محمد بن سلمان يراهن على الخسارة في اليمن
لا يبدو أن ثلاث سنوات من العدوان السعودي على اليمن كافية حتى يدرك ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، أن حربه في الصحراء والجبال اليمنية عبثية، وأن الاحتكام إلى القوة كبديل عن الحوار ولغة السياسية لن يفضي إلى نتيجة، حيث أكد بن سلمان استمرار الحرب على اليمن لمنع أنصار الله من التحول إلى حزب الله جديد على حدود المملكة.
وفي مقابلة مع وكالة رويترز شدد ولي العهد السعودي على عدم تغير سياسة المملكة تجاه اليمن، وأضاف أن الأزمة الحقيقية بالنسبة إلى السعودية تكمن في الموقع الجغرافي المهم لليمن المطل على باب المندب، مشيرًا إلى أنه في حال حدوث تغيرات في المنطقة فإن ذلك سيجمد 10% من التجارة العالمية.
المفارقة الزمانية في كلام بن سلمان تتمثل في أن تلويحه العسكري باستمرار الحرب يتزامن مع محاولات أممية للحل السياسي، حيث قدم المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، الأربعاء الماضي، مقترحًا لوقف النزاع المسلح في اليمن والتوصل إلى حل سياسي.
ولا يبدو أن بن سلمان أخذ توصيات ولد الشيخ بعين الاعتبار والتي ناشد من خلالها المبعوث الأممي أطراف الأزمة اليمنية ضبط النفس، حيث قال “إننا ننظر حاليًّا في خطوات يمكن أن يتخذها كل طرف لاستعادة الثقة والمضي قدمًا للتوصل إلى تسوية تفاوضية قابلة للاستمرار”.
وتمثلت مطالب ولد الشيخ في ثلاث ركائز، هي: إعادة العمل على وقف العمليات العدائية، وتطبيق تدابير محددة لبناء الثقة من شأنها التخفيف من المعاناة الإنسانية، والعودة إلى طاولة المفاوضات بهدف التوصل إلى اتفاق سلام شامل.
كما تجاهل بن سلمان لغة الحوار التي دعا إليها المبعوث الأممي، حينما قال إن النزاع في اليمن هو في الأساس نزاع سياسي، لذلك لا يمكن حله إلا بالمفاوضات السياسية.
وبالطبع تصريحات بن سلمان العدائية تجاه اليمن ستلعب دورًا سلبيًّا في إطار المناخ السياسي الذي تحاول الأمم المتحدة إحياءه في اليمن، فتصريحاته المستفزة استوجبت ردًّا من حركة أنصار الله، حيث اعتبر الناطق الرسمي لجماعة أنصار الله، محمد عبد السلام، أن النظام السعودي يطمع في استعادة سيطرته على اليمن، مؤكدًا أن تصريحات محمد بن سلمان “أطاحت بكل إدعاءاته السابقة كإعادة الشرعية وسواها من الذرائع الواهية”، ورأى عبد السلام أن “النظام السعودي يطمع بإبقاء الشعب اليمني رهينةً لحكومات مفصّلة تفصيلاً على المقاس السعودي والأمريكي”.
وقال عبد السلام إن استدعاء بن سلمان تجربة حزب الله اللبناني “يجعل النظام السعودي في موقع العدو الإسرائيلي”، مشددًا على أنه “لا تفسير لتعنت النظام السعودي وإصراره على استمرار الحرب سوى تخندقه المطلق إلى جانب إسرائيل”.
ويبدو أن لدى المملكة السعودية مشكلة في التعاطي مع حزب الله كحركة مقاومة، ففي حرب تموز 2006، حرّمت الدعاء لحزب الله في حربه مع العدو الإسرائيلي، وكان ذلك بالطبع قبل تداعيات الأزمة السورية عام 2011، وقبل العدوان السعودي على اليمن 2015.
وقبل قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، وبالتالي الرياض تملك أجندة أمريكية إسرائيلية لاستهداف حركات المقاومة في المنطقة، فبغض النظر عن حزب الله وانتقاد الرياض لعلاقته مع إيران، فإن السعودية وعلى لسان وزير خارجيتها، عادل الجبير، وصفت حماس بالإرهاب، وهي حركة المقاومة الفلسطينية، وللمفارقة جاء هذا التوصيف في الوقت الذي تمر فيه علاقات حماس مع طهران بحالة من الفتور على خلفية المواقف المتباينة من الأزمة السورية.
ومن المستغرب في تصريحات بن سلمان أيضًا استمرار الحرب على اليمن حتى لا يتحول أنصار الله إلى حزب الله، وما لم يتنبه له بن سلمان هنا أن حزب الله مكون أساسي من مكونات المجتمع اللبناني على المستوى الشعبي، ويلقى قبولًا واسعًا لدى شريحة سياسية كبيرة من أحزاب لبنان المتعددة، كما أنه جزء من تركيبة الحكومة اللبنانية، وله أعضاؤه في البرلمان البناني، وبالتالي فكرة استئصاله هي فكرة غير منطقية.
فأنصار الله كحزب الله جزء من النسيج المجتمعي، لا يمكن اقتلاعه من الجذور، فله امتداده الجغرافي والشعبي والقبائلي، كما لا يمكن اقتلاع عقيدته السياسية، فإذا كان حزب الله مخرزًا في عين الإسرائيلية، فإن أنصار الله قالوها بوضوح، بأنهم يريدون استقلال قرار اليمن، وألا يكون قرارهم تابعًا للسعودية ولا لأمريكا ولا لغيرهما من قوى الاستكبار، وبالتالي ليس من حق بن سلمان أن يغضب من تبني أنصار الله لأجندة سياسية معينة، في حين لا يقبل هو من أحد أن ينتقد أفكاره وسياساته التي تكرس من هيمنة الولايات المتحدة على منطقة الخليج والشرق الأوسط.
وإذا كان بن سلمان يبرر عدوانه على اليمن على أساس اتهامته لأنصار الله بالتبعية لإيران، فهو متهم وبالأدلة بالتبعية للولايات المتحدة الراعية الرسمية للكيان الصهيوني في المنطقة الذي يهدف إلى تدمير الدول العربية وتفتيتها.
بقلم : خالد عبدالمنعم
ارسال التعليق