تسييس #الحج.. حق محصّن ومحتكر سعوديا
تكثر الأوراق بحوزة محمد بن سلمان، ولا يمتنع عن استغلالها وتجييرها لصالحه. إذ يشكل موسم الحج واحدة منها.
سبق موسم الحج، هذا العام، تسويات إقليمية أقدم عليها النظام السعودي لخسارته الرهان واستعداده للاعتراف بذلك تماشيا مع خطط واستثمارات رؤية 2030 المعلن عنها، والهادفة إلى تغيير وجه "المملكة".
تُمسك الرياض بمفاصل تنظيم مراسم الحج والعمرة، وتستغله لاصطياد المعارضين أو المتجرئين على القوانين السعودية الخاصة بمنع الشعارات الدينية خلال تأدية المناسك.
اللافت أن النظام لا يألو جهدا في استغلال سلطته القهرية على مراسم الحج باعتبارها أداة دبلوماسية لتزخيم العلاقات مع دول وجهات سياسية بعينها، فنراه يخصّص تأشيرات لصالح جهات سياسية إقليمية حليفة له بالتوازي مع حجبها عن أخرى. ونذكر هنا منحة مقاعد الحج التي قدمها النظام عام 2018 لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وهو السياسي المسيحي، مقابل التضييق على حصة أنصار تيار رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري، حليف الأمس القريب، في تسييس واضح للتوزيع.
ولا بدّ في معرض حديثنا عن التسييس، الاستشهاد بمنع القطريين والمقيمين فيها من الحج لمدة خمس سنوات إبّان أزمة حصار قطر عام 2017، بالإضافة إلى الحجاج اليمنيين والعراقيل التي وضعت أمامهم لمنعهم من أداء فريضة الحج منذ أن شنّ ابن سلمان حربه الهوجاء على الجار الجنوبي. وتبنى النظام سياسة مضاعفة تكاليف الحج وإغلاق المسار الإلكتروني من صنعاء وجعله بيد المرتزقة، حصر مسألة قطع جواز السفر بالمناطق الجنوبية المحتلة، بالإضافة إلى إغلاق كافة المنافذ البرية والجوية أمام اليمنيين عدا منفذ الوديعة غير المؤهل.
وفي ازدواجية غريبة، يمنع النظام حرية تأدية الحجاج للشعارات ومسيرة البراءة، وكذا من حرية أداء مناسكهم وعباداتهم وفق عقائدهم ومذاهبهم بحجة عدم التسييس. فقد اعتقل النظام السعودي خلال موسم الحج الأخير عالم الدين البحرتين الشيخ جميل الباقري أثناء تأديته مناسك الحج بسبب قراءته لدعاء الفرج، لتطلق سراحه بعد فترة.
يذكر أن النظام السعودي منع عالم الدين الإيراني السيد جواد الزَّنجاني من دخول مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، برغم حصوله على تأشيرة الحج والموافقات المسبقة اللازمة ضمن حملات الحج. وأجبرت “السعودية” الزنجاني على العودة إلى إيران بعد وصوله مطار جدة وانتظاره ساعات فيه، ومن دون تقديم أسباب له عن منعه من دخول البلاد.
قناة الأحرار أكدت إقدام ” السلطات السعودية على اهانة أبن أحد المراجع بارجاعه من مطار جدة ومنعه من اداء فريضة الحج مع انه كان حاصلا على تأشيرة الحج . وقالت مصادر مطلعة أن السيد جواد ابن المرجع الشبيري الزنجاني وهو من اساتذة الحوزة العلمية في قم وله عدة مؤلفات في التخصصات المختلفة تم منعه من دخول مكة وارجاعه الى بلده ايران مما شكل صدمة للكثيرين الذين لم يعثروا على اي مبرر لهذا التصرف السعودي تجاه حجاج بيت الله الحرام
وإذ ينفي النظام السعودي تسييس فريضة الحج إلا أن الحديث عن الدور السعودي لتفريغ مضمون فريضة الحج من جوهرها الروحي وتحويلها إلى مجرد سلعة من خلال توزيع تأشيرات المجاملة أو رشاوى الحج على من يتماهي مع المواقف الرسمية كما جاء في تسريبات ويكيليكس يغدو سمة رئيسية يتداولها المتابعون.
معلوم أن القانون الدولي يتيح للنظام السعودي بحكم سيطرته على البلاد فرض سلطته على الأماكن المقدسة في الجزيرة العربية، إلا أنه وفقاً للدين الإسلامي، فإنه يحق لجميع المسلمين الحجّ إلى بيت الله الحرام وممارسة شعائرهم، بحريّة تامّة وأمان، وهذا ما ليس متوفرّاً في ظل حكم سيطرة آل سعود على الجزيرة العربية، واستخدام مكة والمدينة بشكل متزايد كغطاء ديني لإضفاء الشرعية على سيطرتهم هذه، في مواجهة بقية المسلمين.
تتزايد الدعوات المطالبة بتحييد إدارة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة عن سياسة آل سعود الداخلية والخارجية، والعمل على تنظيم الحج والعمرة وبشكل يحرص على أمن وسلامة الحجاج والمعتمرين وفصل كل العوامل والخلافات السياسية عن الشعائر الدينية. لكن إلى الآن، لازال النظام السعودي ينظر إلى هذه الدعوات على أنها “مؤامرة” و”إعلان حرب” عل شرعيته المزعومة.
وعلى الرغم من الفشل الواضح في إدارة شؤون الحج والتضييق على الحجاج الذين ينتمون لطوائف إسلامية مختلفة عن المدرسة الوهابية التكفيرية التي يتبناها النظام وحرمانهم من ممارسة شعائرهم الدينية، فإنه لا يرى في ذلك انتهاكاً لحقوق ملايين المسلمين الذين يرفضون تحويل السعودية للمشاعر المقدّسة إلى شأن خاص وعدم وضع أي اعتبار للاختلافات الفقهية والمذهبية.
الانفتاح الذي يتطلع إليه المسلمون بخصوص موسم الحجّ يتعلّق بهدف كبير وهو تأمين قدْر أعلى من العدالة والمساواة والحرية والأمان، وهذا يبدأ من تغيير منهجية تفكير أولائك الذين يسيطرون على إدارة الحجّ، وتغيير خطابهم الديني التكفيري الذي يستخدم منبر عرفة واجتماع قلوب المسلمين، لبثّ السموم الطائفية والمذهبية والسياسية، والتفرقة والخلاف.
الانفتاح الذي يسعى إليه المسلمون، لا يشبه الانفتاح الآتي على جناح هيئة الترفيه، التي حوّلت الجزيرة العربية الى مرتع للفساد الديني والأخلاقي، ومركزاً متقدماً للتطبيع مع الصهاينة المحتلين، حتى وصل الأمر إلى تكليف محمد العيسى، العام الماضي، وهو المطبّع والداعم لقوانين نزع الحجاب، إماماً للمسلمين وخطيباً بهم في عرفة.
وبالحديث عن الأمان، لا بدّ من الإشارة إلى استعراض النظام السعودي لقدراته العسكرية والأمنية بزعم تحقيق أمن الحجيج، مؤخرا، الأمر الذي لا يمكن قراءته إلا بوصفه تلويح بإمكاناته في الرصد والتعقب ومراقبة سلوك الحجيج، والقدرة على اعتقالهم وتغييبهم في سجونه متى شاء وأراد!
إن مَنْ يطالع الصور المنتشرة على المواقع والصحف السعودية حول جهوزية “قوات الأمن” لتأمين الحج، يتأكد من أن النظام السعودي يعيش “أزمة ثقة”
إثراء من بوابة الحج:
لقد حوّل محمد بن سلمان الشعائر الدينية إلى سلعة تجارية تستهدف الأغنياء على حساب الفقراء وجعل الأماكن المقدسة شباك صيد واقتناص للناشطين والمعارضين في ظل التضييق على شعوب الدول التي لا تتماهى مع سياساته.
كل ما ورد غير منفصل عن حالة الفوضى الموافق عليها “سعوديا” لناحية عدم ضبط أسعار حجوزات الطيران والفنادق، وترك الأمور تجري وكأنها ساحة لمن يجني أكثر، فضلا عن حجب النظام السعودي للآثار الإسلامية، وما أطلق عليه علماء الآثار “نكبة الآثار الإسلامية في مكة والمدينة”، لتحويلها إلى دورات مياه وفنادق فارهة.
تهدف فريضة الحج في واحدة من أبعادها لأن تعكس حقيقة أن الناس بمختلف مللهم وأعراقهم ولغاتهم وخلفياتهم الفكرية والثقافية وقدراتهم المادية، هم سواسية كأسنان المشط. أما على أرض الواقع وبحكم سيطرة آل سعود وإدارتها لمكة والمدينة وإشرافها على التنظيم، باتت فريضة الحج تأخذ بعدا طبقيا يتمايز من خلاله الحجاج لناحية خدماتهم.
وبالنظر إلى البنية التحتية في المشاعر المقدسة وما حولها، اطلق النظام قبل عدة أشهر اسم " الرواق السعودي" على توسعة المطاف في المسجد الحرام، والتي تتخلل عمليا بناء منشآت لخدمة المصلحة المادية للنظام. ليست الأبراج المنشأة حول الحرم المكي من الجهة الغربية، ونسف جبل عمر لتشييد شقق سكنية فارهة إلا للاستفادة منها ماديا وتأجيرها للمقتدرين ماديا، وليس لعموم فقراء المسلمين حول العالم.
وتجري في مكة منذ ما يقارب الخمسة عقود عملية تغييرٍ ممنهجٍ لهوية المدينة التي تشكّل بالنسبة للمسلمين قيمة روحية كبيرة لتتحول إلى مدينة عالمية لا تنسجم مع تاريخها وإرثها العظيم، فصار الحرم المكي مُحاطًا بفنادق تنطح السُحب، وأصبحت مكة المكرمة في ثوبها الجديد مدينة مزدوجة الهوية.
وفي التطرق إلى أسباب رفع تكلفة الحج من قبل النظام السعودي، نذكر رفع قيمة الضريبة المضافة على الخدمات بنسبة 15% تشمل النقل والإعاشة والإقامة وخدمات المشاعر، فرض مصاريف على خدمات كانت مجانية في السابق كفرض حوالي 300 ريال كبدل تأشيرة، إضافة إلى استحداث خدمات جديدة أدت إلى ارتفاع كبير في كلفة الحج، إلى جانب تسجيل كلفة المنامة في مكة إلى 4800 ريال، أما في المدينة فقد بلغت 900 ريال.
وفي أرقام تقريبية حول الأموال التي تُصرف على الخدمات المقدمة للحجاج يسجل رصد بين مليار واثنين مليار دولار سنويا، في مقابل تحصيل النظام السعودي لـ 30 مليار دولار كعائدات عن كل موسم حج.
ارسال التعليق