السعودية تعتبر نفسها الوصي على مكة والمدينة
اتهمت السعودية قطر بإعلانها الحرب عليها بعد مطالب الدوحة بتدويل الحج، وإخضاع مكة والمدينة للإشراف الدولي، بينما تنفي الدوحة قيامها بمثل هذا السلوك، حيث أعلنت قطر أن الرياض امتنعت عن التواصل معها لتأمين سلامة الحجاج، وأعربت عن أسفها “لإقحام أمور السياسة” في أداء الحج، وفسرت الدول المقاطعة للدوحة التصريحات القطرية على أنها دعوة إلى “تدويل” الملف. وكانت السعودية سمحت للقطريين بأداء الحج وفق شروط، ولكن ذلك لم يمنع السعوديين من الرد بقسوة على هذه الفكرة ووصفها بأنها إعلان للحرب.
مصطلح تدويل يعني أن يصبح الشيء دوليًّا لا محليًّا بالمفهوم القانوني، حيث طالبت عدة أصوات بتدويل الحرمين الشريفين، خاصة بعد حادثة التدافع التي أدت إلى وفاة العشرات من الحجاج، كما أن المملكة هي المتحكم في أعدد الحجاج المسموح لهم بالحج من كل دولة وباستطاعتها منع أي شخص من أداء العمرة أو الحج إذا أرادت ذلك.
كما أن السعودية هي المسؤولة عن تنظيم شؤون الحج وتسييره وتنظيم منطقة الحج بأسرها، وفي حال تدويل الحرمين الشريفين فإن إدارة هذه المنطقة وتنظيم شؤونها سيكونان مشتركين بين عدة دول، وهذا ما يقصد به من كلمة تدويل، حيث ستخضع هذه المنطقة للقانون الدولي، وتخرج عن سيطرة القانون المحلي للمملكة العربية السعودية.
يعد ذلك أحد أخر أبرز التوترات التي لا تزال قائمة بين السعوديين والقطريين منذ 5 يونيو الماضي، ولكن الرد السعودي بشأن هذه الادعاءات يستحق التحليل، حيث رفض الرياض القاطع بتدويل الحرمين الشريفين.
أولاً تستمد السعودية سيادتها الدولية وكذلك المحلية لوجود الحرمين الشريفين بها، وهو الأمر الذي يمنحها القوة الناعمة في المجتمع والأمة الإسلامية.
ومن خلال البحث بعمق في التاريخ السياسي للسعودية، يمكن معرفة أن البلاد يحكمها كل من آل سعود وشيوخ الوهابية، واللذين تعاونا سويًّا منذ مئات السنين، ولكنهما ظهرا بشكل قوي بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وقاما بتوحيد شبه الجزيرة العربية.
ظهر الكيان السياسي الحديث الذي أطلق على نفسه المملكة العربية السعودية، أو بعبارة أخرى جزء من الجزيرة العربية تحت سيطرة عائلة آل سعود، وقد وحدوا هذه المنطقة من خلال الغزوات المسلحة، بداية من جبال الحجاز في الساحل الغربي ووصولاً إلى صحراء نجد، مما يعتبره البعض احتلالاً.
دمج آل سعود بالتعاون مع الوهابية الحجاز قسرًا، بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، والتي كانت تشرف في السابق على الحرمين الشريفين تحت مسمى الخلافة العثمانية، أما الآن فيخضع المسجدان لسيطرة السعوديين الكاملة، وغالبًا ما يقدم ولي العهد السعودي نفسه على أنه خادم الحرمين.
ومع وضع كل ذلك في الاعتبار، ترفض السعودية بشكل قاطع التشكيك في شرعيتها الدولية في سيطرتها على هذين الموقعين، وبالتالي تعتبر مثل هذه التصريحات تهديدًا لوجودها وسياستها، وترى أنها بمثابة إعلان للحرب، كما أنها مرارًا وتكرارًا تتهم إيران برغبتها في السيطرة الدولية على الأراضي المقدسة، سواء لضمان حماية الحجاج أو عدم تسييس الحج مثلما حدث في السابق، وهذا يتناقض مع المطالب السعودية الضمنية بأن تكون زعيمة الأمة بحكم مسؤوليتها تجاه هذين الموقعين.
بقلم : ريهام التهامي
ارسال التعليق