حكم قضائي جديد يفضح منهجية القمع الممنهج ضد نشطاء الرأي
في خطوة وُصفت بأنها “ضربة موجعة لما تبقّى من مصداقية القضاء السعودي” وتكريس منهجية القمع الممنهج ضد نشطاء الرأي، أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة في الرياض مؤخرا حكمًا يقضي بسجن المدافع المخضرم عن حقوق الإنسان محمد البجادي لمدة 25 عامًا إضافية، بعد إعادة محاكمته رغم أنه أنهى فترة حكمه السابقة قبل أكثر من عامين.
ويؤكد هذا الحكم استمرار النهج القمعي الذي تتبعه السلطات السعودية ضد النشطاء السلميين والمدافعين عن الحقوق الأساسية، بحسب ما أكدت منظمات حقوقية.
البجادي، وهو من أبرز مؤسسي جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية (حسم) التي حظرتها السلطات عام 2013، يُعد أحد الرموز البارزة لحركة الدفاع عن الحقوق المدنية في المملكة.
وقد اعتُقل وسُجن مرات عدة بسبب نشاطه السلمي، كان آخرها في مايو/أيار 2018 خلال الحملة الواسعة التي استهدفت المدافعين والمدافعات عن حقوق المرأة.
في تلك المحاكمة، حكمت عليه المحكمة بالسجن عشر سنوات، مع وقف تنفيذ نصف المدة، ليُفترض أن يفرج عنه في أبريل/نيسان 2023.
إلا أن السلطات واصلت احتجازه في سجن بريدة دون سند قانوني واضح، وحرمانه من التمثيل القانوني، مع تعرضه بحسب منظمات حقوقية لـسوء المعاملة والتعذيب والاحتجاز الانفرادي لفترات طويلة.
المنظمة الحقوقية “القسط”، التي تتابع قضايا معتقلي الرأي في السعودية، أدانت الحكم الجديد واعتبرته “مؤشرًا على إصرار السلطات على استخدام القضاء أداة لإسكات الأصوات المستقلة”.
وقال يحيى عسيري، مؤسس المنظمة، إن “البجادي أحد أكثر المدافعين شجاعة عن حقوق الإنسان في السعودية، وقد دفع ثمن التزامه بالعدالة وحقوق المواطنين سنوات من حريته”.
وأضاف: “بعد كل ما عاناه من ظلم وتعذيب، يأتي هذا الحكم القاسي ليؤكد أن السلطات لا تزال تعتبر الدفاع عن الحقوق جريمة. أدعو كل أصحاب الضمائر الحية إلى التحرك من أجل إطلاق سراحه وسراح رفاقه.”
وفي أبريل/نيسان 2025، كانت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالمدافعين عن حقوق الإنسان، ماري لولور، قد سلطت الضوء على قضية البجادي ضمن تقريرها السنوي، مشيرة إلى نمط متزايد من احتجاز النشطاء بعد انتهاء أحكامهم، في انتهاك للقانون الدولي والقوانين السعودية نفسها.
رغم أن السلطات السعودية أفرجت منذ أواخر 2024 عن عشرات النشطاء ضمن حملة علاقات عامة لتلميع صورتها، فإنها ما زالت تحتجز العشرات تعسفيًا، وتفرض على المفرج عنهم قيودًا صارمة تشمل حظر السفر والمراقبة الإلكترونية، في انتهاك جديد للحق في الحرية والتنقل.
ومن أبرز المدافعين الذين ما زالوا رهن الاحتجاز: عيسى الحامد (9 سنوات)، محمد العتيبي (17 سنة)، وليد أبو الخير (15 سنة)، إسراء الغمغام (13 سنة)، عبدالرحمن السدحان (20 سنة ومختفٍ قسريًا منذ اعتقاله)، نورة القحطاني (35 سنة)، مناهل العتيبي (5 سنوات)، إضافة إلى المدون أسامة خالد (32 سنة) ورسام الكاريكاتير محمد الغامدي (23 سنة).
كما تشمل القائمة عددًا من الأكاديميين والعلماء، بينهم محمد الحبيب، سلمان العودة، وحسن المالكي، إلى جانب عشرات من أبناء قبيلة الحويطات الذين يواجه بعضهم أحكامًا بالإعدام بسبب رفضهم الإخلاء القسري من أراضيهم لصالح مشاريع “نيوم”.
تزامن الحكم الجديد ضد البجادي مع ارتفاع قياسي في عدد الإعدامات المنفذة في السعودية خلال عام 2025، إذ سجلت المنظمات الحقوقية 314 حالة إعدام حتى 29 أكتوبر، شملت معتقلين سياسيين وأجانب أُعدموا في قضايا مخدرات غير عنيفة، في مخالفة واضحة للقانون الدولي لحقوق الإنسان.
وتشير التقارير إلى أن عدد الإعدامات هذا العام مرشح لتجاوز حصيلة العام الماضي (345 حالة).
ودعت منظمة القسط، ومعها منظمات حقوقية دولية عدة، السلطات السعودية إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن محمد البجادي وكل من اعتُقل بسبب ممارسته السلمية لحقوقه.
كما طالبت المجتمع الدولي، ولا سيما هيئات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، بممارسة ضغط حقيقي على الرياض لإنهاء سياسة الاعتقالات التعسفية وإصلاح النظام القضائي الذي تحوّل إلى أداة ترهيب.
واختتم يحيى عسيري تصريحه بالقول: “محمد البجادي لم يكن يومًا خطرًا على أحد. خطره الوحيد على السلطة أنه يذكّرها بواجبها تجاه كرامة الإنسان. وكل يوم يقضيه خلف القضبان هو وصمة عار على من يدّعي الإصلاح والانفتاح.”
ارسال التعليق