إنسحاب قطر من مجلس التعاون؛ الأرضيات والمصالح والتهديدات
هل ستخرج قطر من مجلس التعاون؟ هذا سؤال تم طرحه في السنوات الأخيرة بعد الخلاف واسع النطاق الذي حدث بين دول هذا مجلس، وخاصةً بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة وقطر من جهة أخری.
الإختلافات في الرأي والمصالح العميقة أحيانًا بين أعضاء مجلس التعاون، لم تعكس بأي حال من الأحوال تحالفًا إقليميًا ناجحًا، مما دفع المراقبين إلى اعتبار الفلسفة الوجودية لهذه المنظمة الاقليمية منتهيةً، وبقاءها يعتمد على المتغيرات والمتطلبات الخارجية وليست الداخلية.
في غضون ذلك، تمتلك قطر الإمكانية الأكبر لدق ناقوس الخطر لمغادرة الأعضاء. على سبيل المثال، كان نائب رئيس الوزراء القطري "عبد الله بن حمد العطية" أول مسؤول رفيع المستوى في المنطقة تحدَّث عن انتهاء عمل مجلس التعاون، بعد شهر من بدء الأزمة.
ولذلك، في ديسمبر 2018، عندما أعلنت قطر عن نيتها مغادرة أوبك في 2019، دفعت موجة التخمينات وزير الخارجية القطري إلى اتخاذ موقف رسمي لإنهاء الشائعات حول احتمال خروج الدوحة من مجلس التعاون.
ومع ذلك، في الأيام الأخيرة، انتشر في وسائل الإعلام العربية أنباء عن جهود الكويت المتجددة لتعزيز الوساطة في أزمة مقاطعة قطر في وسائل الإعلام العربية من قبل الأعضاء الثلاثة الآخرين في المجلس، وفي المقابل طلب الدوحة إعادة تنظيم مجلس التعاون "بعد أن فقد أسنانه".
يُظهر تقديم هذا الطلب أن نوافذ الأمل التي ظهرت خاصةً بعد حضور منتخب السعودية والإمارات لكرة القدم في كأس الخليج في قطر، وتحدثت عن إمكانية حل الأزمة وإعادة العلاقات إلى سابق عهدها لم تكن واقعيةً، ولا يمكن لمجلس التعاون أن يواصل عمله بالهيكل الحالي.
قد تسعی قطر لمجموعة متنوعة من الأهداف من وراء تقديم هذا الطلب، وتمهيد الطريق للانسحاب هو أحد السيناريوهات المحتملة. ولكن ما الفوائد التي سيجلبها مجلس التعاون لقطر؟
من ناحية أخرى، ما هي العوامل التي ستمنع قطر من كسر تحالفها الممتد لـ 40 عامًا مع جيرانها الذين يجلبون لها المتاعب؟ کذلك، ما هي أفضل طريقة لقطر للتعامل مع مصالح وتهديدات البقاء أو المغادرة؟
من المؤكد أن عضوية الدول في المنظمات والتحالفات الإقليمية والدولية، تقوم على المصالح الوطنية والمبادئ والأهداف الاستراتيجية للسياسة الخارجية. ومع ذلك، فإن وضع العلاقات في إطار لغز الأمن يجعل التوتر في العلاقات دائمًا في مستوى يضعف الاتجاهات المتقاربة.
في هذه الأثناء، فإن المسار غير المتناسب وغير المتوازي لسياسة قطر الخارجية والخطوط السياسية لمجلس التعاون، والتي استندت إلى حد كبير إلى إملاءات السعودية بما يتماشى مع سياسات الولايات المتحدة الإقليمية، کان واضحًا تمامًا في السنوات الأخيرة.
السياسات المختلفة مع السعودية والإمارات في تطورات العالم العربي، والأيديولوجيا القطرية المختلفة في دعم الإخوان المسلمين، والميل إلى تحسين العلاقات مع إيران، والنزاعات الحدودية والخوف من الهيمنة السعودية، کلها عوامل دفعت الدوحة إلى العمل خارج إطار مجلس التعاون في العديد من القضايا والملفات، وحتى العمل في تناقض مع السياسات التي أعلنها هذا المجلس.
في الواقع، يمكن الادعاء بأن سياسات مجلس التعاون، وخاصةً فيما يتعلق بقضايا الأمن الإقليمي، كانت تشكل بحد ذاتها تهديدًا للدوحة، أکثر من کونها تخدم المصالح السياسية والأمنية لقطر.
من ناحية أخرى، لم تتمكن العضوية في مجلس التعاون لأربعة عقود، من حل النزاعات بين الأعضاء أو الحد منها. بحيث في عام 1992، وبعد أن علقت قطر اتفاقها الحدودي لعام 1965، استولت السعودية على نقطة حدودية قطرية، ونتيجةً للاشتباك العسكري بين الطرفين قتل شخصان. وفي حالة أخرى، استدعت الرياض سفيرها عام 2002 بسبب تقارير الجزيرة الناقدة.
كما أن استدعاء سفراء السعودية والإمارات والبحرين من الدوحة عام 2014، أدى أيضًا إلى أزمة استمرت ثمانية أشهر في العلاقات بين قطر والدول الثلاث. والآن أيضاً، وفي أكثر الأزمات غير المسبوقة في مجلس التعاون، مرت ثلاث سنوات منذ الحظر المفروض على قطر من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر.
ومن الناحية الاقتصادية، أولاً أدى اقتصاد المنتج الواحد القائم على مبيعات النفط والغاز، إلى جعل قطر والدول الأعضاء في مجلس التعاون بشكل عام تقيم علاقات تجارية واقتصادية أوثق مع العالم الخارجي أكثر من بعضها مع بعض؛ وثانياً، عزز استخدام الشراكات الاقتصادية كأدوات وعوامل ضغط، وجهة النظر القائلة بالحد من الاعتماد المتبادل والتقارب الاقتصادي بين الأعضاء.
على سبيل المثال، قبل المقاطعة کانت قطر تستورد سلعاً بقيمة 5 مليارات دولار من السعودية والإمارات، أي حوالي 15 في المائة من وارداتها، ولكن بعد المقاطعة اتخذت قطر مبادرات بما في ذلك جذب الاستثمار الأجنبي، تطوير الصناعات المحلية وتوسيع التجارة مع الشركاء خارج الخليج الفارسي(وخاصةً مع الدول الآسيوية الكبرى).
سعت قطر أيضًا إلى معالجة التهديدات الأمنية المحتملة في المستقبل، من خلال إبرام اتفاقية أمنية مع تركيا، بالإضافة إلى شراء أسلحة كبيرة من الحكومات الغربية(والذي يعتبر دعمًا عسكريًا وقت الشراء).
وبهذا، فإن ثقة الدوحة المتزايدة في القدرة على التغلب بشکل ناجح على تحدي العقوبات التي يفرضها الأعضاء الآخرون لمدة ثلاث سنوات، وتقليل اعتمادها على مجلس التعاون، يمكن أن تكون ورقة قطر الرابحة للتأكيد على ضرورة مراجعة هيكل مجلس التعاون، بناءً على إنهاء الهيمنة السعودية والنظر في مصالح الأعضاء الأصغر في سياساته الجديدة.
تدرك قطر أنه في حين أن المشاركة في هذا المجلس باتت شکليةً والمجلس في غيبوبة فعلية، فإن مجلس التعاون لا يسعى لتحقيق مصالح هذا البلد في الوحدة الجماعية، ولكن ترك المجلس أو إجراء تغييرات جذرية فيه يضر بمصالح السعودية، التي استخدمت مجلس التعاون لإضفاء الشرعية على سياساتها في المنطقة.
بطبيعة الحال، إن أهم عامل رادع بالنسبة لهذا الإجراء القطري سيكون معارضة واشنطن. بحيث أنه على مدى العقود الأربعة الماضية، تصرَّف مجلس التعاون بما يتماشى مع المصالح الإقليمية للولايات المتحدة، ولعبت الولايات المتحدة دورًا رئيسيًا في تقديم الدعم السياسي والأمني لمشيخات الخليج الفارسي في مواجهة التهديدات. وليس من قبيل المبالغة القول إن الولايات المتحدة قد منعت لسنوات انهيار مجلس التعاون.
لكن هذا العامل أيضاً قد ضعف في سنوات حكم ترامب علی البيت الأبيض. أولاً، البيت الأبيض وبدعمه الأولي للدول التي فرضت عقوبات بسبب إدانة قطر بدعم الإرهاب وضرورة قطع العلاقات مع طهران، أقلق الدوحة من الاعتماد فقط على التحالف الأمني مع الولايات المتحدة.
من ناحية أخرى، أظهر البيت الأبيض، في أعقاب تصاعد التوترات في منطقة الخليج بعد فرض عقوبات نفطية على إيران، أنه ليس على استعداد للدخول في مواجهة عسکرية مباشرة لدعم حلفائه، ويجب على هذه الدول أن تحاول حل مشاكلها الأمنية بطريقة أخرى، ويمكن مشاهدة هذا الاستدلال في القرار الذي اتخذته الإمارات بسحب قواتها من اليمن، وبدء محادثات مع إيران بشأن التوترات في الخليج.
ولذلك، وفقاً لما تقدَّم يمكن الإقرار بأنه علی الرغم من أن الدوحة قد لا تكون في عجلة من أمرها لمغادرة مجلس التعاون، ولكن عبر دعوتها لضرورة المراجعة في هيكل هذا المجلس، وفي الواقع بينما تكرر رفضها لمطالب الدول التي تفرض العقوبات لحل الأزمة في عملية الوساطة الكويتية، تعلن الخروج من موقع الدفاع إلى مرحلة الاستعداد لتهديد مصالح السعودية والإمارات في مجلس التعاون.
ارسال التعليق