الهدنة الإنسانية خدعة سعودية وتكتيك أمريكي
الهدنة الإنسانية خدعة سعودية وتكتيك أمريكي
عبدالعزيز المكي
أتفق مع بعض المحللين الإستراتيجيين في عدم تبني مصطلح الهدنة والإعتراف بها في حيث المعنى والمضمون، بين السعودية واليمن، فطبقاً لما يقوله هؤلاء الإستراتيجيون، إن الهدنة تصدق على طرفين متحاربين، ثم يوافق هذان الطرفان على إيقاف الحرب لدواعي إنسانية أو ما شابه ذلك، أما في اليمن فهناك طرف شن عدواناً غاشماً وهمجياً على بلد لم يرتكب أي إعتداء على السعودية ولم يقم بأي إنتهاك لأراضيها لا من قبل أنصار الله أو الجيش اليمني ولا حتى من القبائل القريبة من الحدود السعودية.وعلى هاذا الأساس يمكن القول أن النظام السعودي جمد الحرب من طرف واحد لفترة خمسة أيام ولم تكن هناك هدنة، فيمكن للنظام السعودي في أية لحظة أن يؤجج أوار العدوان مرة أخرى بأية حجة، كما هو حاصل الآن، فقد إخترقت السعودية الهدنة بعد ساعتين فقط من بدء سريانها، حيث قصفت طائراتها وصواريخها مواقع وأحياء مدنية في مدن عدن وتعز وأماكن أخرى، وما زالت حتى اللحظة تخترق هذا التجميد لعملياتها العدوانية الجوية على المدن اليمنية، خلافاً لما أعلنه وزير خارجيتها الجديد عادل الجبير يوم الجمعة بادعائه أن بلاده ما زالت ملتزمة بضبط النفس على ما اسماه انتهاكات الحوثيين للهدنة.
على أن هذا التصريح يستبطن تهديداً واضحاً بأن السعودية سوف تعود لتكثيف عدوانها على اليمن، وإن هذا التوقف في الحملات الجوية لا يستند ا
لى مقومات صلبة.
أما السؤال المطروح إزاء هذه الهدنة السعودية، هو أذا كانت السلطات السعودية لا تريد وقف عدوانها، فلماذا أعلنت هدنة إنسانية يمكن أن يستفيد منها خصمها الحوثيون وعلي عبدالله صالح في التقاط الأنفاس وفي إعادة التموضع والإنتشار العسكريين وما إلى ذلك؟
والجواب، إن وقف العدوان مؤقتاً ولخمسة أيام قابلة للتمديد كانت ضرورة أمريكية أكبر منه حاجة سعودية، ضرورة أمريكية ترتبط بالحسابات الإستراتيجية الأمريكية فالهدنة أعلنتها بعد مجئ وزير الخارجية الأمريكي جون كيري للسعودية ومن ثم لقائه بوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في باريس، ويمكن الإشارة إلى الأمور التالية التي دفعت بأمريكا إلى اصدار أوامرها للنظام السعودي لإعلان وقف الحرب الجوية على اليمن لمدة خمسة أيام قابلة للتجديد، تحت لافتة العنوان الإنساني وهي
أولاً: ذهاب كيري إلى روسيا ولقاءاته بنظيره الروسي سيرغي لافروف وبالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في سوتشي بروسيا، ذلك في الوقت الذي كان أوباما الرئيس الأمريكي يستعد للقاء شيوخ وامراء وملوك دول مجلس التعاون الخليجي في كامبديفيد، وكل ذلك يتطلب نوعاً من الهدوء على الجبهة في رسالة أمريكية واضحة للروس مفادها نحن الأمريكيون علي استعداد لاسكات الجبهات إذا تم التجاوب الروسي على الجبهة الأوكرانية وجبهات أخرى.
وثانياً: إن الولايات المتحدة رأت إنه ورغم منحها السعودية مدة اكثر من خمسين يوماً في حربها الظالمة على اليمن، إلا أنها لم تحقق شيئاً من الأهداف التي أعلن عنها ومنها تمكين هادي من العودة إلى عدن أو صنعاء، وتقوية حلفاء السعودية في المدن اليمنية خصوصاً عدن وتعز وغيرها من أجل فرض واقع ميداني جديد، والحصول على موقع قدم ينطلق منه السعوديون وعملائهم من اليمنيين نحو المدن اليمنية الأخرى، بل على العكس تماماً، حقق الحوثيون والجيش اليمني انتصارات كبيرة وزحفاً على الأرض، رغم تعرضهم وأهلهم وكل الشعب اليمني للقصف الجوي المكثف والغادر والذي لا يستثني أي شي إلا وطاله بالصواريخ والقذائف. الأخطر من ذلك، بالنسبة للأمريكان، هو أن نيران الحرب بدأت تتمدد نحو الحدود السعودية، إذ توغلت القبائل اليمنية في العمق السعودي وباتت تهدد المدن السعودية، وإذا دخل الحوثيون و الجيش اليمني على خط المواجهة البرية مع القوات السعودية فيعني ذلك امتداد الحرب إلى داخل السعودية وبالتالي سوف يؤدي ذلك إلى انهاك النظام السعودي والتسبب في إنهياره وربما تفكك السعودية كجغرافيا، بعد إختلال الوضع الأمني والعسكري، مع ما يؤدي ذلك إلى إنقطاع النفط وارتفاع الأسعار ومن ثم توجيه ضربة قاصمة للإقتصادين الأمريكي والغربي اللذين يعانيان أساساً من أوضاع لا يحسدان عليها.
وثالثاً: إن إستمرار العدوان السعودي على الشعب اليمني، يعني إستمرار ارتكاب المزيد من المجازر بحق الأبرياء، وهذا من شأنه أن يجبر ايران أو روسيا على التدخل في الحرب، وإحتمال إشعال حرب إقليمية أو حتى كونية لا طاقة لأمريكا على تحملها أو خوضها في الوقت الحاضر على الأقل، وغير مستعدة لها، الوضع الذي يضع الأمن الصهيوني خاصة في خطر جدي بالإضافة إلى تهديد ما يسمى بالمصالح الأمريكي.
ورابعاً: محاولة أمريكا التملص من المسؤولية الأخلاقية ألتي باتت تشعر الإدارة الأمريكية بضخامة وطأتها عليها بحكم تأييدها للنظام السعودي في عدوانه على اليمن وارتكابه هذه المجازر المروعة، فمشاهد قتل الأطفال وتقطيع أوصالهم بالصواريخ وتهديم البيوت على ساكنيها وقتل النساء والشيوخ، وتدمير أحياء بكاملها. هذه المشاهد باتت تشكل أدلة ميدانية تتكرر يومياً على قيام هذا النظام بإرتكاب جرائم حرب لا تقل جرماً وهمجية ووحشية عن جرائم الحربين العالمية الأولى والثانية. فمن خلال هذه الخطوة يريد النظام الأمريكي خداع الرأي العام بأنه غير راضي عن هذه المجازر وعن قصف المستشفيات وتدمير البنى التحتية والمساجد والجسور وشبكات المياه وما إلى ذلك.ومن الجدير الإشارة إلى أن لا النظام الأمريكي ولا نظيره السعودي يقيمان أية أهمية للناحية الأخلاقية إنما فقط للتخلص من الحرج ومحاولة التضليل على الرأي العام خوفاً من إنكشاف بعد هذه الأنظمة عن القيم وعن الأخلاق.
وخامسا: مع إنسداد الافق العسكري أرادت أمريكا فتح نافذة للحل السياسي لحل الأزمة، لأن لانسداد الافق العسكري استحقاقات خطيرة على أمريكا وعلى حلفائها، فيمكن بنظرها أنه تحقق من خلال النافذة السياسية ما عجزت عنه عبر عملائها السعوديين بالوسائل العسكرية، ولذلك سارع مبعوث الأمم المتحدة الجديد في الأزمة اليمنية، إلى زيارة الرياض، وصنعاء ومسقط وتحدث مع الاطراف اليمنية المعنية بالأزمة من أجل التوافق على حوار تحت رعاية الأمم المتحدة، ومن ثم بلورة رؤية لإجراء هذا الحوار في جنيف أو في أي مكان آخر محايد يجري التوافق عليه.
على أن الحوثيين اشترطوا أن يبدأ الحوار من حيث إنتهى إليه جمال بنعمر حيث توصلت الأطراف اليمنية إلى نتائج جيدة طبقاً لما أعلن عنه بنعمر الذي حمل السعودية مسؤولية تعطيل هذا الحوار الذي كاد أن يصل إلى نهاياته بنجاح، لولا الهجوم السعودي على اليمن وإشعالها الحرب على هذا البلد.
سادساً: حققت الولايات المتحدة بعض أهدافها من هذا العدوان، فمصانع الأسلحة الأمريكية بدأت تعمل بطاقاتها القصوى لتغطية العدوان بصواريخ الطائرات وباقي أنواع الصواريخ والأعتدة، وامتصت أمريكا احتياطات دول الخليج من البترودلار المكدسة في البنوك الأمريكية والغربية وهي بمئات المليارات ، ومن ثم هيأت الأجواء السياسية والأمنية اللازمة لربط دول مجلس التعاون بمعاهدات أمنية وإغراقها بمزيد من الأسلحة.
لهذه الأسباب يعتبر توقف الحرب المؤقت خدعة سعودية وتكتيك أمريكي لامتصاص غضب الرأي العام ولمنح السعوديين والأمريكان الفرصة للتريث والتفكير بخطط ووصفات تآمرية على الشعب اليمني أقل كلفة وأكثر إيلاماً وقرباً من تحقق الأهداف التي يصبون إليها، ولكن تبقى يقظة الشعب اليمني وقواه الوطنية حصناً منيعاً لردع الاخطار الأمريكية السعودية، بل أكثر من ذلك، إذا ظل السعوديون والأمريكان سادرون في عدوانهم، فأن هذا الشعب اليمني سينقل المعركة إلى داخل العمق السعودي مع ما يترتب على ذلك من معادلات ميدانية جديدة وارتدادات كبيرة على المنطقة لغير صالح السعودية وأمريكا معاً.
ارسال التعليق