لماذا ينبغي أن يخاف الحكام العرب إذا انتصرت غزة
بقلم: سليم عزوز...
عندما أعلن المدير السابق لمكتب الرئيس مبارك للمعلومات مصطفى الفقي، أن رئيس مصر القادم لا بد أن توافق عليه إسرائيل، كان ينبغي لأهل الحكم أن يقوموا بتوبيخه، لاعتباره شرط الخيانة فيمن يتولى حكم مصر ضمن مسوغات التعيين، لكن مر الإعلان مرور الكرام، لأن الفقي كان يؤدي دورا في مهمة "توريث الحكم"، فلا يعتقد المصريون أن خلافة مبارك من اختصاصهم، فالاختصاص الأصيل منعقد للخارج، وعقدة النكاح بيد إسرائيل، ليكون الإعلان، بطريقة الصدمة، دافعا لمن يقودون الحراك ضد التمديد والتوريث للانصراف بعيدا.
الأمر نفسه يسري على إعلان توفيق عكاشة أنه صاحب اقتراح طرق أبواب إسرائيل ليحصل الانقلاب العسكري على الشرعية الدولية، والحصول على موافقة البيت الأبيض على ما قام به؛ وذلك عندما وجدهم مجتمعين ويجلسون في "حيص بيص" كناية عن الحيرة، فكشف لهم المذكور "سر الخلطة السحرية"، فالطريق إلى قصر الاتحادية لا بد أن يمر عبر تل أبيب!
ولا يخفى على لبيب تهافت هذه السردية؛ ذلك بأن العلاقات المصرية الإسرائيلية انتقلت في عهد الرئيس محمد مرسي من الرئاسة الى قائد الجيش، وأن ملف سيناء كله والتنسيق الأمني بين البلدين كان من اختصاصه، وقد رشحت أنباء عن لقاءات جمعت بين الجنرال عبد الفتاح السيسي وقيادات أمنية إسرائيلية في هذه الفترة، فلم تكن إسرائيل بعيدة عن القوم، ولم يكونوا بحاجة إلى أن يقدح عكاشة زناد رأيه وينخل مخزون فكره ليصل الى هذا الاقتراح العبقري، لفك الحصار الدولي على الانقلاب العسكري، فيقول لهم: "الطريق من هنا"، وهنا هو الطريق المؤدي إلى الدولة الإسرائيلية!
ومع أن ما قاله عكاشة كان ينبغي أن يعاقب عليه، لأن المجالس أمانات، ولأن جلسة على هذا المستوى لا ينبغي أن يتم تسريب ما دار فيها، وليس له أن يرتب أنه فلتة العصر، بينما القوم بمن فيهم "كليم الله" ينتظرون اقتراحه بشغف بالغ، فيكون عكاشة هو "ألفة الجلسة"، و"المفكر الضرورة" الذي تفتق ذهنه عن المقترح، وهو يهتف: وجدتها.. وجدتها!
عندما يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مقابلة مع "سي إن إن": إذا لم تنتصر في حرب غزة فإن التهديد سيطال المنطقة بأكملها"، فهو يعني ما يقول، وتسري عليه مقولة "صدقك وهو كذوب"!
ولم يُعنف مصطفى الفقي، كما لم يُعنف توفيق عكاشة، لأن ما قالاه مطلوبا، للإيعاز بأن هناك قوة قاهرة هي من تصطفي وتختار، ومن بيده عقدة الأمر في اختيار من يحكم مصر، وربما من يحكم العواصم العربية الأخرى، هي إسرائيل، عندئذ يترك الشعب الملك لأصحاب القسمة والنصيب!
فلا يخفى على لبيب أننا ومنذ سنوات بعيدة يستقوي أهل الحكم علينا بإسرائيل، فمن يملك جواز المرور إليها؟ وفي لحظة تماهي عكاشة مع رسالته، دعا السفير الإسرائيلي في القاهرة إلى منزله؛ يستقوي به في مواجهة أهل الحكم في معركته لرئاسة البرلمان، فكان لا بد من التحرك سريعا لتصل الرسالة بأن هذا "الاستقواء" ليس على المشاع، وأن الحاكم وحده هو صاحب "التوكيل" في المنطقة، ولهذا كان الرد عليه قويا فتم فصله من البرلمان، وإغلاق قناته، ومنعه من التقديم التلفزيوني، ولم يُبقوا له من قيمة، فحتى ادعاؤه بأنه حصل على الدكتوراة نسفوه، فلم تأخذهم به رحمة!
صدقك وهو كذوب:
وعندما يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مقابلة مع "سي إن إن": إذا لم تنتصر في حرب غزة فإن التهديد سيطال المنطقة بأكملها"، فهو يعني ما يقول، وتسري عليه مقولة "صدقك وهو كذوب"!
فإسرائيل ليست مجرد مستوطنة غربية، أنشئت بالأساس في منطقتنا بالذات لتؤدي خدمات لوجستية للاستعمار القديم، وإن صارت بالنسبة للغرب مثل إله العجوة الذي صنعه صاحبه بيده ثم عبده قبل أن يتولى ويأكله، فهي مستوطنة تؤدي مهمة، وفي المقابل تبدو أنها صاحبة نفوذ على قصور الحكم في أمريكا والعواصم الغربية، نظرا للنفوذ الصهيوني الموالي لها في هذه العواصم!
وقد شقينا بإسرائيل في الشدة شقاءنا بها في الرخاء، وفي الحرب والسلام، فعندما كان "الحاكم الضرورة" يناصبها العداء، ويخوض ضدها حربا كلامية، والحال كذلك، فقد تنازل الشعب عن كثير من حقوقه من أجل بناء جيش قوي يواجه إسرائيل، وكُممت الأفواه تحت عنوان "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، فلا أحد يتحدث عن صفقات التسليح، والبطون الجائعة أولى بما ينفق فيها، ولا أحد يمكنه أن يطالب بحريته لأن الحاكم في معركة مع إسرائيل، وعندما يهزم هزيمة نكراء، يكون الخروج الجماعي للشوارع يطالبونه بعدم التنحي، فهم لا يعرفون أحدا غيره، وبالتالي فليس هناك من سيأخذ لهم بالثأر في المرة القادمة إلا هو!
وهكذا تخلى الشعب عن كرامته مرتين؛ الأولى بالهزيمة، والثانية عندما جدد ثقته في القيادة المهزومة. والمجتمعات الحرة هي من تحاكم المهزوم لا أن تكرمه، لأن الإمساك فيه كان لتصور أنه قادر على أن يستجمع قواه وينتصر على هذا العدو الغاشم، فأي ضرر ألحقه وجود إسرائيل بالكرامة الوطنية؟!
ومنذ أن هرول الرئيس السادات إلى الكنيست، ووقع اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل، والأمر أخذ منحى آخر، فالحاكم هنا يستقوي بإسرائيل، وإن لم تظهر نظرية إن عزل النظام القائم واختيار الحاكم الجديد من اختصاص الكيان الصهيوني إلا في وقت لاحق!
ولم يخطئ نتنياهو -على كثرة أخطائه- وهو يؤكد أن هزيمة إسرائيل في غزة سيترتب عليها خطر يلحق بالمنطقة بأكملها، لأنه بهزيمة إسرائيل سيخسر كثير من حكام المنطقة جبهة للاستقواء بها على الشعوب المغلوب على أمرها، ولأنها ستكون هزيمة للجيش الذي لا يقهر (بحسب الدعاية الصهيونية والرسمية العربية)، على يد مقاومة ليست جيشا نظاميا، فسيترتب عليها الاستخفاف بالقدرة غير المحدودة للجيوش النظامية، وهي مصدر آخر من مصادر استقواء السلطة في كثير من العواصم العربية!
إن المنطقة لم تتوقف عن التسليح المبالغ فيه للجيوش بعد السلام، وجانب من هذه الصفقات هي "عربون محبة"، وشراء لذمم مسؤولين في بلاد الفرنجة، ويوجد بين ظهرانينا من لا يزالون يعتقدون أن السلام ليس حقيقيا وأن على الجيوش أن تتسلح لمعركة قادمة، فدائما وجود إسرائيل يبرر هذا الإنفاق المبالغ فيه. وهذه التصورات هي حالة نفسية لعدم القدرة على استيعاب الواقع الأليم، فيكون التحليق في خيال مصنوع بيد "الحالم"؛ صناعة الكافر القديم لإلهه بيده ليعبده في الضراء ويأكله حين البائس!
هيبة الجيوش النظامية:
إن الهزيمة لجيش نظامي على يد مسلحين ستهز هيبة الجيوش النظامية في عيون الناشئة، وهذا مما يلحق الضرر بمكانة أنظمة تحكم باعتبارها جاءت بإرادة إسرائيلية، وبحماية من الجيوش، فمن يقدر على المواجهة؟!
ويدرك نتنياهو هذه الحقيقة، فجيشه لم يهزمه جيش نظامي من جيوش المنطقة هذه المرة، وإسرائيل ستفقد نفوذها الافتراضي الذي هو من صناعة المروجين للوهم، فماذا بقي لأنظمة الاستبداد في المنطقة من سبل حماية إذا أرادت الشعوب الحياة؟!
إن العسكر استولوا على الحكم بسبب النكبة في 1948، ويقول أحد المؤرخين في وصف ما جرى إنه بعد خيانة السلطة للجيوش بالأسلحة الفاسدة أيقن عبد الناصر أن الحرب ليست هنا "في الفالوجة"، ولكن هناك في "القاهرة". ليتم الانقلاب على الحكم لمواجهة إسرائيل، ويعلم الكافة كيف كانت المواجهة عندما وسد الأمر اليه!
إن حرب غزة لها ما بعدها، فقد صدق نتنياهو وهو كذوب!
ارسال التعليق