كيف تفاعلت المؤسسة الدينية في السعودية مع العدوان على غزة؟!
بقلم محفوظ التهامي
لا يقل موقف المؤسسة الدينية السعودية سخفا وتهافتا وتواطؤا في العمق والجوهر عن موقف القيادة السياسية ؛ والذي كان خطاب الملك السعودي الأخير الموجه للأمتين العربية والإسلامية تعبيرا صارخا عن هذا الانسجام والتكامل بين الميوعة السياسية والإبتذال الديني.
فبعد أن تجاهلت منابر جمعة المملكة، وخاصة في المسجد النبوي الشريف والحرم المكي المبارك العدوان الصهيوني على غزة في الجمعة الأولى من العدوان، حيث كانت قوات الجيش الصهيوني توغل في ارتكاب المجازر التي هزت وجدان الكثير من الشعوب حتى غير الإسلامية كما حدث في اوروبا وامريكا اللاتينية.
ولا يمكن فهم هذا الإغضاء عن جرائم الصهاينة في عدوانهم على الشعب الفلسطيني المحاصر بغزة، والقفز عن المجزرة بحق مسلمين مستضعفين ومحاصرين في خطب الجمعة الأولى بالمملكة إلا بكونه جريمة وخيانة عظمى للواجب الديني والأخلاقي، وتخلّ سافر عن المسؤولية الشرعية، وتعبير عن مدى العبث بالدين وتسخيره لخدمة التحالف الصهيوني السعودي.
وإدراكا منهم لفضيحة تجاهل المجزرة من على منابر الجمعة الاولى للعدوان على غزة، وخوفا من تداعيات ذلك، خصص الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام، في الجمعة التالية أي بعد ثلاثة عشر يوما من العدوان جزءا من دعائه لأهل غزة، والدعاء على اليهود، وان ينتقم الله ممن ضيق عليهم، بدعائه : ″اللهم عليك باليهود الغاصبين، اللهم عليك باليهود الغاصبين المفترين فإنهم لا يعجزونك، اللهم أنزل فيهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم″.
وتابع: ″اللهم انصر إخواننا في فلسطين اللهم وارفع الحصار عن إخواننا في غزة .. اللهم من ضيق عليهم في رزقهم ومالهم اللهم فاشغله بنفسه اللهم وانتقم منه يا قوي يا عزيز″!
أما موضوع الخطبة الأساس فكان في واد آخر، فهذا الدعاء يليق بامرأة مسلمة او غير مسلمة عجوز لا حول لها ولا قوة، أما أن يتكرم خطيب المسجد الحرام على مستضعفي غزة بهذا الدعاء في آخر خطبته، وكأن مملكة آل سعود هي من العجز والضعف والهوان والفقر بحيث لا تملك لا سلاحا ولا جيشا ولا نفطا ولا علاقات دولية ولا أوراق ضغط، فهذا استغباء للناس ومخادعة لله تعالى .
فمملكة آل سعود سلحت ومولت وحشدت الإرهابيين من كل جهات الأرض ودفعت بهم للقتال في سوريا، ولم توفر دبلوماسيتها اي مسعى لعزل النظام السوري والعمل على إطاحته، والجميع يذكر الصفقة المغرية التي عرضها رئيس الاستخبارات السعودية السابق الأمير بندر بن سلطان على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حيث اشتمل العرض السعودي على شراء أسلحة روسية بـ 15 مليار دولار، وذلك في المقابل أن تحد موسكو من دعمها القوي للأسد وأن توافق على عدم عرقلة صدور أي قرار في مجلس الأمن يتعلق بسوريا في المستقبل. فما بالها الآن مشلولة لا يستحي خطيب مكة من أن يطلب من الله أن ينزل ملائكة من السماء تدفع العدوان عن أهل غزة وترفع عنهم الحصار!!
أما سماحة المفتي الأعظم؛ ﻣﻔﺘﻲﻋﺎﻡﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔﺍﻟﺴﻌﻮﺩﻳﺔﻭﺭﺋﻴﺲﻫﻴﺌﺔﻛﺒﺎﺭ علمائها ﻋﺒﺪﺍﻟﻌﺰﻳﺰﺁﻝﺍﻟﺸﻴﺦ، فلم يزعجه في كل هذا المشهد الدموي في غزة، حيث أخبار المجازر وقوافل الشهداء تترى منذ الأيام الاولى من شهر رمضان، ثم ما كان من مجزرة يوم عيد الفطر حيث قتلت فيها قوات الاحتلال الإسرائيلي أحلام ثمانية اطفال كانوا يلهون في حديقة بمخيم الشاطئ غرب مدينة غزة..وغير ذلك من الجرائم. سماحة المفتي منزعج فقط من ﺍﻟﻤﻈﺎﻫﺮﺍﺕﺍﻟﺘﻲﺍﻧﻄﻠﻘﺖﻓﻲﺍﻟﻌﺪﻳﺪﻣﻦﺍﻟﺪﻭﻝﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔﻭﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔﻟﻨﺼﺮﺓﺍﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﻴﻦﻓﻲﻗﻄﺎﻉﻏﺰﺓ معتبرا إياها ″ ﻣﺠﺮﺩﺃﻋﻤﺎﻝﻏﻮﻏﺎﺋﻴﺔﻻ ﺧﻴﺮﻓﻴﻬﺎ، ﻭﻻ ﺭﺟﺎﺀﻣﻨﻬﺎ″! ﻭمؤكدا في ﺗﺼﺮﻳﺤﺎﺕﻧﺸﺮﺗﻬﺎﻟﻪﺻﺤﻴﻔﺔ ″ﻋﻜﺎﻅ″ السعودية ﺃﻥﺍﻟﻐﻮﻏﺎﺋﻴﺔﻻ ﺗﻨﻔﻊﺑﺸﻲﺀ، ﺇﻧﻤﺎﻫﻲﺗﺮّﻫﺎﺕ، ﻣﺸﻴﺮﺍﺇﻟﻰﺃﻥﺑﺬﻝﺍﻟﻤﺎﻝﻭﺍﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺍﺕﻫﻲﺍﻟﺘﻲﺗﻨﻔﻊ !!
هكذا نطق مفتي آل سعود، وهكذا افترى وهكذا أهانمن دون أن يرف له جفن؛ملايين المسلمين الذين خرجوا احتجاجا على العدوانالصهيونيوإدانة للصمت العربي والإسلامي، وضغطا على الانظمة الخانعة لنصرة الشعب المظلوم.في رأي المفتي العتيدلا شيء ينفع أهل غزة في محنتهم إلا المال والمساعدات، وكأن إعصارا ضربهم، أو طوفانا غمرهم.. فهل المال؛ على فرض أن له معنى في ظروف الإبادة؛يوقف جرائم الصهاينة، وهل المساعداتترفع عن غزة الحصار المشدد وتعيد للشعب الفلسطيني كرامته وحقوقه التاريخية في التحرير والعودة وبناء الدولة؟! فهل هناك بعد هذاالموقف منشك فيأن هذا كلام الحليف لحليفه، هل من شك بعد الآن في صلابة وقوةالحلف الصهيوني السعودي والذي تباركه المؤسسة الدينية الرسمية؟
وفي وقت متزامن تقريبا مع تخرصات مفتي آل سعود، طلع عليناعضو هيئة كبار العلماء، الشيخ صالح الفوزان،ليفتي بعدم جوازلعن ″إسرائيل″، لأن ″إسرائيل″ هو اسم نبي الله يعقوب عليه السلام، مبيناً أن الأصح هو لعن ″اليهود″.وأضاف في تسجيل صوتي منسوب إليه، أن ″اليهود″ هو الاسم المعروف لهم، غير أنهم صاروا يقولون ″إسرائيل″، وهذا من تلبيسهم، حسب تعبيره. وأوضح أن بعض الناس يقول ″اللهم العن إسرائيل″، وهذا في معناه أن تنزل اللعنة على يعقوب عليه السلام، مشيراً إلى ضرورة أن ينتبه المسلم لذلك، وأن يقول ″لعن الله اليهود″، أو ″لعنة الله على اليهود″، بدلاً من سب ″إسرائيل″!!
يذكرني هذا الهراء برواية ″محامي الشيطان″ للكاتب أندرو نيدرمان، حيث يعتمد المحام الخبيث في دفاعه عن المجرمين على التشكيك في الوقائع والمقولات العامة بمكر في سبيل فتح المرافعة حول المسلّمات سعياً لإيجاد ثغرات او ضعف في بنائها تسمح له بتبييض وجوه المجرمين والقتلة.
فكيف يزعم هذا المنافح عن ″إسرائيل″، أن قصد الداعي على دولة ″إسرائيل″ الإرهابية، سيشكل فهمه على الله سبحانه وتعالى، ومن ثم قد ينزله اشتباها على نبي الله يعقوب عليه السلام؟! سلمنا معك بشكل عام أن الداعي قد يقصر في التعبير عن مراده في أثناء الدعاء، فهل هذا يلزم منه قصورا في ذات الله لجهة فهم مراد السائل حتى وإن عجز هذا الأخير عن التعبير عنه كما يجب؟! (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ). فيا له من إنتقاص للحق سبحانه، خالق الخلق؛ من يعلم ضمائر الصامتين وحاجاتهم قبل أن تلهج إليه الألسن بالدعوات.
هذه هي صورة المؤسسة الدينية لآل سعود، وهذه مواقفها من العدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة، وهذه هي ممكناتها الأخلاقية والشرعية، وفي الواقع فهي ليست معنية بالدم المراق في غزة على يد الصهاينة، ولا تنفعل مثل باقي الناس لا بصور المذابح ولا باستصراخ نساء غزة للضمائر الحية في العالم الإسلامي، وهي فعلا تقلق من كل ما من شأنه أن يعيد بوصلة الأمة في صراعها باتجاه العدو الصهيوني، فذلك يتناقض مع برنامجها ومشروعها في إثارة الفتنة الطائفية بين المسلمين، والعمل على تاجيج الصراعات المذهبية في العالم الإسلامي.
فمفتاح فهم هذه المواقف المخزية للمؤسسة الدينية السعودية، وقبلها مؤسسة الحكم، هو أن هذه المؤسسة لا تريد للأمة أن تتحول نحو الصراع مع العدو الصهيوني باعتباره معركة الأمة الحقيقية، بل يريدون للأمة أن تعيش على صراعاتها المذهبية وتنتحر في حروب مذهبية لن تنتهي بعد مائة عام.
مع نهاية هذا المقال ارتفعت حصيلة العدوان الصهيوني المستمر على قطاع غزة الى 1865 شهيداً وأكثر من 9470 جريحاً
ارسال التعليق