بسم الله الرحمن الرحيم
العدوان السعودي على اليمن...وقفة مع التطورات الميدانية الأخيرة
عبدالعزيز المكي
التطورات التي تشهدها، منذ أسبوعين، جبهات القتال، داخل اليمن، وخارجها على الحدود مع السعودية، بين أنصارالله والجيش اليمني من جهة وبين القوات السعودية والإماراتية وقوات المرتزقة التي تساندها من جهة أخرى،.. هذه التطورات تستحق التوقف والقراءة المتأنية والدقيقة، لأهميتها الإستراتيجية الكبيرة، لأنها باتت مؤشراً بارزاً على رسم معالم نتائج العدوان، أو حتى نهايته. فعلى صعيد الجبهات الداخلية، خصوصاً جبهة مأرب وجبهة تعز، اللتان يعتبرهما النظام السعودي وحلفاؤه، بوابة التقدم نحو العاصمة صنعاء، ليس لم تحقق قوات هذه النظام وبقية القوى والمرتزقة، التي تشاركها العدوان، أي تقدم أو اختراق لخنادق ومواقع أنصارالله والجيش اليمني وحسب، وإنما تراجعت وفقدت بعض مواقعها أمام زحف اللجان الشعبية والقوات المتحالفة معهم، ففي جبهة مأرب التي يحاول النظام السعودي اختراقها منذ ثلاثة أشهر تقريباً دون جدوى رغم استعداداته العسكرية الهائلة في العدد والعدة، راح بعض القادة العسكريين الموالين للسعودية يسوقون المبررات غير المقنعة لهذا الإخفاق للتغطية على العجز العسكري والهزائم العسكرية أمام أنصارالله ، وفي هذا السياق نشير إلى تصريحات قائد اللواء (26) مشاة العميد الركن مفرح بجميع الموالي للسعودية، رداً على سؤال وجه له عن السبب في توقف التقدم الميداني لما يسمى، قوات الشرعية في مأرب، حيث قال ((لم يتوقف التقدم إلا لترتيبات وإعدادات لاحقة، لان الحوثيين وعلى صالح، و "ميليشياتهم" دفعوا بكل إمكاناتهم وقدراتهم إلى مأرب...تم اتخاذ قرار بالتحديث للمزيد من الاستعدادات وإعادة الترتيب للمعركة، لأن "الانقلابيين" دفعوا بإعداد كبيرة من قواتهم للاستماتة في صرواح، لأنهم يعتبرون القتال فيها، قتال عن أبواب صنعاء.)). وفي الحقيقة، وكما أكدت وكالات الأنباء العالمية أو بعضها في تقاريرهما، أن هذا التريث الذي ذكره هذا العسكري، إنما هو تعبير عن حقيقة عجز العدوان على أحداث اختراق في الجبهة المقابلة، أي أنصارالله والجيش اليمني.
أما في جبهة تعز، فأنصارالله والجيش اليمني الحقوا بالعدوان هزائم منكرة،على مدى أسبوعين من المعارك الشرسة والمتواصلة بين الطرفين،حيث استطاع أنصارالله، إخراج مرتزقة العدوان من منطقة الشريجة في تعز وأيضاً طردهم من منطقة الوازعية، وما يزالون يتقدمون في مواقع أخرى في هذه الجبهة، على الرغم من محاولات قوات العدوان المتواصلة، والمدعومة بالطيران وبالقوات السودانية ومرتزقة القاعدة، والرئيس المستقيل الفاقد للشرعية عبد ربه منصور هادي، التحشيد المتواصل والاستعانة باستمرار بالقوات الإضافية، من أجل تحقيق اختراق عسكري ولو شكلي في تلك الجبهة.
على أن الانتصارات التي حققها ويحققها أنصارالله والجيش اليمني في جبهات الجنوب السعودي (عسير وجيزان ونجران) تبقى الأهم في الناحية الإستراتيجية، على الرغم من أهمية الانتصارات التي تحققت في جبهتي مأرب وتعز، فهما قد سيطرا على كامل السلسلة الجبلية المشرفة على مدينة نجران،وباتت المدينة ساقطة عسكرياً، إذ ينتظر أنصارالله قراراً سياسياً لدخول المدينة من القيادة السياسية العليا. أما في جيزان فقد سيطر أنصارالله والجيش اليمني على جبل النهوق ومواقع استراتيجية أخرى وذلك في إطار الهجوم الواسع على المدينة الذي بدأ قبل ايام،حيث تشير التقارير الواردة من هناك، إلى أن قوات أنصارالله والجيش اليمني يواصلون تقدمهم السريع في العمق السعودي، وفي عسير كان ألحوثيون وحلفاؤهم قد سيطروا على منطقة الربوعة، وهم الآن يواصلون تقدمهم في هذه المنطقة وبزخم كبير، ما يؤشر ذلك إلى بدء الخيارات الإستراتيجية، التي كان قائد أنصار الله السيد عبد الملك الحوثي قد لوح بها، اذا لم توقف السعودية حصارها لليمن وعدوانهما الظالم عليه.ومن الجدير الإشارة إلى أن آخر التقارير الواردة من هناك حتى كتابة هذه السطور، ذكرت أن عشرة مواقع عسكرية سعودية في جيزان سقطت بأيدي أنصار الله والجيش اليمني دفعة واحدة، وان النظام السعودي بات يقصف بطيرانه أراضي سعودية لإيقاف تقدم أنصار الله والجيش اليمني .
هذا وقد اعترف المتحدث باسم قوات العدوان أحمد العسيري بشكل ضمني بهزائم القوات السعودية في نجران وعسير وجيزان بقولة في مداخلة له على قناة روتانا خليجية أن "ميليشيا" الحوثي تعتمد في عملياتها على طبيعة الأرض وهو ما سهل لهم استهداف نجران بالقذائف الصاروخية)) وعن سؤال وجهه المذيع للعسيري عن تأخر الحسم العسكري ارجع السبب بأن "ميليشيا الحوثي" –أنصار الله_ وصالح سيطرت على عتاد عسكري يفوق ما تملكه دول عربية.على حد زعمه وقوله.
هزائم النظام السعودي
التطورات التي أشرنا إليها قبل قليل، ألحقت بالنظام السعودي، هزائم على صعيدين إعلامي وعسكري.
فعلى الصعيد الإعلامي، ظل هذا النظام وأبواقه الكثيرة وتلك التي استأجرها تروج لما يسميه النظام ومرتزقته الحسم العسكري في اليمن.فطيلة العدوان،الذي دخل شهره التاسع،ظل هذا الإعلام يصور للرأي العام في الداخل وفي الخارج أن القوات السعودية والقوات المتحالفة معها تحقق انتصارات وتلحق الهزائم" بانصار الله والجيش اليمني، في حين ما يجري على الواقع ينافي تماماً ما ينقله هذا الإعلام، وإذا هذا الإعلام يمنى بهزيمة طيلة الفترة الماضية وفقد مصداقية تقريباً، فأنه تلقى ضربة قاصمة خلال الأيام القليلة الماضية، لانه ظل ينكر ما يجري في المناطق الجنوبية السعودية، ويتحدث فقط عن "مقذوفات" يمنية تأتي من الداخل اليمني، حتى بدأت وكالات الأنباء الغربية، كوكالة الأنباء الفرنسية، والتي كان أغلبها يجامل النظام السعودي بتجاهل التطورات في تلك المنطقة..حتى بدأت هذه الوكالات بنقل الوقائع في نجران وعسير وجيزان، وتتحدث عن اندحارات الجيش السعودي في تلك المنطقة ونجاح اليمنيين في التقدم والتوغل داخل العمق السعودي. والسيطرة على مناطق إستراتيجية هناك، للدرجة التي دفعت العسيري
الذي هو الآخر ظل يتجاهل تقدم الحوثيين في العمق السعودي طيلة الفترة الماضية،دفعته إلى تبرير هذه الاندحارات العسكرية، كما أشرنا قبل قليل. ولعل الهزيمة الإعلامية،كما يقول خبراء، توازي في وطأتها وتأثيرها على معنويات الرأي العام، والقوات العسكرية خاصة، في السعودية، ما تتركه الهزيمة العسكرية، كما اشرنا قبل قليل.فبدون شك أن هذه الهزيمة ستعمق مشاعر الإحباط واليأس عند القوات السعودية، وقوات المرتزقة التي تساندها في هذا العدوان.
أما بالنسبة للهزيمة العسكرية،فقد أصبحت حديث القاصي والداني بعد ما دأبت قناة المسيرة المتحدثة باسم أنصار الله، على نشر وبث الأفلام والصور عن المعارك هناك، والتي تبيّن وتعرض كيف يفر الجنود السعوديون ويتركون مواقعهم وأسلحتهم المتطورة، أمام مقاتلي أنصار الله واللجان الشعبية والجيش اليمني. وكان من نتائج هذه الهزائم العسكرية، أن لجأ النظام السعودي والنظام الإماراتي إلى الاستعانة بمرتزقة من كولومبيا ومن السودان، ومن شركة بلاك ووتر الأمنية الأمريكية،والقاعدة وداعش، فضلاً عن المتعاونين اليمنيين من حزب الإصلاح ومن جماعة هادي... ولكن ومع جلب عشرات الآلاف من هؤلاء المرتزقة،لم يحقق العدوان أية نتائج مهمة، على العكس تماماً،ضرب الشعب اليمني أسطورة في الصمود والثبات والإرادة الفولاذية، والتصدي للعدوان وإلحاق الهزائم به رغم كل هذه الجرائم والمجازر التي اقترفها طيران آل سعود.بحق أبناء هذا الشعب الفقير والشجاع.
انعكاسات وارتدادات التطورات الأخيرة
يبدو لي،انه منذ أن فشل العدوان السعودي في تحقيق اختراق مهم في جبهتي مأرب وباب المندب، اقتنع النظام السعودي بعدم جدوى رهانه على الحسم العسكري، حيث سارع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى القول في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند، بأن الحرب يمكن أن تتوقف، صحيح أنه برر ذلك بادعائه أن أنصار الله والمؤتمر الشعبي وافقا على القرار 2216، لكن تصريحه يشير بوضوح إلى أن النظام السعودي بات مستعداً لوقف العدوان إذا تحقق الحد الأدنى من الأهداف التي أعلنها لحفظ ماء الوجه أو ما تبقى منه...
على أن المؤشرات السعودية في هذا الاتجاه ازدادت بشكل لافت بعد التطورات الميدانية الأخيرة ومن هذه المؤشرات ما يلي:
بعد أن كان النظام السعودي يعرقل جهود التسوية السلمية للعدوان، ذهب عادل الجبير بنفسه إلى مسقط، والتقى بوزير الدولة للشؤون الخارجية يوسف بن علوي وحثه على إقناع أنصارالله والمؤتمر الشعبي بالقبول بصفقة تحفظ للنظام السعودي ماء وجهه، وفي هذا السياق أيضا، ذكر موقع الاتحاد برس اليمني يوم 29/نوفمبر/2015، نقلا عن مصادر، بأن الوفد السعودي الذي زار موسكو مؤخراً، اقترح على الجانب الروسي بالتدخل في الملف اليمني ومساعدته على وقف الحرب من خلال حلول دبلوماسية وسياسية.وأضاف نقلاً عن تلك المصادر قوله انه بعد أن اطلع البيت الأبيض على الاقتراح السعودي للجانب الروسي في وقف الحرب والرجوع إلى الحل السياسي. سارعت الولايات المتحدة بإفشال الاقتراح وأمرت السعودية باستمرار عدوانها. ولم تكتف بذلك، بل قامت الولايات المتحدة بحث حلفائها الأوربيين والكيان الصهيوني بإرسال صواريخ وقنابل ومعدات حربية وتزويد قوات العدوان بمرتزقة لاستمرار العدوان. وأشار المصدر بأن الولايات المتحدة تعتبر خسارة الحرب في اليمن بمثابة كارثة سياسية وإستراتيجية لها ولائتلافها في المنطقة، وذلك انتصار وانجاز كبير لجبهة المقاومة في المنطقة،معتبراً اليمن من أهم المناطق الإستراتيجية في الشرق الأوسط.
كثرة التسريبات عن أن النظام السعودي يقوم وراء الكواليس بتقديم مشاريع وطروحات لإنهاء الحرب... ومن هذه الطروحات ما حمله السفير الروسي في اليمن إلى أنصار الله والمؤتمر الشعبي بحسب ما ذكره الكاتب اليمني محمد ابونايف في مقاله المنشور يوم2015/11/24على عدد من المواقع الالكترونية اليمنية، وبحسب رواية ابونايف، جاء السفير الروسي إلى صنعاء حاملاً رسالة استسلام من السعودية وهي أن اقبلوا بجنيف (2) لوقف العدوان والحصار والاحتلال والتعويض بإعادة البناء وجبر الضرر برعاية الأمم المتحدة ليظهر الأمر وكأنه نصر إعلامي لتحالف العدوان وفي النهاية سيخضع نظام آل سعود لإرادة الشعب اليمني ويخرج منها مذموماً مدحورا. والى ذلك ذكر موقع الاتحاد برس الالكتروني اليمني أن النظام السعودي قدم عرضاً لأنصار الله وحلفائهم لوقف الحرب، يقضي بسحب الجيش واللجان الشعبية من الحدود مقابل إيقاف العدوان لكن المجلس السياسي لأنصار الله رفض العرض بشكل غير مباشر. وللإشارة أن بعض القنوات التلفزيونية كانت قد أشارت إلى هذا العرض. وفي السياق ذاته ذكرت صحيفة الخبر الالكترونية اليمنية يوم 30نوفمبر2015، أن اتفاقاً لم يكتب له النجاح تم بين عبد الرب الشدادي قائد المنطقة العسكرية الثالثة الموالي لعبد ربه منصور هادي،والشيخ محمد بن أحمد الزايدي، من شأنه إنهاء القتال الدائر هناك منذ أشهر، وفي التفاصيل كشفت المصادر للخبر عن الاجتماع الذي تم بين الشدادي وبعض الضباط مع الشيخ الزايدي، وعدد من الوجهاء، يوم الجمعة 27نوفمبر2015 بجوار معسكر كوفل، تم فيه عرض وساطة قبلية لوقف الغارات والمواجهات، وأوضحت أن اللقاء تم بحضور مسؤول سعودي لم تعرف هويته، وتقول المعلومات التي حصلت عليها صحيفة الخبر، أن الشيخ الزايدي طلب من الشدادي وبحضور المسؤول السعودي اعتذاراً علنياً سعودياً واعترافاً بالخطأ، عن الحرب والغارات التي وصفها "بالخاطئة"، وقتلت مواطنين أبرياء وقال إن الجميع يعرف من يقف خلفها، بالإضافة إلى تعويض من تم قصف منازلهم ومزارعهم ومتاجرهم. وأكد مصدر قبلي رفض الإفصاح عن هويته انه لم يتم الاتفاق، وانتهي اجتماع الجمعة دون أي نتائج.
تواتر التقارير الإعلامية، وكثرة التصريحات عن عجز السعودية وعدم قدرتها على تحقيق إنجاز عسكري في اليمن بسبب قوة وصلابة وصمود أنصار الله وحلفائهم، ومن ورائهم الشعب اليمني الذي ادهل الأصدقاء والأعداء بصموده وتحمله لكل هذا القصف السعودي الهجمي البربري على مدى أكثر من ثمانية شهور ومازال يتواصل حتى اللحظة،ولعل الصحف الأمريكية والبريطانية أكثر من تحدث عن عجز النظام السعودي وعدم قدرته على حسم الحرب في اليمن لصالحه، وعن أن الحرب استنزفته عسكرياً واقتصادياً، وعمقت الخلافات داخل الأسرة السعودية الحاكمة..نكتفي بالإشارة إلى تقرير صحيفة الأخبار اللبنانية الذي نشرته يوم 30 نوفمبر تحت عنوان (تسعة أسباب توقف عدوانها على اليمن هي)
فشلها في تحقيق أهدافها المعلنة وغير المعلنة.
فشلها في منح عملائها من اليمنيين أي شرعية شعبية تكفى ليعودوا إلى إدارة الدولة.
فشلها في بناء عقيدة قتالية تجعل جيشها قادرا على حماية قرية،فكيف على اقتحام مدن الغير
فشلها في إقناع يمني واحد، بأنها تعمل لأجل مصلحته، بل فشلها في خفض مستوى الكراهية عند اليمنيين لحكمها.
فشلها في إقناع العالم بأنها قادرة على تحقيق شيء بمفردها.
فشلها في إدخال أي تعديل يسمح لها بأي مكسب فعلي،سياسي أو مدني أو حتى معنوي.
فشلها في وضع إستراتيجية تنظيم حتى خسائرها.
فشلها في إقناع أي من الدول العربية الأخرى، التي تعيش تحت مظلتها أو المتحالفة معها، على التقدم خطوة معها في مشروعها الدموي
فشلها في إقناع مواطنيها، بأن لديهم قيادة ناضجة وحكيمة وقادرة على حفظ الأرض والثروة والعباد.
وتقول صحيفة الأخبار، لان كل هذا الفشل هو من نصيب السعودية، فأن الوسطاء الدوليين الذين يعملون على ملف اليمن، باتوا يتحدثون صراحة عن تعب السعودية وعن حاجتها إلى من ينقذها ويخرجها من هذا المأزق.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق