كيف تُحكم السلطات السعودية قبضتها على العمالة البنغالية
يشكّل البنغلاديشيون النسبة الأكبر من العمالة الأجنبية في "السعودية"، كما أن هذه الأخيرة تستقطب أكثر من ثلث مجمل نسبة المهاجرين من بنغلادش. يعمل هؤلاء، نساء ورجالاً، في أبسط المهن من البناء والتنظيف والعمل المنزلي وسواها، يتكبّدون لأجلها مبالغ طائلة خلال رحلة هجرتهم، وقبل أن تبدأ. ومع هذا فإن معدّل أجورهم المتدنّي وظروف عيشهم الصعبة لطالما كانت محطّ انتقادات دولية ومن منظمات حقوقية على وجه الخصوص.
في تقرير حديث لمنظمة "ميغران رايتس" المعنية برصد أوضاع المهجّرين في دول "مجلس التعاون الخليجي"، تفيد بأن من بين جميع البلدان المرسلة للعمالة في ممر مجلس التعاون الخليجي، يقال إن البنغالاديشيين يتحملون أعلى تكاليف التوظيف، سواء من حيث القيمة المطلقة أو بما يتناسب مع رواتبهم. ووفقًا لبحث المنظمة، فإن ما يقرب من 70% من المبلغ يذهب لدفع رسوم ورشاوى غير قانونية.
ووفق رئيس جمعية وكلاء التوظيف، فإن الفساد في هذه القضية عميق للغاية، وهناك هامش ربح في كل خطوة من عملية الهجرة. وفي الحالة السعودية، يُضاف إلى مصادر الإنفاق الكبيرة هذه التي يتكبّدها العمّال، الرسوم السعودية الأخيرة التي جعلت البرنامج الاعتماد المهني قبل المغادرة ـ تكامل ـ إلزامياً، وأضاف 50 دولاراً أخرى إلى التكاليف الباهظة سلفاً، في استغلال مضاعف من "السلطات السعودية" للأعداد الهائلة التي تطمح للعمل في هذه البقعة المقدسة.
يجعل التحقيق فرضية "الإيمان/ التديّن" الأصحّ في تفسير حالة الهجرة المتنامية من بنغلادش إلى "السعودية" رغم ارتفاع رشاوى السفر إلى بلاد الحرمين الشريفين مقابل انخفاض نسبة الأجور. والفرضية إياها تقول بأن النسبة الأعمّ ممّن يختارون "السعودية" وجهتهم للهجرة، يكون من منطلق إيماني عقائدي، طمعاً منهم بالعيش أطول مدة ممكنة بالقرب من بيت الله الحرام والمسجد النبوي. وهو أمرٌ تستغله "السلطات السعودية" لصالح الإبقاء على ظروف العيش السيئة والقوانين المجحفة بحق هؤلاء.
ورغم إدراك المهجرين أن الأجور في السعودية أقل مما هي عليه في بعض دول الخليج الأخرى، وأن هناك نفقات إضافية بسبب ضريبة القيمة المضافة التي تم تطبيقها مؤخرًا (ضريبة تكامل)، ومع ذلك، فإنهم يعطون الأولوية للعمل هناك، مع ذكر السبب المتكرر "إنها دولة إسلامية، يمكننا زيارة الكعبة ومكة".
وفي التفاصيل فإن المبلغ الذي يدفعه الفرد الواحد ليتمكّن من السفر، يصل إلى 6000 دولار اميركي، ويترافق هذا البذخ مع جهل المهاجرين بالمدة التي سيعملون بها والتي يمكن اعتبارها عمل دون مقابل مادي إلى أن يتم استرداد المبلغ الكبير إياه المدفوع مسبقا منهم.
يتلمّس البعض ممن يعملون في هذا الحقل -من بنغلادش- إلى ضرورة توعية المهاجرين من خلال برامج توضح لهم حقوقهم وواجباتهم، لكنهم في الوقت عينه يعتبرون أن أصحاب المصلحة السعوديين ليسوا جادين في حماية العمال، وخاصة الإناث، و"لو كانوا كذلك، لأمكن التغلب على المشكلة إلى حد ما".
وكلاء الإستقدام داخل "السعودية" يلعبون دورا كبيرا في تفاقم واستمرار هذا الاستغلال الجشع للعمال الأجانب، فوفق من قابلتهم المنظمة في سياق تحقيقها، "هو مطلب سعودي". فللذهاب إلى السعودية، حتى لو حصل الشخص على تأشيرة مباشرة، عليه المرور عبر وكيل مسجل، وهذه هي الطريقة التي يكسبون بها أموالهم. بالنسبة للعاملات، في حين أنه من المفترض أن تكون التكلفة صفرًا، سواء التأشيرة وكل شيء طبي مجاني، إلا الدلاّل (أي الوسيط) لا يزال يتقاضى ما بين 182-365 دولارًا أمريكيًا.
المتجهين إلى السعودية دفعوا أعلى مبلغ لما يمكن اعتباره رشاوى، تبدأ من 4560 دولارًا أمريكيًا وتصل في بعض الأحيان إلى 6390 دولارًا أمريكيًا.
وتنتشر الهجرة غير الشرعية على نطاق واسع، وهو أمر قديم ولا يبدو أن هناك نوايا جديّة لضبطه، على الرغم من أن مترتبات هذا الأمر تدفع في نهاية المطاف إلى إلحاق الضرر باقتصاد البلد المضيف (السعودية). فعلى سبيل المثال، يكثر الاعتماد على المؤشرات المجانية باهظة الثمن والغير قانونية، وبذلك يصبح تواجد المهاجر في البلد غير نظامي، الأمر الذي يضع أمامه عوائق بما يتعلق بإرسال الأموال إلى ذويه. فكونه مهاجرا غير شرعي لا يستطيع قصد الأماكن المرخصة في البلد لتحويل المال، وبدلاً من ذلك يقوم بالاعتماد على وسائل تحويل مال أخرى غير شرعية لا تخضع لرقابة الدولة، أكثرها شهرة "بوندي".
ووفقا للتحقيق "يُقدَّر أن هناك خسارة قدرها 4.5 مليون دولار أمريكي في العام الماضي وحده بالنسبة للدولة، حيث يتم إرسال الأموال من خلال نظام هوندي وليس عن طريق التحويلات المنتظمة. وقد يكون هذا سببًا آخر وراء انخفاض بيانات التحويلات مقارنة بالأعداد المتزايدة من العمال المهاجرين".
سوء معاملة وإجحاف في البدل:
الظلم الذي يتعرض له العمال الأجانب في "السعودية"، لا يتوقف عند استقدامهم فقط، بل يمتد بشكل أساسي إلى ظروفالعمل في الداخل.
عام 2021 كشفت دراسة أجرتها وحدة أبحاث حركة اللاجئين والمهاجرين (RMMRU) أن حوالي 52 بالمئة من المهاجرات تعرضن للتعذيب أو المضايقة في أماكن عملهن في “السعودية”.
35 بالمئة منهم تعرضوا للتعذيب الجسدي، 52.2 بالمئة تعرضوا للتحرش النفسي و 11 بالمئة أكدوا أنهم تعرضوا للإيذاء الجنسي في بلدان المقصد.
الدراسة تمت استناداً إلى إجراء مقابلات مع 153 مشاركاً (92 أنثى مهاجرة عائدة و61 أسرة من المهاجرين المتروكين) من 42 مقاطعة في بنغلاديش في سبتمبر وأكتوبر من هذا العام.
العمال كانوا عائدين من عدة دول وفي مقدمتها “السعودية” والأردن والإمارات وعمان وقطر ولبنان والبحرين والعراق وماليزيا وجزر المالديف وهونغ كونغ وأستراليا وموريشيوس. وبحسب الدراسة أكد غالبية العائدين المستجوبين أنهم تعرضوا للتعذيب الجسدي والنفسي من قبل أزواجهن كما أبلغ البعض عن مضايقات من قبل أقاربهم ومرابضي الأموال.
ترصد منظمات حقوقية انتهاكات جسيمة في حملة السلطات السعودية ضد العمالة غير النظامية وتجاهل الاعتبارات الإنسانية بما في ذلك سوء المعاملة والترحيل القسري. مثلاً تشير منظمة "ميغران رايتس" التي تختص بالدفاع عن حقوق العمال المهاجرين، إلى أن السلطات السعودية اعتقلت أكثر من 80000 مهاجر غير نظامي ضمن حملات التفتيش في “السعودية” أغلبهم من اليمن وأثيوبيا.
ومن جانبه، تحدث “المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان” عن الانتهاكات الممنهجة وتدهور الحالة الإنسانية والمعيشية للعمالة الوافدة، الأمر الذي دفع بعشرات الآلاف إلى ترك العمل ومغادرة الرياض.
المركز وفي تقرير، بين أن أرقام جهاز الإحصاء السعودي، كشف عن تراجع واضح في أعداد العاملين الوافدين في الرياض. تقرير الهيئة الحقوقية، لفت إلى أن القرارات “السعودية” شملت زيادة قيمة رسوم الإقامة للعامل وأفراد أسرته، وسياسة الترحيل القسري ساهمت في تدهور الحالة الإنسانية والمعيشية والحقوقية لأولئك العمال.
وبحسب التقرير فإن مجموع ما يتقاضاه العامل الأجنبي في “السعودية” خلال هذا الوقت أصبح لا يكفي سوى لسداد رسوم الإقامة وتوفير الخدمات الأساسية له ولأسرته.
“الأورومتوسطي”، أكد أن غياب الرقابة القانونية الحقيقية للسلطات السعودية على المؤسسات التي تشغّل العمال الأجانب أدى إلى “زيادة تلك الانتهاكات، وجعلهم فريسة للجهات المتنفذة داخل البلاد أيضاً”.
هذا، ولفت “الأورومتوسطي” إلى أن العمال حرموا من رواتبهم لأشهر طويلة، فضلاً عن سياسة “التباطؤ المتعمد” من أرباب العمل في استخراج بطاقات الإقامة لهم كإجراء تهديدي للضغط عليهم ودفعهم للموافقة على الشروط غير الإنسانية، وفي الوقت عينه تم تهديدهم ب “الطرد والترحيل إلى خارج البلاد”. التقرير الحقوقي بين ظروف الاحتجاز والترحيل للعمال غير النظاميين الذين فقدوا حقهم بالعمل داخل البلاد لأسباب لا تتعلق بهم، بل بتباطؤ الكفلاء في تجديد أوراقهم وتصويب أوضاعهم القانونية.
ووفق المركز الحقوقي فإن مئات العمال احتجزوا في أماكن غير مؤهلة وحرموا من الرعاية الطبية، علاوة على عدم الاكتراث للظروف الصحية لكبار السن والأطفال والمرضى، وفضلاً عن فصل العائلات عن بعضها.
وشدد “الأورومتوسطي” على أن السلطات السعودية تلتزم بتطبيق جانب الجزاءات والعقاب بحق العمال الأجانب -حتى دون مخالفتهم لتلك القواعد- ومن دون أن تنصفهم وتمنحهم الحقوق المنصوص عليها في تلك القواعد، ومن قبلها المواثيق الدولية التي كفلت حقوق العامل في الراتب والمعاملة الحسنة وعدم الملاحقة وحق التوجه للقضاء وتوكيل محامٍ. أما على صعيد النساء، فقد رصد المركز الحقوقي جملة من الانتهاكات التي تتعرض لها العاملات داخل المملكة خاصة اللواتي يعملن خادمات داخل المنازل؛ إذ تعرضن إلى التعذيب والاعتداء الجسدي من قبل أصحاب المنازل. وطالب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بضرورة وقف الانتهاكات التي تستهدف العمالة الوافدة وعلى رأسها نظام الكفالة الذي يفرض رسوماً مرتفعة على العمال بما لا يتناسب مع الأجور التي يتلقونها، داعياً في الوقت ذاته السلطات السعودية إلى تفعيل نظام الشكوى وفرض جزاءات على أصحاب العمل السعوديين الذين ينتهكون حقوق العمال الأجانب لديهم.
ارسال التعليق