بالغضب: "من السخافة بمكان أن يكون العالم المتحضر رهن 8 ملايين متوحش"، إلا أن كيسنجر الغاضب، كان هو ذاته بعد ثلاثة أشهر في قصر الملك فيصل مقدما ولاء الطاعة وواعدا بتقديم الدعم الاقتصادي والعسكري والتقني حتى قبل رفع الحظر عن تصدير النفط للغرب.
وبحسب التحقيق فإن الحادثة عبرت عن استمرارية العلاقة الأمريكية مع نظام آل سعود، رغم التوترات بسبب النزاع العربي- الإسرائيلي، وما بعدها من تداعيات هجمات 11 أيلول/ سبتمبر.
وجاء التحقيق في هذا الصدد على ذكر الأسس التي قامت عليها العلاقة بين الرئيس فرانكلين روزفلت والملك عبد العزيز بن سعود في الأيام الأخيرة من الحرب العالمية الثانية والتي وصفها التحقيق بأنها "لم تهتز".
وأشار التحقيق إلى ما سماه "إطلاق الرياض كما في السبعينات من القرن الماضي، لسلاح النفط على الولايات المتحدة والإضرار باقتصادها والتسبب عن سبق إصرار بانهيار أسعار النفط، في وقت يواجه فيه العالم وباء فيروس كورونا".
وقال: "في الكونغرس هناك حب مفقود بين المشرعين وآل سعود، فقد أصابتهم خيبة الأمل بسبب الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان، والحرب الوحشية في اليمن".
وزاد التحقيق بالقول إن حرب النفط الاخيرة، امتحن السعوديون فيها نوابا وشيوخ بالكونغرس من الحزب الجمهوري، من الذين يمثلون ولايات النفط، مشيرا إلى أنه ورغم ما تم التوصل إليه من اتفاق أمريكي- روسي وسعودي، إلا أن الاتفاق لم يكن فاعلا بالدرجة المطلوبة، حيث استمرت أسعار النفط بالهبوط إلى أدنى المستويات ما يهدد بإفلاسات وخسائر في الأعمال.
ويتهم المشرعون الذين يمثلون ولايات النفط في تكساس ولويزيانا ونورث داكوتا وألاسكا نظام آل سعود بشن "حرب اقتصادية" وتقدموا بمشروع لسحب القوات الأمريكية ورفع الغطاء الأمني الذي حمى نظام آل سعود الضعيفة لعقود.
وفي هذا الصدد قال كيفن كريمر، السناتور الجمهوري عن نورث داكوتا: "ليست هذه هي الطريقة التي يتصرف بها صديق تجاه أصدقائه، لقد أساؤوا تقدير الرد الأمريكي على هذا وبطريقة صارخة".
وبشكل عام بات الكثير من المسؤولين في واشنطن يتساءلون عن أسس العلاقة التي أكدت على توفير الأمن الأمريكي كي يتدفق النفط بحرية مقابل دعم آل سعود لخطط الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
وحتى الرئيس دونالد ترامب الذي ظل يدافع عن آل سعود بات يتساءل عن استمرار أمريكا بالدفاع عن النفط السعودي والذي يباع للصين والدول الآسيوية وليس لأمريكا أو لحلفائها الأوروبيين.
ولفت التحقيق إلى ما أسماه "ثورة النفط الصخري الأمريكي"، وضرورة إعادة النظر في الأموال التي تنفق والجنود الذين يخسرون حياتهم للدفاع عن "مملكة دينية لا تشترك مع القيم الأمريكية".
وبحسب التحقيق فقد نجا زواج الإكراه بين البلدين في تجاوز أزمة حظر النفط وهجمات 9/11 والحرب العراقية، إلا أنه يهتز الآن بسبب الهزات الجديدة والسخط المتزايد بين المشرعين والإعلام والرأي العام.
ويقول كريمر: "أواجه مشكلة عويصة لإخبار أبناء منطقتي عن السبب الذي يجعلنا ننفق المال ونخاطر بحياتنا للدفاع عن بلد تاريخه معنا سطحي وكشف الآن عن هذا السلوك" و"أصبح من الصعب الدفاع عنهم".
ويرى المحلل بروس ريدل، مسؤول برنامج الإستخبارات بمعهد بروكينغز أن "الشيء الوحيد الذي يمسك بالعلاقة اليوم هو ترامب، ولديه ميل قوي للسعودية"، مشيرا إلى أن كل ذلك يمكن أن يتغير في حالة تم انتخاب المرشح الديمقراطي جوزيف بايدن الذي وصف حكومة آل سعود "بالمنبوذة ووعد بقطع صفقات السلاح معها".
ويتساءل الكاتبان عن السبب الذي وصلت فيه العلاقة لدرجة الغليان اليوم، ويجيبان أن مشاكل اليوم هي نابعة من المقايضة الأولى وهي الأمن مقابل النفطـ، إلا أنها لم تكن قادرة على ردم الهوة بين ديمقراطية ليبرالية وملكية دينية.
ويعتقد البعض أن البلدين يستطيعان تجاوز الأزمة الحالية كما فعلا مع أزمات أخرى، نظرا لأهمية المملكة للمصالح الأمريكية بالشرق الأوسط.
وفي هذا الإطار يقول بلال صعب من معهد الشرق الأوسط: "من الصعب التفكير بل لا يمكن التفكير في انهيار العلاقات أو الطلاق".
إلا أن ريدل يرى إمكانية انهيار العلاقة مستقبلا، ويرى أنها اليوم نجت فقط بسبب وجود عنصر المقايضة بين الطرفين.
ويلفت التحقيق إلى دور القضية الفلسطينية وهي المسألة الرئيسية بالشرق الأوسط، في خلق التوترات في العلاقة، مستذكرين فصولا مما حدث بالعلاقة بين الطرفين إبان فترة الملك فيصل.
وذكر التحقيق ما قاله كيسنجر نهاية عام 1972 للرئيس ريتشارد نيكسون: "من الواضح أن الملك فيصل يفكر بفكرة تقوم على فرض الضغط الاقتصادي على أمريكا وفرض تسوية سلمية على إسرائيل تفضل المصالح العربية".
حدث هذا أثناء حرب عام 1973 حيث وصفت برقية للسفارة الأمريكية في جدة الملك فيصل الغاضب بأنه هو الذي أمر بحرب النفط.
ورد كيسنجر الغاضب حينها أيضا بأنه لن يجعل السياسة الخارجية الأمريكية رهنا للإكراه، وقال: "أعرف ما حدث في القرن التاسع عشر" و"فكرة قيام مملكة بدوية بإمساك أوروبا الغربية والولايات المتحدة لا يمكن التفكير بها".
وظل يطرح فكرة الحل العسكري "ألا يمكننا الإطاحة بواحد من الشيوخ لإظهار أننا قادرون على عمل هذا".
وفي النهاية - يضيف التحقيق- دفن البلدان خلافاتهما وانتهت حرب النفط عام 1974 ولكنها تركت أثارا لم تمح وشوهت سمعة آل سعود بين الرأي العام الأمريكي وأحدثت مخاوف من العودة لسلاح النفط رغم أن التهديد النفطي قد تغير.
وفي هذا الصدد قال ريدل: "كانت صورة شيوخ النفط وهم يفركون أيديهم فرحا ونحن نقف أمام طوابير الوقود سببا في عدم شعبيتهم"، وركزت الحرب في ذهن الرأي العام أن سلطات آل سعود ليست شريكا يوثق به.
فيما يقول جوزيف ويستفال، السفير السابق لواشنطن في الرياض "ترك حظر النفط آثارا دائمة على العلاقات ولا تزال حاضرة حتى اليوم" لأنها جعلت الأمريكيين يعون فكرة تبعيتهم للنفط الأجنبي وخلقت موقفا جديدا. وبعد سنوات شهد الشرق الأوسط حادثا مهما وهو الثورة الإيرانية عام 1979 والهجوم على الحرم في نفس العام، حيث كشف عن مكامن الضعف لديهم.
ومحت ولادة جمهورية إسلامية كل الضغائن التي نتجت بسبب حرب النفط وجعلت مملكة آل سعود مركزا للسياسة الأمريكية، حيث أدت إلى ولادة عقيدة كارتر التي قامت على توفير الحماية لمنابع النفط.
كما أن مشاكل تصدير النفط الإيراني جعلت من مملكة آل سعود مهمة جدا، وعن هذا كتب السفير الأمريكي في مملكة آل سعود، جون ويست أثناء إدارة جيمي كارتر أن حكومة آل سعود "باتت تتعامل مع العلاقات الأمريكية مع آل سعود من خلال منظور أمن النفط وأنها غير متوازنة وتصب في صالح أمريكا، ولهذا باتت تفكر بالحصول على تنازلات مقابل النفط"، ولم يكن هذا هو الأثر الوحيد للثورة، بل وتبنت سلطات آل سعود موقفا محافظا وقوت من مؤسسة رجال الدين ودعمت المجاهدين في أفغانستان.
وبعد عقدين دخلت العلاقات أزمة جديدة من خلال هجمات 9/11 وخلقت أزمة خطيرة لعلاقات كانت عصية على الاهتزاز حتى ذلك الوقت.
وزادت معارضة الرأي العام لآل سعود في وقت عبرت فيه قيادة نظام آل سعود عن سخطها من ردة الفعل على قيام عناصر مارقة بالهجمات.
ويقول السفير الأمريكي السابق روبرت جوردان بهذا الصدد "كانت فترة سلبية"، ورد السعوديون بمقاطعة البضائع الأمريكية.
وكشف في تموز/يوليو 2016 عن صفحات من التحقيق بالهجمات الذي ألمح بدون إثبات لتورط سعودي في العمليات.
وبعد 15 عاما عليها صادق الكونغرس بالإجماع على قانون يسمح لعائلات ضحايا 9/11 بمقاضاة آل سعود في أمريكا.
وفي هذا الصدد يقول جيرالد فييرستاين، الدبلوماسي الأمريكي "لم تتعاف العلاقات من 9/11"، ورد جورج دبليو بوش بعد عامين على الهجمات بغزو العراق الذي خافت سلطات آل سعود من أثره عليها، وفتح المجال لإيران، وهو ما حدث.
ولفت التحقيق إلى أن الولايات المتحدة وآل سعود وجدا طرقا لتجاوز آثار الهجمات من خلال العدو المشترك وهي القاعدة.
وكانت الحرب على الإرهاب هي الرابطة الوثيقة التي حافظت على العلاقات أثناء إدارة باراك أوباما، رغم ما شاب العلاقات من توترات حول الربيع العربي وسوريا وإيران.
ولم تتلق نخب آل سعود خطاب أوباما في القاهرة عام 2009 الذي دعا فيه لبداية جديدة مع العالم الإسلامي بحماس.
ويقول ريدل إن الإطاحة بحسني مبارك وصعود الإخوان المسلمين إلى السلطة "هز العلاقات الأمريكية مع السعوديين. وبالنسبة لهم فالرد الأمريكي كان متعاطفا ولهذا بردت العلاقات"، بالإضافة لغياب التحرك الأمريكي في سوريا وحليف إيران في العراق نوري المالكي.
ويقول ويستفال الذي كان حاضرا لقاء لثلاث زيارات قام بها الرئيس إلى مملكة آل سعود إن "الملك عبد الله كان يحب أوباما ويحترمه" ولكنه لم يكن يفهم سبب الدعم لنوري المالكي ولماذا لا يمكن الإطاحة بالأسد؟ إلا أن التوتر الأكبر على العلاقات منذ 1973 كان حول الاتفاقية النووية التي وقعتها أمريكا مع عدد من الدول عام 2015 للحد من برنامج إيران النووي.
ويقول ويستفال إنه في حديثه مع الملك وولي عهده ونائب ولي العهد فقد كانوا يفضلون جهود الحد من نشاطات إيران النووية، ولكنهم كانوا يريدون أكثر من ذلك، وهو التحرك ضد إيران في العراق وسوريا واليمن وهذا لم يحدث.
ومع الانتخابات الأمريكية عام 2016 كان السعوديون يقاتلون بحرب يائسة لاستعادة ميزاتهم في أمريكا.
وقال التحقيق إن مجيء دونالد ترامب كان مفاجئا لهم كما للجميع، ولهذا سارعوا لبناء علاقات مع الإدارة الجديدة التي قوت صلاتها مع محمد بن سلمان.
واختار ترامب زيارة مملكة آل سعود في أول رحلة خارجية، وجاءت العلاقة المنفتحة مع الرياض رغم المواقف المعارضة في الكونغرس بسبب حرب اليمن، ثم اغتيال جمال خاشقجي، لكن ترامب سارع لحماية آل سعود والحفاظ على العلاقات الاقتصادية معهم، لكنه لم يكن كافيا لحماية موقف آل سعود داخل الكونغرس.
ورغم الصلات الاقتصادية والعسكرية والتعاون في مجال الإرهاب إلا أن مملكة آل سعود لم تستطع تقوية جذورها في أمريكا أبعد من العلاقات بين الجنرالات والرؤساء.
وفي هذا الصدد قال دبلوماسي: "كانت العلاقة هشة لها ارتفاع ظاهر لكن عمقها لم يكن ليزيد عن عمق بوصة".
وتابع التحقيق: "جاء محمد بن سلمان وسياساته المتهورة من اليمن إلى قطر ولبنان وانتهاكات حقوق الإنسان، حيث غطت هذه التحركات على خططه لتحديث مملكة آل سعود، لكنه شعر أن العلاقة القوية مع واشنطن ستعطيه الشرعية".
ولفت التحقيق إلى أن الديمقراطيين اليوم في الكونغرس لم يعودوا يركزون على حقوق الإنسان ولا حتى الجمهوريين، بل أصبحوا يتساءلون عن العلاقة مع المملكة.
ويقول ريدل: "كانت للسعوديين مشكلة مع الديمقراطيين وهذا واضح منذ وقت طويل، واليوم أضروا أيضا بعلاقاتهم مع الجمهوريين".
ويقول سيناتور نورث داكوتا كريمر: "التحالف الإستراتيجي معهم كسر على ما أعتقد"، ومن هنا يظل السؤال اليوم هل انهار التحالف الذي بدأ في السويس عام 1945؟
وأضاف التحقيق: "عندما أعلن ترامب عن عصر الاكتفاء الذاتي وعدم الحاجة لنفط الشرق الأوسط كان يريد القول إن أمريكا تريد التفرغ لأعدائها الصين وروسيا، وعندما ضربت ناقلات النفط في الخليج رد ترامب بدعوة اليابان وكوريا الجنوبية لتوفير الحماية لها، وبعد تعرض المنشآت الرئيسية النفطية خريف ذلك العام لهجمات كان رد ترامب الصمت".
وفي ختام التحقيق علق ستيفن كوك من مجلس العلاقات الخارجية بالقول: "قيل لنا دائما إن هجوما على آل سعود يقتضي ردا أمريكيا ثم هز الجميع أكتافهم".
ارسال التعليق