على خُطى اتفاقيات أبراهام يسير التطبيع السعودي- الإسرائيلي.. مزيد من الحروب
قال السفير الأميركي في کیان الاحتلال الإسرائيلي ديفيد فريدمان بُعيد اتفاقيات أبراهام في عهد دونالد ترامب "عندما تهدأ الأمور، في غضون أشهر أو عام، سوف ينتهي الصراع الإسرائيلي العربي"، لكن أثبت "طوفان الأقصى" بطلان هذه الادعاءات جملة وتفصلا. فعلى العكس من ذلك ساهمت اتفاقيات أبراهام وأي تطبيع مرتقب مع السعودية، باستبعاد إيجاد حل دائم لـ"الصراع العربي- الإسرائيلي" وفقا لتقدير مركز أبحاث أميركي.
نشر معهد كوينسي الأميركي للأبحاث تقديرا لكيفية انعكاس اتفاقيات التطبيع بين الدول العربية و"إسرائيل" على واقع "الصراع" في الشرق الأوسط، وآفاق تأثيرها، من اتفاقية تطبيع مرتقبة بين "السعودية" وأميركا و"إسرائيل".
بداية من اتفاقيات أبراهام يستاءل المعهد "كيف يمكن لاتفاق إقليمي لم يشارك فيه زعماء أو مفاوضون فلسطينيون، أن يؤدي إلى تحوّل في العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية؟"، والمقابل لها كان تعهّد مؤقت من قبل كيان الاحتلال بعدم ضم الضفة الغربية وليس تعهّدا دائما.
كانت اتفاقيات أبراهام قائمة على عناصر لم يسبق أن كانت متواجدة في اتفاقيات التطبيع السابقة التي تمت والتي توقف –بين لبنان والكيان وسوريا والكيان على سبيل المثال-، ففي حين كانت السابقات تعتمد على "الجهود الإقليمية"، إلا أن اتفاقيات إبراهام في عام 2020 قدمت نوعًا مختلفًا من النهج الإقليمي.
فقد كانت الاتفاقيات لا تزال تشمل إسرائيل، ولكن الآن تم استبدال الدول العربية في الخطوط الأمامية بدول عربية بعيدة ذات مشاركة ضئيلة في الحروب الماضية: البحرين والمغرب والسودان والإمارات العربية المتحدة.
أسست الاتفاقيات علاقات دبلوماسية طبيعية بين هذه الدول وإسرائيل، متجاوزة المسارات الإسرائيلية الفلسطينية والإسرائيلية اللبنانية والإسرائيلية السورية التي لم يتم حلها. وقد كانت الادعاءات التي تصدر من الأطراف الأميركية والإسرائيلية والعربية هي أن الاتفاقيات الجديدة من شأنها أن تغير الديناميكية الإقليمية وأن الجهات الفاعلة في الخطوط الأمامية، بما في ذلك الحركة الوطنية الفلسطينية، إما أن تنضم إلى هذه الجهود أو تتخلف عن الركب. وفي أفضل الأحوال، من شأن الاتفاقيات أن تحفز الأطراف العربية المتمردة على تسوية خلافاتها المتبقية مع إسرائيل. وشعر المؤيدون أن التطبيع الإقليمي من شأنه أن يفتح الباب أمام نهاية الصراع، وهو نهج من الخارج إلى الداخل.
وفي مقارنة نهجَي الاتفاقيات بين واحدة تقوم على المفاوضات المباشرة وأخرى تعتمد جهودا إقليمية، فإن النهج الأول يتطلب تنازلات من "إسرائيل" لا يقوم بها النهج الثاني: فإن التنازلات ستقع حصريا تقريبا على الجانب الفلسطيني. ويمكن لإسرائيل أن تحصل على الكعكة بأكملها وتأكلها لأنها حصلت على اندماج متزايد مع الشرق الأوسط الأوسع، وعلى التنازلات الفلسطينية، مع استمرار الحكم الإسرائيلي والاستيطان في جزء كبير من الضفة الغربية، والدعم الوثيق من الولايات المتحدة.
بعد 4 سنوات من أبراهام: مزيد من القهر:
بعد 4 سنوات من اتفاقيات التطبيع العربية مع "إسرائيل" يؤكد المعهد أن الأمور وصلت إلى خلاف ادعاءات السلام الذي سيحققه الاتفاق.
فالعلاقات الفلسطينية الإسرائيلية لا تزال سيئة كما كانت دائمًا، مع أزمة كبرى ومواجهة في أبريل ومايو 2021 وحرب شاملة من عام 2023 إلى عام 2024، وها هم اليوم الآن يكافحون حتى للتوصل إلى وقف لإطلاق النار. وتوسع التقرير بالآثار السلبية التي ظهّرتها مواجهات طوفان الأقصى في الداخل الفلسطيني وعلى الصعيد الإقليمي، على مزاعم "السلام".
إلى ذلك، لم يقتصر الأمر على المستجد الذي طرأ على المنطقة منذ السابع من أكتوبر والذي أثبت أن هذا "الصراع" لا يمكن أن ينتهي بمجرد التوقيع على أوراق تستبعد الحق الفلسطيني بإبداء رأيه، ولكن ثبت أن حتى الشروط المزعومة التي قيل أنها مقابل للفلسطينيين من اتفاقيات أبراهام، هي مقابل مؤقت لرسم صورة انتصار وهمي.
فنّد المعهد الأميركي في تقريره الخطوات التي أتختها "الحكومة الإسرائيلية" في نقض وعدها الضالّ الضي قدّمته مقابل اتفاقيات أبراهام:
-اتخذت حكومة نتنياهو الحالية، التي تولت السلطة في ديسمبر/كانون الأول 2022، خطوات متعددة لتعزيز الضم. وبناءً على قانون الدولة القومية الإسرائيلي لعام 2018، أعلنت السيادة اليهودية الحصرية من النهر إلى البحر في المبادئ التوجيهية الحكومية الصادرة في أواخر عام 2022. لا يوجد في هذه المبادئ التوجيهية ما يشير إلى الإشغال المؤقت.
-الأمر الأكثر أهمية هو أن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش نقل الحكم الإسرائيلي في الضفة الغربية من السلطات العسكرية إلى الإشراف المدني، قائلاً: "لقد أنشأنا نظاماً مدنياً منفصلاً".، وتوسيع الرقابة المدنية على الأراضي المحتلة هو ضم. ورغم أن سموتريتش هو وزير المالية، إلا أنه تفاوض أيضًا على المسؤولية عن شؤون الضفة الغربية داخل وزارة الدفاع رغم أنه ليس وزيرها.
على سبيل المثال، في 29 مايو 2024، نشرت قوات الدفاع الإسرائيلية إشعارًا بأمر "ينقل المسؤولية عن عشرات اللوائح الفرعية في الإدارة المدنية - الهيئة الإسرائيلية الحاكمة في الضفة الغربية - من الجيش إلى مسؤولين بقيادة سموتريتش في وزارة الدفاع".
-كانت ميراف زونزين من مجموعة الأزمات الدولية موجزة في تقييمها للوضع الحالي: "القصة الكبيرة هي أن هذا لم يعد "ضمًا زاحفًا" أو "ضمًا بحكم الأمر الواقع"، بل هو ضم فعلي".
-في 3 يوليو/تموز 2024، أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن أكبر عملية مصادرة لأراضي الضفة الغربية منذ تسعينيات القرن العشرين، بمساحة تبلغ حوالي خمسة أميال مربعة.
-أوائل يوليو/تموز، دعت أغلبية أعضاء البرلمان إلى إصدار إعلان ينص على أن الكنيست "يعارض بشكل قاطع إقامة دولة فلسطينية غربي نهر الأردن".
النقطتين الأخيرتين هما مثالان يوضحان أن المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة مستمرة بوتيرة سريعة. فمنذ عام 2020، كانت إسرائيل، سواء من خلال الحكومة أو من خلال تصرفات المستوطنين الفردية، تبني وتوسع المستوطنات، وتصادر الأراضي، وتهاجم السكان الفلسطينيين بعنف. وقد أدى هذا إلى ترسيخ الواقع الميداني للهيمنة والسيطرة الإسرائيلية.
باختصار، لا يهم إلى حد كبير ما إذا كانت الحكومة الإسرائيلية في عام 2020 قد خططت للتنازل عن الضم كجزء من اتفاقيات إبراهيم. ففي الممارسة العملية، لم تفعل الحكومة الإسرائيلية ذلك. بل فعلت العكس من ذلك من خلال تشديد قبضتها على الضفة الغربية.
في ضوء الدلالات التي قُدمت عن فشل اتفاقيات أبرهام بتحقيق أي "تقدّم" في تحقيق "سلام" مُزمع، يتساءل المعهد: إذن ما هي الآثار المترتبة على احتمالات التوصل إلى اتفاق تطبيع ثلاثي بين الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية؟ ويجيب بالقول أن أثرها سوف يكون سلبي. حيث ستفقد السعودية والولايات المتحدة نفوذهما المحتمل للتأثير على السياسة الإسرائيلية. هذا النوع من النهج الإقليمي يحول الانتباه إلى قضية أخرى بعيدًا عن جوهر "الصراع" العربي الإسرائيلي، وهي "إسرائيل" وفلسطين. أخيرًا، يتبنى هذا النهج الإقليمي نموذجًا للاستقرار العربي الإسرائيلي والإسرائيلي الفلسطيني لا تدعمه الأدلة التاريخية.
في إطار خطة التطبيع الإسرائيلية السعودية، من المرجح أن تكون أي التزامات إسرائيلية مجرد تظاهر وليس تنازلات حقيقية. لقد سجلت حكومة إسرائيل أن المطالبة اليهودية بالأرض المقدسة هي الوحيدة الصالحة. يرفض نتنياهو علانية السيادة الفلسطينية في الضفة الغربية، وبالتالي يستبعد حل الدولتين. قد توافق حكومة نتنياهو على بعض العبارات الدبلوماسية الغامضة لكنها لن تتخذ أي خطوة جوهرية نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية وتحقيقها في الضفة الغربية وغزة. لن تعترف بحق الفلسطينيين في تقرير المصير الوطني. لن تسحب عددًا كبيرًا من المستوطنين الإسرائيليين من الضفة الغربية. لن تعلن القدس عاصمة لكل من إسرائيل وفلسطين وتشارك في الحكم والسيادة في المدينة. باختصار، من غير المرجح أن تتضمن الصفقة التي ينظمها بايدن التزام إسرائيل بتنازلات كبيرة بشأن فلسطين؛ لن تفعل الحد الأدنى الضروري لبدء تحرك حقيقي نحو حل إسرائيلي فلسطيني.
في سياق منفصل، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، الثلاثاء الماضي، أنها وافقت على بيع حزمة من المعدات العسكرية بقيمة 2.8 مليار دولار للسعودية، تشمل معدات لوجستية ودعم صيانة الأنظمة، بحسب ما أعلنت وكالة التعاون الأمني الدفاعي الأميركية وقد أصدر الموافقة اللازمة لهذه الصفقة العسكرية وأبلغ بها الكونجرس.
وذكر بيان الخارجية الأمريكية أن الرياض أمرت بشراء أصناف وخدمات عسكرية، بما في ذلك "الخدمات والدعم اللوجستي، التي تحوي برمجيات تخطيط المهام المشتركة والأجهزة والدعم ذات الصلة، وأجهزة التشفير KIV-77/78 ودعمها"، قطع الغيار والإصلاح، المعدات الاستهلاكية والطرفية، خدمات الدعم للإصلاح والتعديل والاختبار والإرجاع، معدات الموظفين الأرضيين، دعم البرامج السرية وغير السرية، الوثائق الفنية والمنشورات السرية وغير السرية، معدات لتدريب الموظفين" وأشياء أخرى.
وواصل البيان: "تهدف هذه الصفقة المقترحة إلى تعزيز قدرة المملكة العربية السعودية على الردع ضد التهديدات الحالية والمستقبلية من خلال توفير دعم التدريب والصيانة لأنظمة وأساطيل القوات الجوية الحالية. وينبغي للمملكة العربية السعودية أن تتحسن. كما تدعم هذه الصفقة أهداف الأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة".
وأظهر تقرير نشره "معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام" في أبريل/نيسان الماضي، أن السعودية تعد واحدة من أكبر خمس دول منفقة عسكريا في العالم عام 2023، بعد الولايات المتحدة والصين وروسيا والهند. كما أفاد هذا المعهد أن السعودية كانت أكبر متلق للأسلحة والمعدات العسكرية التي صدرتها الولايات المتحدة في عام 2023، وبلغت ميزانيتها العسكرية 75.8 مليار دولار في عام 2023، أي ما يعادل 7.5% من ناتجها المحلي الإجمالي.
ارسال التعليق