#الذباب_الإلكتروني السعودي: جيش الحكومة العاجز
ليس غريباً على الدولة التي تحتلّ المرتبة الأولى عربياً في استخدام “تويتر”، أن تُظهِر تمسّكاً بحصّتها وأسهمها فيه، فهي صاحبة أكبر حصة في “تويتر” بعد مالكه الجديد إيلون ماسك، ولم تكن مثيرةً للاستغراب المعلومات التي تسرّبت حول خلافٍ عميق بين ماسك ومحمد بن سلمان، ومحاولات الأخير لإيقاف صفقة شراء ماسك لتويتر منذ ما يقرب من سنة.
ماسك كان قد أعلن بوضوح نيّته محاربة الحسابات الزائفة والبوتات الإلكترونية، وهذا ما يؤثّر بشكلٍ بالغ على مصالح السعودية ومسار عملها إلكترونياً؛ إذ كان أحد تقارير صحيفة “نيويورك تايمز” قد أكّد تجنيد السعودية لآلاف الحسابات، بهدف مضايقة المعارضين والترويج للخط الذي يرسمه النظام السعودي. وهذا ما يبرر استياء السعودية، وإصرارها على الحفاظ على أسهمها، فـ”تويتر” يعدّ المنصة التي تتيح لها الفرصة السهلة والدائمة للترويج للعائلة الحاكمة ومهاجمة المعارضين بشراسة.
ما تقوم به الحكومة السعودية في منصة “تويتر” ليس حركةً عشوائية ولا مبادراتٍ عفوية، بل خطة محكمة مرسومة الأهداف، خطة جنّدت في سبيلها جيشها الذي بات يُعرَفُ عالمياً بالذباب الإلكتروني.
ظهَر الذباب الإلكتروني بكثافة منتصف العام 2017، بالتزامن مع تولّي محمد بن سلمان مهام ولي العهد، ونشطَ في فتراتٍ عديدة أبرزها فترة الأزمة مع دولة قطر وبعدها أزمة مقتل الصحافي جمال خاشقجي، وقد كانت هذه الحسابات تُهاجم خاشقجي قبل مقتله، بعد نشره آراءً ينتقد فيها بن سلمان، وبعد مقتله نشطَ الذباب الإلكتروني لتنفيذ عدة أهداف أبرزها تصوير خاشقجي كخائن للسعودية، تسخيف قضية الإختفاء، الترويج لحرص الحكومة السعودية على سلامة مواطنيها، مهاجمة خطيبة خاشقجي والمعارضين بشكلٍ عام. وقد أعلنت شركة “تويتر” حينها إيقاف شبكة تضمّ عدداً كبيراً من الروبوتات الإكترونية التي تدافع عن السعودية في قضية مقتل خاشقجي، وهذا بعد أن قدّمت شبكة NBC الأميركية دلائل جمعها أحد الباحثين.
وقد كشف معهد “بروكنجز” الأميركي للدراسات كيفية عمل الذباب الإلكتروني السعودي، مشيراً إلى أنه يستخدم أدواتٍ عديدة لزيادة تأثيره في وسائل التواصل، ومنها إنشاء مواقع إخبارية مزيفة، وحسابات وهمية لصحافيين أو معارضين مزيّفين، وغيرها من الطرق.
وأشار التقرير إلى أن المنصات الكبيرة مثل “تويتر” و”يوتيوب” و”إنستغرام” هي البيئة الخصبة للذباب الإلكتروني السعودي، موضحاً أنه يستخدمها لنشر الرسائل السياسية للتأثير على النخبة والتلاعب والتأثير بأعدادٍ كبيرة من المواطنين.
كما كشف تقرير المعهد أن الذباب الإلكتروني يحدّد قوائم يومية بأسماء الأشخاص والحسابات الذين ستتم مهاجمتهم، وذكر المعهد أنهم يتلقّون المحتوى الذي يدعم النظام ويمدح الحكومة لنشره بكثافة في مختلف المنصات.
هذا وذكر تحقيقٌ صحافي سابق أن الذباب الإلكتروني يضم ثلاث فئات هم:
أشخاص فاعلون في المجتمع أو السلطة كالصحافيين أو المسؤولين، وينشرون بأسمائهم الحقيقية
أشخاص حقيقيون كالموظفين في السلطة لكن يظهرون بأسماء وهمية
حسابات وهميّة تعتمد خوارزميات تنشأ عبر البرامج
وأكّد التحقيق أن هذه الحسابات الوهمية قادرة على نشر تغريدات غير حقيقية تقدر بـ 150 ألف تغريدة يومياً تصدر من السعودية، وهي حسابات وهمية بصور حقيقية، وأسماء تعود لعائلات سعودية معروفة.
ويمكن تلخيص أهداف الذباب الإلكتروني بـ:
مهاجمة المعارضين والناشطين بشراسة
محاولة تكذيب الحقائق التي تُنشَر عن الحكومة السعودية
تهديد وتخويف المعارضين والناشطين
تشويه صورة الناشطين ومعتقلي الرأي
التشويش على المعلومات الحقيقية
الترويج لإنجازات وهمية للعائلة الحاكمة
تبييض صورة العائلة الحاكمة
إظهار الواقع في السعودية بصورة مغايرة للحقيقة
وينفّذ الذباب الإلكتروني أهدافه هذه عبر استهداف أسماء وحسابات محددة في تويتر، وتحديد الوسوم التي يجب نشرها بشكل واسع وكبير، بالإضافة إلى نشر تغريدات تدعم العائلة الحاكمة وولي العهد، وإعادة تغريدها بشكل واسع، كما يقوم هؤلاء بالتعليق على تغريدات المعارضين والمنتقدين وتوجيه الشتائم والإهانات والتهديدات لهم.
إنّ فضائح الحكومة السعودية الإلكترونية لا تقتصر على الذباب الذي يجنّده، فأخبار تورّط السعودية بجرائم تجسسٍ غير مشروع جعلت سجلّها أكثر سواداً. هذه المحاولات كلها تستغلها السعودية حتى آخر قطرة في سبيل سحق المعارضين وتبييض صورتها في الداخل والخارج، فبحسب دراسة تعود لجامعة “أوكسفورد”، السعودية هي بين سبع دول شاركت في حملات التضليل الإعلامي، وحاولت التأثير على الرأي العام خارج حدودها.
ارسال التعليق