التغيير

نشر موقع "ميدل إيست آي" في لندن مقالا لروبرت ستون حول وضع العلاقات مملكة آل سعود مع الباكستان والتي رأى أنها تعيش على الوقت المستقطع.

وبدأ ستون المختص في شؤون جنوب آسيا والشرق الأوسط، بالإشارة إلى أن قرار الهند العام الماضي إلغاء الوضع الخاص لجامو وكشمير وفرض نظام قمعي على سكان الولاية المسلمين، قوبل بصمت من العالم الإسلامي.

ورفضت باكستان التي تدير جزءا من كشمير الزعم الهندي في أراضي الولاية التي تتمتع بحكم ذاتي منذ استقلال الهند عام 1947، فيما اكتفت منظمة التعاون الإسلامي التي تضم 57 دولة ببيان ناقد.

إلا أنها رفضت طلب إسلام أباد عقد اجتماع طارئ على مستوى وزراء الخارجية، فيما تجنبت مملكة آل سعود والإمارات اللتان وقفتا مع باكستان في موضوع كشمير انتقاد التحرك الهندي.

بل وأكثر من هذا، أن الإمارات كرمت رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بأعلى وسام بعد فترة قصيرة من قراره ضم كشمير، فيما وجهت مملكة آل سعود الدعوة له لحضور مؤتمر اقتصادي في الرياض.

وطور البلدان علاقات اقتصادية وأمنية مع الهند في السنوات الماضية. وزار محمد بن سلمان نيودلهي عام 2019، ووعد باستثمارات في عدة قطاعات. وفي آب/ أغسطس أعلنت مملكة آل سعود، بعد أيام من قرار الضم، عن اتفاقية طاقة بـ15 مليار دولار.

ونظرا لضيق باكستان من نهج دول الخليج فقد هاجم وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي الرياض. وفي نقد نادر هاجم قريشي مملكة آل سعود ومنظمة التعاون الإسلامي لعدم التحرك ضد القرار الهندي. وأكد أن بلاده ستعقد اجتماعا منفصلا.

وفي كانون الأول/ ديسمبر استقبلت ماليزيا قمة ضمت إيران وقطر وتركيا لمناقشة القضايا التي تمس المسلمين. ووافقت باكستان على الحضور لكنها انسحبت بعد ضغط سعودي.

وبعد تصريحات قريشي، كشف أن مملكة آل سعود طالبت باكستان بإرجاع مليار دولار أقرضتها لإسلام أباد ولم تجدد اتفاقا لتأجيل دفع ثلاثة مليارات دولار عن النفط السعودي الذي تستورده باكستان. وقد يكون هذا غير مرتبط بكشمير، حيث تحاول الرياض إغلاق ثغرات في ميزانيتها التي عانت بسبب فيروس كورونا.

وتأثر الاقتصاد السعودي بسبب الإغلاق وتراجع الطلب العالمي على النفط، ما دفع الحكومة إلى مضاعفة ضريبة القيمة المضافة وتخفيض النفقات بمعدل 25 مليار دولار.

وكان القرض وتأجيل دفع ثمن النفط جزءا من حزمة إنقاذ بـ6 مليارات دولار قدمتها مملكة آل سعود عام 2018.

ومنذ ذلك الوقت تعتمد باكستان على النفط السعودي والمساعدات المالية. ومقابل هذا صدرت العمالة إلى مملكة آل سعود حيث يعيش مليونا عامل باكستاني هناك.

وعلى الجبهة الأمنية نشرت باكستان عشرات الآلاف من الجنود في مملكة آل سعود واشتركت في برامج تدريب وتبادل عسكري. ورغم مظاهر القلق من ألا يكون عمران خان، رئيس الوزراء مفضلا للسعودية مثل سلفه إلا أنه حضر المنتدى الاقتصادي الذي عقد في الرياض عام 2018 في وقت قاطع فيه معظم قادة العالم ورجال المال والأعمال المناسبة بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية آل سعود بإسطنبول.

ولكن إسلام أباد لم تكن أبدا بلدا وكيلا للرياض. وبدأت تظهر الصدوع في العلاقة منذ فترة. فباكستان ومنذ البداية تقيم علاقة جيدة مع إيران. فلا يشترك البلدان بحدود طويلة، لكن نسبة 20 بالمئة من سكان باكستان هم شيعة، وكان هناك ساسة بارزون منهم بما فيهم مؤسس باكستان محمد علي جناح.

ولخوف إسلام أباد من التوتر الطائفي الذي قد ينشأ جراء دعم السعودية في منافستها مع إيران، فقد اتخذت موقف الحياد، وإلا لواجهت صراعا على شكل ما شهده العراق وسوريا.

وطالما صوتت باكستان ضد القرارات التي دعمتها مملكة آل سعود في الأمم المتحدة وانتقدت إيران.

ففي 2015 رفضت باكستان إرسال جنود لدعم الحملة التي قادتها مملكة آل سعود ضد أنصار الله في اليمن. وكان الرفض مثيرا للدهشة خاصة أن رئيس الوزراء في حينه نواز شريف كان على علاقة وثيقة مع آل سعود التي لجأ إليها بعدما أطيح به عام 1999. وعبرت مملكة آل سعود عن غضبها وألغت خطابا لشريف في تجمع كبير للقادة أثناء زيارة دونالد ترامب للرياض عام 2017.

وعندما بدأت محاصرة قطر بعد شهر من زيارة ترامب التزمت باكستان الحياد. وقبل وصوله إلى السلطة كان خان تصالحيا مع إيران، ودعم الاتفاقية النووية التي وقعتها عام 2015 مع أمريكا وعدد آخر من الدول. وعارض تعيين الجنرال رحيل شريف قائدا لقوات التحالف العسكري المدعومة من مملكة آل سعود لئلا يغضب هذا إيران.

ومنذ وصوله إلى الحكم حاول خان التوسط بين الدولتين المتنافستين، ففي 2019 وبعد الهجمات ضد المنشآت النفطية في الخليج، زار رئيس الوزراء الرياض وطهران في محاولة لتخفيف التوتر. وبعد مقتل الجنرال قاسم سليماني، زار قريشي العاصمتين. وهذه تحركات ليست جديدة، ففي عام 2016 قام قادة باكستان بدبلوماسية مكوكية بعد إعدام مملكة آل سعود الشيخ النمر.

وهو ما أعطى إيران مساحة للمناورة، فقد تجنبت طهران ولسنوات التدخل في النزاع. لكن المرشد الأعلى الإيراني انتقد قرار الهند سحب صفة الحكم الذاتي عن الولاية العام الماضي. وسمح انهيار صادرات إيران النفطية للسعودية بالحصول على جزء من حصتها. ففي الوقت الذي زادت فيه صادرات مملكة آل سعود النفطية للهند إلا أنها زادت بنسبة 32% بعدما فرض الرئيس ترامب عقوبات على قطاع الطاقة الإيراني.

وفي نفس الوقت بدأت علامات التراجع تظهر على العلاقات الاقتصادية لمملكة آل سعود مع الباكستان. وبات النفط أقل أهمية للباكستان لأنها أصبحت تعتمد أكثر على الغاز المسال من قطر والمشاريع الصينية في مجال الفحم الحجري.

واعتمد الاقتصاد الباكستاني على تحويلات العمالة في الخليج ولكن حجم مشاركتها تراجع منذ عام 2014 ومن المتوقع أن ينخفض بمستويات عالية هذا العام بسبب كوفيد-19.

ورغم تراجع اعتماد إسلام أباد على النفط السعودي وتحويلات العمالة بسبب سياسات السعودة فعلاقاتها التجارية ستظل أقوى منها مع إيران. ويبلغ حجم التجارة مع طهران 500 مليون دولار وهو عشر حجمها مع مملكة آل سعود.

وقررت باكستان الخروج من مشروع طال أمده لمد خطوط أنابيب مع إيران بسبب العقوبات الأمريكية.

وزار محمد بن سلمان باكستان وتعهد باستثمار 20 مليار دولار في مصفاة بغوادار، خطة قد يتم إعادة النظر فيها بسبب آثار فيروس كورونا. وفي نفس الجولة تعهد ابن سلمان باستثمار 100 مليار دولار في الهند. ويقول الكاتب إن باكستان ستستمر في علاقات الشراكة الاقتصادية والأمنية مع مملكة آل سعود وإن بمستويات منخفضة.

ومع مرور الوقت ستصبح الهند أكبر شريك وحليف استراتيجي للرياض في جنوب آسيا. ومن جانبها بدأت باكستان تنجذب وبشكل متزايد إلى معسكر تركيا- قطر- إيران- ماليزيا. ولديها علاقات قوية مع تركيا وتحصل على الطاقة من قطر وقد تحقق تقدما في ملف كشمير وبناء قوة موحدة مع هذه القوى. وستنجو علاقات باكستان مع مملكة آل سعود ولكنها لن تكون "خاصة" كما كانت.