ست سنوات مرّت على رؤية ابن سلمان: الوقائع لا تُبشّر بالخير
تتزامن الذكرى السادسة لإطلاق “رؤية 2030” مع انتشار أخبارٍ بشكلٍ واسع عن تقليص محمد بن سلمان لطموحاته وتوقعاته بشأن عددٍ من المشاريع أبرزها “نيوم”، بالإضافة إلى بحثه المستجدّ عن مساهمين في تمويل هذه المشاريع.
بحسب مقالٍ في صحيفة “وول ستريت جورنال” نُشِر في فبراير/شباط المنصرم، فقد بدأت السعودية الاقتراض بهدف المساعدة في تمويل مشروع مدينة “نيوم” وغيرها من مشاريع “رؤية 2030”. وبحسب تقريرٍ نشرته وكالة “بلومبرغ” مؤخراً فقد غيّرت السعودية الجدول الزمني الخاص بمشروع “نيوم”، بالإضافة إلى تقليص أهدافها وتوقعاتها لعدد الأشخاص المفترض أن يستوعبهم المشروع.
على الصعيد الرسمي كان وزير المالية محمد الجدعان قد تحدّث عن تأجيل عدد من مشاريع “رؤية 2030” دون تحديد أي من هذه المشاريع سيتأثر بهذا التأجيل، وعزا الجدعان ذلك إلى عجز الميزانية المتوقّع حتى العام 2026، بالإضافة إلى حجم الاقتراض الذي أقرّته الحكومة.
لا شيء في الأفق يوحي بتحقيق مشاريع محمد بن سلمان الخيالية في الوقت المحدّد لتسليمها سابقاً، ويبدو أن الهدر المالي قد بلغ حداً كبيراً وخطيراً. ماذا عن بقية أهداف “رؤية 2030″؟
عند الاطّلاع على أهداف رؤية محمد بن سلمان، تبرز أمامك العناوين الكبيرة البرّاقة على غرار: الاعتزاز بالهوية الوطنية، مجتمع حيوي، الاهتمام بالأُسرة، تنمية الفرص وودعم المنشآت، تخفيض البطالة… وغيرها من الأهداف والمبادئ. فكيف هو الحال بعد انقضاء نصف المدة الزمنية على إطلاق هذه الرؤية المرتبطة ببلوغ العام 2030؟
شهدت الأعوام التي تلَت إطلاق “رؤية 2030” حملات تهجير قسري واسعة في عدد كبير من الأحياء والمناطق. وقد تخلّل هذه العمليات انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان أبرزها استخدام العنف المفرط الذي أدى لسقوط عدد من الشهداء في مناطق مختلفة، وعدم تقديم تعويضات كافية، وعدم إبلاغ الناس بشكلٍ رسمي بقرار الإخلاء قبل مدة كافية من الزمن.
وقد أقدمت السلطات السعودية على هدم أحياء وشوارع بكاملها مع ما تحتضنه هذه الأحياء من مبانٍ أثرية ومساجد ورموز تمثّل هوية المناطق، وهذا أدى إلى خسارة عددٍ ليس بالقليل من المباني الأثرية والتراثية، بالإضافة إلى التأثير المباشر على هوية المناطق وتاريخها.
خلال السنوات الست الأخير عانى آلاف المواطنين من عدم وجود فرصة عملٍ مناسبة، ما انعكس سلباً على وضعهم المعيشي وقدرتهم الشرائية. وقد أثّرت البطالة بشكلٍ مباشرٍ على خرّيجي الجامعات الذين يجهدون دون جدوى للعثور على وظيفةٍ أو عملٍ مناسب بعد سنواتٍ من الدراسة.
كما تُعدّ منافسة اليد الأجنبية مشكلةً مساهمةً في تفاقم أزمة البطالة، لا سيّما مع عدم تنظيم سوق العمل بشكلٍ يضمن مصلحة المواطنين وحقهم في العمل في بلدهم.
إنّ الحكومة السعودية حتى اليوم تُنكِر وجود أزمة بطالةٍ حقيقية، وتُصرّ على إصدار معدلاتٍ غير واقعية، في وقتٍ بلغت فيه تأثيرات البطالة حداً خطيراً.
بحسب الإسكوا، فإن السعودية تسجّل أعلى نسبة فقر بين دول الخليج في وقتٍ يعاني واحد من كل سبعة مواطنين من الفقر.
منذ عدة سنوات، استفحلت أزمة التضخم الاقتصادي وغلاء الأسعار على اختلاف المواد، ولم تطلق الحكومة أية خطة واقعية لإنقاذ المواطن من تداعيات هذه الأزمة، بل على العكس ترافق ارتفاع أسعار المواد والخدمات مع رفع قيمة الضرائب وعدم الوفاء بوعود تخفيضها إلى قيمتها السابقة.
لقد أثّر ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكلٍ كبيرٍ على أصحاب الدخل المتوسط والمنخفض، لا سيّما مع بقاء الرواتب على حالها على الرغم من التأثير الكبير للتضخم الاقتصادي على حياة المواطنين وقدرتهم الشرائية ووضعهم المعيشي. جديرٌ بالذكر أن المواطنين عانوا حتى قبل التضخم الاقتصادي من ضعف القدرة الشرائية لرواتبهم.
إرتفاع الأسعار مؤخراً طال كل شيء تقريباً، فتأثرت أسعار المحروقات وخدمات الاتصالات وإيجارات المنازل والشقق، ما زاد الأعباء على كاهل المواطن.
لعلّ أبرز القضايا التي هزّت العالم وشكّلت قضية رأي عام خلال هذه السنوات كانت قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي، ومثّلت هذه القضية جريمة بحق الصحافة جمعاء وبحق حرية الرأي والتعبير.
وليس قضية خاشقجي الوحيدة، فقد واصلت السلطة السعودية سياسة القمع بحق المواطنين بشكلٍ عام، وبحق الصحافيين والناشطين ووسائل الإعلام بشكلٍ خاص.
تحتجز السلطات السعودية في سجونها المئات من معتقلي الرأي من الرجال والنساء والشبّان والأطفال. وهذا يحرم المئات من الأطفال من آبائهم أو أمهاتهم، ومئات العوائل من ذويهم.
وتقضي هذه العائلات شهر رمضان والأعياد والمناسبات مفتقدةً أحد أفرادها، بينما تصرّ السلطات السعودية على احتجاز معتقلي الرأي وحرمانهم من عائلاتهم دون مبررٍ قانوني.
لا يمكن الحديث عن كل الأحداث والأزمات التي شهدتها السنوات الست التي خلَت، لكن ما يمكن قوله أن ما حصل خلال هذه السنوات يشير إلى نهايةٍ واحدة: فشل رؤية 2030.
ولعلّنا كمواطنين لم نتمنّ أن تفشل هذه الرؤية، بل على العكس كنا نأمل أن تنجح وأن تتحققّ كامل أهدافها، لكنّنا نشير إلى احتمالية فشلها ليس فرحاً بهذا الفشل، إنما تأكيداً لفكرة أن السلطة السعودية لديها هدف واحد ليس إلا، وهو تبييض صورتها وغسل سمعتها والحفاظ على الحكم.
ارسال التعليق