علاقات لبنان ودول الخليج متأرجحة بين التقارب والقطيعة
استعرضت دراسة بحثية ما تتميز به علاقات لبنان ودول الخليج العربية بأنها متأرجحة بين التقارب والقطيعة وسط توترات تتصاعد وتتراجع على مدار سنوات.
وقال البيت الخليجي للدراسات والنشر إن العلاقات بين دول الخليج العربية ولبنان لطالما تميزت بخصوصية استثنائية، قائمة على الترابط التاريخي والثقافي والاقتصادي. فقد شكل لبنان بوابة ثقافية للعالم العربي، ووجهة سياحية مرغوبة، وملاذاً للاستثمارات الخليجية. لكن شهدت هذه العلاقات تقلبات وتوترات في السنوات الأخيرة، تثير تساؤلات حول مستقبلها.
وإلى جانب البعد الثقافي المتمثل في الأدب والموسيقى والفن والإعلام، يعتبر التشابك الاقتصادي والتجاري بين لبنان ودول الخليج من أهم عوامل هذا الترابط، فقد لعبت دول الخليج دورًا هامًا في دعم الاقتصاد اللبناني، خاصة بعد الحرب الأهلية التي استمرت من عام 1975 إلى عام 1990.
فقد قدمت دول الخليج مساعدات مالية ضخمة للبنان بعد الحرب الأهلية، ساعدت في إعادة إعمار البنية التحتية المدمرة وتنشيط الاقتصاد.
كما ضخت دول الخليج استثمارات ضخمة في مختلف القطاعات الاقتصادية اللبنانية، مثل العقارات والسياحة والصناعة مما خلق فرص عمل جديدة وتنمية الاقتصاد.
فتحت دول الخليج أبوابها أمام اللبنانيين للعمل والاستثمار على أراضيها حيث يقدر عدد اللبنانيين المقيمين في دول الخليج ما بين 450 ألف و 500 ألف شخص، تستحوذ السعودية منهم على 300 ألف بينما تبلغ حصة الإمارات العربية حوالي 100 ألف لبناني.
وتشير تقديرات مجلس الأعمال اللبناني السعودي إلى أن مجمل التحويلات المالية من منطقة الخليج إلى لبنان تبلغ نحو 4.5 مليارات دولار سنوياً، نصفها تقريباً يأتي من الجالية اللبنانية في السعودية.
وتبلغ قيمة موجودات الخليجيين في المصارف اللبنانية نحو عشرين مليار دولار بحسب تقديرات مصرفية.
وتمثل الاستثمارات الخليجية في لبنان نحو 85% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية في البلاد، حيث تقدر قيمة الاستثمارات العقارية الخليجية في لبنان وحدها بنحو ستة مليارات دولار.
وتشير تقديرات إلى أن عدد الشركات الخليجية المسجلة في لبنان بلغت نحو 214 شركة، بحجم رأس مال يزيد على 10 مليارات دولار.
ولطالما شكل السائح الخليجي الداعم الأول للقطاع السياحي في لبنان، إذ شكل الإنفاق الخليجي وحده ما يوازي 65% (3.25 مليار دولار) من قيمة الإيرادات السياحية في العام 2010 والتي فاقت خمسة مليارات دولار.
وتشير قاعدة بيانات مركز التجارة العالمي التابع للأمم المتحدة إلى أن إجمالي قيمة التجارة الخارجية للبنان مع الدول الخليجية بلغ عام 2020 نحو 2.2 مليار دولار، تمثل نحو 10% من إجمالي التجارة الخارجية للبنان خلال نفس العام، والتي بلغت 21.7 مليار دولار.
وبين 1/1/2012 و 31/3/2021 شكلت الصادرات إلى دول الخليج 26% من مجمل الصادرات اللبنانية بقيمة تخطت 8.027 مليار دولار.
وفي حين أن 45% من الصادرات الصناعية اللبنانية تتجه للسوق الخليجي، فإن تصدير الخضار والفواكه تزيد عن 35% من صادرات لبنان إلى دول الخليج.
وعام 2021، تصاعدت التوترات بين لبنان ودول الخليج بسبب تصريحات وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي حول حرب اليمن.
إذ انتقد قرداحي التحالف العربي بقيادة السعودية في حرب اليمن، مما أدى إلى غضب دول الخليج.
رداً على تصريحات قرداحي، فرضت دول الخليج في حينه عقوبات على لبنان، شملت سحب السفراء ووقف المساعدات المالية. كما حظرت بعض دولها استيراد المنتجات اللبنانية.
وقد أفضت الوساطة الكويتية بين لبنان ودول الخليج إلى عودة السفراء الخليجيين إلى لبنان في عام 2022، تزامناً مع تعهد الحكومة اللبنانية بمنع أي نشاط معاد لدول الخليج.
كما شاركت السعودية وقطر في اللجنة الخماسية إلى جانب الولايات المتحدة وفرنسا ومصر لحل أزمة الشغور الرئاسي في منصب رئيس الجمهورية وتسهيل المساعدات المالية والقروض الدولية مقابل قيام الدولة اللبنانية بعملية إصلاح شاملة تشمل مكافحة الفساد، وتحسين الشفافية، وتعزيز سيادة الدولة.
وقد تميّزت قراءة دول الخليج للأحداث في لبنان بالتنوع والتغير، تبعًا لتطور الأوضاع على الأرض.
وخلال الفترة من 2011 إلى 2015، دعمت دول الخليج، بشكل عام، القوى السياسية المنتمية لتيار 14 آذار في صراعها مع حزب الله، متوقعة أن انتفاضات الربيع العربي ستضعف نفوذ إيران في المنطقة.
لكن مع تفاقم الأزمات المالية في دول الخليج، تراجعت مساعداتها المالية للبنان، خاصة بعد اندلاع حرب اليمن عام 2015.
وبحسب الدراسة تتباين مواقف الدول الخليجية تجاه لبنان، مع لعب كل من السعودية وقطر دورًا بارزًا كقوتين إقليميتين تتمتعان بموارد اقتصادية كبيرة.
ففي عام 2021، واجهت السعودية انتكاسة في لبنان بعد انسحاب تيار المستقبل، حليفها السياسي الرئيسي، من الساحة السياسية. وعادت السعودية للمشاركة في لبنان في عام 2022، وإن بشكل محدود، من خلال تأسيس صندوق تنمية مشترك مع فرنسا.
على النقيض، اتخذت قطر موقفًا أكثر حيادية تجاه لبنان، حيث تجنبت الانتقادات في عام 2021 وركزت على دعم الاستقرار. وتُظهر استثمارات قطر في حقول الغاز البحرية اللبنانية ودعمها للقوات المسلحة التزامها بلبنان.
وقريبا من الموقف السعودي سارت العلاقات اللبنانية الإماراتية مع تغيير طفيف أظهرت فيه دولة الإمارات استقلالية وخصوصية عن نظيرتها السعودية لجهة مصالحها وتطلعاتها.
أما الكويت فلعبت ولا تزال دور الوسيط بين لبنان ودول الخليج في حين تماهمت البحرين بشكل كلي مع الموقف السعودي. أما عمان فلا يوجد لها أي تأثير يذكر في لبنان.
في هذه الأثناء يواجه لبنان العديد من التحديات التي تهدد استقراره وأمنه ومستقبل علاقاته مع دول الخليج.
ويُعد حزب الله من أهم الفاعلين في الساحة اللبنانية، وله نفوذ كبير في مختلف المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية ولهذا يُنظر إلى الحزب من قبل بعض الدول العربية ودول الخليج كمنظمة إرهابية، بينما تعتبره دول أخرى مثل إيران وسورية والعراق قوة مقاومة ضد إسرائيل.
من وجهة نظر خليجية، يُشكل استمرار نفوذ حزب الله عبئاً على لبنان ويُعرقل مساعي حصوله على مساعدات دولية.
وقد بقيت العلاقة بين لبنان والدول الخليجية متأثرة بشكل حاد بمستوى التوتر في مواقف دول الخليج من حزب الله منذ عام 2011 حيث تتهمه باحتضان واسع للمعارضات الخليجية على الأراضي اللبنانية، فيما يوجه الحزب لبعض العواصم الخليجية الاتهامات بالتورط بقمع المعارضات الشيعية داخلها، وتدمير اليمن، ودعم أعمال العنف الطائفي في العراق، والتخريب ونشر الإرهاب في سورية.
كان حزب الله ولا يزال جزءا أساسيا من طبيعة العلاقة المعقّدة بين لبنان ودول الخليج والتي تتسم بالتقارب والتباعد وحتى القطيعة في بعض الأحيان وذلك على خلفية الأدوار التي تتهم بها دول الخليج حزب الله داخليا وخارجيا.
يضاف لذلك عجز الحكومات اللبنانية المتعاقبة عن الوفاء بالتزاماتها وتعهداتها لدول الخليج في مناحي سياسية واقتصادية وأمنية.
وخلصت الدراسة إلى أن قدرة الحكومة اللبنانية على إصلاح الأوضاع السياسية والاقتصادية وإدارة علاقاتها مع دول الخليج ستكون حاسمة في تحديد مسار العلاقات المستقبلية.
فقد ذكرت دول الخليج مراراً أن المساعدات والتعاون الاقتصادي يعتمدان على إصلاحات هيكلية مهمة لنظام الحكم في لبنان، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.
وتمثل هذه الإصلاحات أهمية بالغة في التصدي للفساد وتهيئة الظروف الملائمة للاستثمار الخارجي الهادف، في حين يبقى ملف حزب الله اشد استعصاء على الحلّ وتأمل الدولة اللبنانية أن يبقى ملفه بعيدا عن التجاذبات في العلاقة مع دول الخليج، نظراً لحاجة لبنان الملحة للدعم الخليجي من ناحية ولعجزها التام عن ارغام حزب الله على عدم التصادم مع مصالح دول الخليج داخليا واقليميا.
ارسال التعليق