بن سلمان يحج إلى تل أبيب سراً !! ...والصهاينة يريدونه "محمد أنور سادات" آخر
لم يفاجئنا الخبر الذي نقلته وأذاعته قبل أيام قليلة، بعض الأوساط الإعلامية الخبرية، الصهيونية والغربية، وحتى العربية عن زيارة أمير سعودي كبير إلى تل أبيب على رأس وفد عسكري واقتصادي وامني عال، لأن التواصل بين آل سعود وآل صهيون لم ينقطع وخطوات التطبيع بين الطرفين تمضي قدماً منذ ثلاث سنوات أو أكثر ولحد الآن، وهنا تجدر الإشارة إلى أنني اقصد التطبيع بين آل سعود وآل صهيون، لان العلاقات طبيعية بين الطرفين منذ قيام هذين الكيانين في قلب الأمة الإسلامية، حيث توجد أهم مقدسات الأمة، ذلك أن هذه الخطوات تمخضت عن زيارة أنور عشقي الضابط المتقاعد والقريب من البلاط السعودي ومهندس عملية تظهير التطبيع وجعله علنياً مع الكيان الصهيوني، إلى تل أبيب على رأس وفد سعودي كبير وبشكل علني، تحت واجهة المشاركة في احد المؤتمرات التي عقدت في الأرض المحتلة، فهذه الزيارة كانت تتويجاً لما قام به هو وضابط الارتباط السعودي الآخر تركي الفيصل رئيس جهاز الاستخبارات السعودية والسفير السعودي السابق في كل من واشنطن ولندن، من لقاءات واتصالات مع قادة ومسؤولي الكيان الصهيوني تمت في مدن وعواصم غربية وأمريكية وحتى عربية للأسف، وما يجري فيها من تبادل عبارات الود والمحبة، وتطابق الآراء بشأن مواقف كثيرة.
إن الذي فاجئنا أن يكون بن سلمان نفسه، هو الزائر، ما يعني أن هناك أمور استدعت التعجيل بهذه الزيارة، وقبل أن نتطرق إلى هذه الأمور، نشير إلى أن العدو الصهيوني في الوقت الذي كان يحرص على تسريب هذه الزيارة، وعدم حبسها في الغرف السرية المقفلة، كان يتخوف أيضا من ردة فعل شعبية إزاء هذه الزيارة، وبالتالي نسف كل ما تحقق خلال هذه الفترة من محاولات لتدجين الشعب في المملكة وبقية الشعوب العربية والأمة الإسلامية على تظهير العلاقات الصهيونية السعودية، ولذلك تعامل الإعلام الغربي والصهيوني مع تلك الزيارة بذكاء خوفاً من الصدمة التي يمكن تتسبب في ردة فعل غير محسوبة، كما قلنا على الصعيد الشعبي، ولذلك في البداية سربت إن أميرا جاء إلى تل أبيب، وأن الطائرات التي حطت في مطار بن غوريون، هي طائرات سعودية. "ففي هذا السياق نقل موقع ميدن رايست آي البريطاني، في 13/9/2017 عن مسؤول على علاقة بعدد من الصهاينة قوله انه متأكد مئة في المئة من أن مسؤولاً خليجياً رفيعاً زار إسرائيل". وأكد المصدر انه اطلع على صور ومعلومات تؤكد أن الزيارة حصلت، مشيراً إلى انه ليس متيقناً من أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أو احداً غيره قام بالزيارة، موقع "المصدر" الصهيوني أيضا في تقريره ليوم 13/9/2017 اكتفى بالاشارة إلى زيارة أمير سعودي، وقال "إن أميرا من البلاط الملكي السعودي زار البلاد سراً خلال الأيام الأخيرة وبحث مع كبار المسؤولين الإسرائيليين فكرة دفع السلام الإقليمي إلى الأمام". لكن بعد ذلك أفصح الإعلام الصهيوني عن أن هذا الأمير السعودي الذي زارها هو بن سلمان وفي هذا السياق نشرت الصحيفة المتخصصة بالشأن الإسرائيلي "نوغاتارنوبولسكي، والتي تحظى بمصداقية عالية، خبراً خاصاً بها قالت فيه "إن بن سلمان زار إسرائيل سراً دون أن تحدد تاريخ الزيارة" لكنها عندما نشرت هذه الصحيفة خبرها في صحيفة جيروزالم بوست الصهيونية، أوضحت أن الزيارة تمت الأسبوع الماضي.
من جهته كشف موقع صحيفة "ميكور ريشون" الصهيوني، النقاب يوم 10/9/2017 عن أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان هو الذي زار "إسرائيل" الأسبوع الماضي والتقى برئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو. والى ذلك فان موقع (ان ارجي) الصهيوني قال يوم 10/9/2017 "إن الأمير الذي زار إسرائيل سراً هو محمد بن سلمان" موضحاً "إن الزيارة جرت الأسبوع الماضي وكان يرافقه فيها وفد أمريكي رفيع المستوى ويضم مسؤولين أمنيين وعسكريين كباراً إلى جانب وفد سعودي كان من بينهم الضابط المتقاعد أنور عشقي الذي زار الكيان الإسرائيلي علناً في تموز من العام الماضي". وبالعودة إلى صحيفة (ميكور ريشون) الصهيونية، فإن تقريرها الذي أعده معلقها السياسي أرئيل كهانا، اقتبس فيه هذا الأخير من موقع استخباري في دولة الإمارات قوله "إن وفداً امنياً كبيراً ضم شخصيات أمنية واستخبارية رافق بن سلمان في زيارته لتل أبيب" مشيراً إلى أن الجنرال السعودي المتقاعد أنور عشقي كان ضمن أعضاء الوفد، وأشار كهانا إلى أن ضابطاً في جهاز الاستخبارات الإماراتي ابلغ الموقع الإماراتي "IUVMONLINE"بتفاصيل زيارة بن سلمان إلى تل أبيب. يشار إلى أن رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو كان قد وصف يوم الأربعاء 6/9/2017 ، وخلال مشاركته في احتفال رفع الكؤوس احتفالاً بالسنة العبرية الجديدة في مبنى وزارة الخارجية في القدس الغربية.. وصف العلاقات مع الدول العربية بأنها الأفضل وتسجل رقماً قياسياً غير مسبوق في تأريخ هذه العلاقات وقال: "التعاون مع الدول العربية اكبر من أي فترة كانت منذ أقيمت إسرائيل. وما يحدث اليوم مع كتلة الدول العربية لم يحدث مثله في تأريخنا حتى بعد توقيعنا للاتفاقيات، وعملياً التعاون قائم بقوة وبمختلف الإشكال والطرق والأساليب رغم انه لم يصل حتى الآن للخطة العلنية لكن ما يجري من تحت الطاولة يفوق كل ما حدث وجرى في التاريخ"!! ولعل استباق نتياهو لزيارة بن سلمان بهذا التصريح يؤشر إلى أهمية مضمون هذه الزيارة وما ينتظره منها رئيس الوزراء الصهيوني، ما يعني أنها على مستوى من الأهمية والخطورة، التي جعلت الصهاينة بهذا الاستبشار والغبطة، ودفعت ببن سلمان إلى المجيء بنفسه إلى تل أبيب، فماذا حمل بن سلمان إلى الصهاينة ؟ وماذا ينتظر هؤلاء، أي الصهاينة من بن سلمان ؟ للإجابة على هذين السؤالين، نحاول تحليل مهمة بن سلمان إلى الكيان الصهيوني. وفي الحقيقة لم يترشح لا عن المصادر السعودية ولا عن المصادر الصهيونية عن ما دار في هذه الزيارة وما تم خلالها من اتفاقيات، ومن مخططات تم التوقيع عليها والتحرك في ضوئها، لذلك فنحن مضطرون إلى الإشارة إلى بعض المعطيات، التي بدورها تقربنا من معرفة ما جري خلال الزيارة إلى حد كبير، ومن هذه المعطيات ما يلي:
أولا: تأتي هذه الزيارة في وقت يعاني فيه بن سلمان من ظروف داخلية حساسة، فهو يتعرض الى ضغوط داخلية جمة لأنه:
1. يتعرض إلى ضغوط من أكثر أمراء آل سعود، فهؤلاء باتوا يجهرون بمعارضتهم لاستئثار بن سلمان بالسلطة ولصعوده إلى ولاية العهد ولطموحاته الوصول إلى عرش المملكة، واليوم كما تؤشر إلى ذلك وسائل الإعلام بما تنقله من أخبار من البلاط السعودي أن معركة خفية تجري في داخل أروقة هذا البلاط بين بن سلمان والأمراء المخالفين، لدرجة أن زج بن سلمان كما تشير تلك الأخبار بالأمير عبد العزيز بن فهد بن عبد العزيز آل سعود بالسجن عدة أيام، كما أن بن سلمان يفرض على بن نايف إقامة جبرية وعلى أمراء آخرين أيضا والمعركة محتدمة حالياً بين الطرفين سنتابع وقائعها بإذن الله في مناسبة أخرى.
2. بن سلمان يتعرض إلى ضغوط اقتصادية هائلة، ذلك أن ما تنفقه المملكة السعودية حالياً لا يمكن تقدير قيمته العددية لكثرة هذه النفقات وفخامتها، فمن جهة تعهد بن سلمان تحويل مشاريع ترامب الانتخابية التي تعهد بها للناخب الأمريكي، إذ قيل انه تعهد بدفع أكثر من 2 ترليون دولار، دفع منها لحد الآن 480 مليار دولار مكنت ترامب من حل مشكلة البطالة أو خفضها في أكثر من ولاية، يضاف إلى ذلك أن حرب اليمن تكلف النظام السعودي يومياً 200 مليون دولار ، أي ستة مليارات دولار في الشهر، ذلك فضلاً عن الأموال التي يمول بها النظام قطعان الوهابية والنصرة ومن لف لفهما في سوريا والعراق وليبيا وفي لبنان وحتى في اليمن وفي عواصم اوروبا.و.و. ولذلك يقول بعض الضباط بحسب ما ذكره موقع صحيفة ميكور ريشون الصهيونية في تقريرها ليوم 11/9/2017 "فإن بن سلمان اضطر لتسريع وتيرة اعتراف السعودية بإسرائيل من اجل إقناع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بمنح السعودية التي تواجه صعوبات اقتصادية جمة، ضمانات مالية".
3. تفاقم التذمر وعدم الرضا ليس في أوساط المجتمع داخل المملكة وحسب، بل حتى في أوساط المؤسسة الدينية، بدليل الاعتقالات التي طالت عدداً من رموز هذه المؤسسة مثل سلمان العودة، وعوض القرني، وغيرهم كثير، كما نقلت وكالة الأنباء والتقارير والواردة من السعودية، ذلك أن أكثرية الناس في المملكة باتوا يرفضون سياسات بن سلمان، سواء فيما يخص الحرب التي يخوضها ضد الشعب اليمني الشقيق، وما تسببه هذه الحرب من خسائر بشرية ومادية وبشكل يومي، أو فيما يخص التعامل الإجرامي مع المواطنين في اكثر من مكان، إضافة إلى سياساته الداخلية الأخرى والتي باتت تترك بصمات ضغوطها على كاهل المواطن في المملكة، ومنها الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
ثانياً: كما يتعرض النظام السعودي إلى ضغوط داخلية أيضا، باتت تحاصره وتضيّق عليه الخيارات، بل البعض يرى أنها باتت تشكل تهديداً جدياً ليس لمستقبل بن سلمان في الوصول إلى العرش وحسب، وإنما لمستقبل النظام السعودي برمته، ومن هذه الضغوط أو التحديات ما يلي:
1. حصاد النظام السعودي عامة وحصاد بن سلمان خاصة من الفشل بات لا يحتمل، فقد فشل النظام في سوريا، فسوريا اليوم قاب قوسين من الانتصار الكامل على أدوات النظام السعودي وأمريكا والكيان الصهيوني الدواعش وبقية الإرهابيين الوهابيين، والتي ظل النظام السعودي ينفق الأموال الطائلة عليها طيلة الست سنوات الماضية من اجل إسقاط الحكومة السورية !! لخاطر عيون أمريكا والحليف الصهيوني، يضاف إلى ذلك الفشل في العراق باندحار داعش، وأيضا في اليمن، حيث بات الأمريكان والصهاينة يؤكدون أن الانتصار السعودي أصبح من المستحيلات، بل خطر هذه الحرب بات يتهدد النظام السعودي نفسه مستقبلاً. كما أن مشروع النظام في التمدد على حساب قطر هو الآخر انتهى إلى الفشل الذريع، وهو اليوم يعاني من تبعات هذه الأزمة كما هو واضح.
2. يشعر بن سلمان أن تعويله على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليس في محله، فبن سلمان كان يتوقع من ترامب، بعد منحه هذه الأموال الطائلة، انه سيقوم بترجمة أقواله التي توعد بها إيران والرئيس السوري، وترتيب وضع العراق بالشكل الذي ينهي فيه ما يسمونه النفوذ الإيراني وما إلى ذلك من الأمور.. غير أن ترامب ليس لم يفعل شيء بالنسبة إلى الوضع السوري، سوى الصواريخ التي أرسلها إلى مطار الشعيرات، وحسب بل استسلم لوجود الحشد الشعبي الذي كانت السعودية تتطلع إلى تفكيكه من خلال الولايات المتحدة، والى ذلك لم يتدخل ترامب لحسم الأزمة مع قطر لصالح السعودية، وأيضا لحسم الأمور لصالح بن سلمان في اليمن وهكذا.
3. باتت التقارير المتواترة التي تعدها الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية والحقوقية في الدول الغربية والتابعة للأمم المتحدة، حول اليمن، واتهامها للنظام السعودي بارتكاب جرائم حرب بحق المدنيين.. باتت هذه التقارير تشكل ضغوطاً كبيرة ومحرجة على بن سلمان وعلى النظام برمته، ذلك إضافة إلى ضغوط قانون جاستا، حيث تقدم العشرات من اسر ضحايا الحادي عشر من سبتمبر 2001 الأمريكي بشكاوى إلى المحاكم الأمريكية يطالبون بتعويضات مالية، لاتهام تورط النظام السعودي بتلك العمليات التي أودت بحياة أكثر من 3000 من موظفي برجي التجارة العالمية في نيويورك،
كل ذلك يؤشر إلى أن بن سلمان جاء للصهاينة بهدف مساعدته وإنقاذه مما يتعرض له من ضغوطات وتحديات، وأيضا المحافظة على وجود النظام السعودي وانقاذه من السقوط، ولا استبعد أن يكون بن سلمان قد طلب من الصهاينة حسم الأمور لصالح وصوله إلى العرش، على صعيد معركته مع الأمراء، والتدخل لدى الإدارة الأمريكية والمنظمات الدولية لصالح النظام السعودي، ودعم مشروع الاستفتاء في كردستان العراق، والعمل على إشعال حرب بين بغداد واربيل لإنهاك الجيش العراق والحشد الشعبي والعشائري من خلال الأكراد، الذي يساهم النظام السعودي في تسليحهم ودعمهم بالأموال، كما هو حال الكيان الصهيوني، كما لا استبعد قيام بن سلمان بتشجيع العدو على شن حرب ضد لبنان، ضد حزب الله والجيش اللبناني بتمويل ودعم سعودي.. اعتقد أن كل هذه المشاريع كانت حاضرة على طاولة اللقاءات بين المسؤولين الصهاينة وبن سلمان والوفد الأمني والعسكري الذي كان يرافقه.
ولكن ما هو الثمن الذي سيدفعه بن سلمان للصهاينة ؟ اعتقد أن الثمن كبير وكبير جداً ولعل هذه الزيارة نفسها وتسريبها هي جزء من هذا الثمن، فالعدو ما يهمه اليوم هو إعلان التطبيع السعودي ولذلك اعتبر بعض المحللين الصهاينة أن زيارة محمد بن سلمان تفوق بأهميتها الاستراتيجية زيارة الرئيس المصري الهالك محمد انور السادات، فإذا كان الصهاينة نجحوا في تحييد مصر والأردن في الصراع مع العدو، ونجحوا في التطبيع مع الأنظمة، فإنهم يريدون من إعلان التطبيع مع السعودية وبواسطة بن سلمان، تحقيق التطبيع النفسي مع الأمة، فهذا التطبيع بحسب خبرائهم هو الذي يمكنهم من التمدد داخل نسيج المنطقة والاستفادة من ثرواتها وتمكينهم من تمزيقها لأنهم جربوا التطبيع مع الأنظمة، فصحيح مكنهم هذا التطبيع من تصفية القضية الفلسطينية على صعيد تعطيل هذه الأنظمة وتخليها عن فلسطين، لكنهم فشلوا في تصفية هذه القضية في وجدان الأمة الإسلامية، والشعوب العربية خصوصاً، ولذلك باتوا يعتقدون أنهم لا يستطيعون استغلال ثروات الأمة، وحشد طاقاتها في خدمة المشروع الصهيوني إلا من خلال هذا التمدد في نسيجها كما اشرنا، والاندماج في شرائحها والتأثير على عقول أبنائها، وبالتالي أن ذلك لا يتحقق إلا بالتطبيع مع السعودية حاضنة الحرمين الشريفين، وهذا ما يفسر الابتهاج الكبير الذي ساد الأوساط الصهيونية بزيارة محمد بن سلمان إلى تل أبيب.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق