هل تنهي أسعار النفط وحرب أوكرانيا شهر العسل الروسي السعودي
بقلم: صالح البقشي...
سلط موقع “أويل برايس” الأمريكي، المتخصص في شؤون الطاقة، الضوء على احتمال وصول العلاقات الروسية السعودية التي توثقت خلال السنوات الأخيرة لاسيما التعاون عبر تحالف “أوبك+” إلي نهايتها؛ بسبب أسعار النفط الحالية، والعجز الروسي على حسم الحرب فى أوكرانيا.
ووفق مقال نشره الموقع للكاتب “سيمون واتكينز”، فإن أسعار النفط الحالية عند مستويات بالكاد تساعد النظام السعودي على تعزيز ميزانيته، مع توقع وصول سعر التعادل المالي للنفط 78 دولارًا أمريكيًا لخام برنت في سنة 2023، بعد أن تجاوز 80 دولارًا أمريكيًا في السنة السابقة.
وأشار الكاتب إلى أن الأسعار أيضا أقل بكثير من المستوى الذي تريده روسيا، وكان من الممكن أن تضغط لتعزيزه، لاسيما أن سعر التعادل المالي للنفط عند 114 دولارًا للبرميل بالنسبة لخام برنت، بعد أن كان في حدود 64 دولارًا أمريكيًا للبرميل قبل غزو أوكرانيا.
ويُعرف “سعر التعادل المالي للنفط” بأنه سعر النفط اللازم لموازنة الميزانية العامة؛ أي الميزانية التي تتساوى فيها الإيرادات مع المصروفات.
ويستخدم سعر التعادل كمؤشر يستند إلى تحليل العلاقة بين كافة إيرادات الدولة ومصروفاتها والعلاقة بين الإيرادات وسعر النفط. فإذا كان “سعر التعادل المالي للنفط” في دولة ما أعلى من سعر النفط في الأسواق الدولية، فإنَّ الميزانية العامة لتلك الدولة ستعاني من عجز، ولا بد من اتخاذ إجراءات لإصلاحه.
وأوضح الكاتب أن سعر خام برنت يقترب في الوقت الحالي من المستوى الذي تكسر فيه السعودية نقطة التعادل من منظور مالي، وهو أقل بكثير من سعر التعادل المالي للنفط في روسيا.
وأضاف أنه من المؤكد أن روسيا كانت لتضغط من أجل خفض أكبر للإنتاج وراء الكواليس، ومع ذلك ظل مستوى الإنتاج عبر أوبك على حاله. وهذا يعكس التزام السلطات السعودية بشكل حاسم تجاه روسيا والصين.
ويعتقد بعض الخبراء أن السعودية و”أوبك+” أبقتا على تخفيضات إنتاج النفط مؤخرا (مليوني برميل يوميًا)، لأنهم يعلمون أن طلب الصين على النفط سيرتفع مرة أخرى بمجرد أن تنتهي الموجة الحالية من إصابات فيروس كورونا.
ومن المحتمل أن ينتعش النمو الاقتصادي الصيني مرة أخرى، لكن من غير الواضح ما إذا كان هذا سيرتبط ارتباطًا مباشرًا بارتفاع كبير في أسعار النفط. وبحسب الكاتب، فإنه من المرجح أن يكون الانتعاش الدوري في الصين هذه المرة مدفوعًا بالاستهلاك المنزلي والخدمات بشكل أساسي، ما سيغير محركات الطلب هذه السنة.
ونقل الكاتب عن روري جرين، كبير الاقتصاديين الصينيين في شركة “تي إس لومبارد” الاستشارية، أن “النتيجة المؤكدة هي زيادة الطلب على النفط، ومن المتوقع تحقيق زيادة بنسبة 5-8 % في حجم الواردات الصافية، ولكن من غير المرجح أن يتسبب هذا في ارتفاع أسعار النفط، لاسيما أن الصين تشتري النفط بسعر منخفض من روسيا”.
وإلى جانب تأثير أسعار النفط، رأى الكاتب أن تحطم الرهانات السعودية على روسيا كبديل للولايات المتحدة، عقب عجز الجيش الروسي في حسم الحرب في أوكرانيا سوف يساعد أيضا من اقتراب العلاقات بين موسكو والرياض إلى خط النهاية.
هل روسيا بديل مناسب؟
لا شك أن روسيا لن تحل مكان الولايات المتحدة في مجال تقديم الأسلحة والمساعدة العسكرية للسعودية والشراكة الاستراتيجية معها، لكن العلاقة مع روسيا توفر للرياض هامشاً للمناورة السياسية، ونوعاً من التوازن في العلاقات الخارجية بدلاً من الرهان على الولايات المتحدة فقط.
فرغبة النظام السعودي في تنويع مصادر الأسلحة وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية يمنحه مزيدا من المرونة والمساحة للتحرك بما تمليه عليها مصالحه في ظل تقليل الولايات المتحدة الأمريكية من تواجدها في الشرق الأوسط واحتمالات التوصل إلى اتفاق لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، وبالتالي تزيد طهران من مساحة نفوذها في المنطقة، الأمر الذي يرى فيه النظام السعودي مصدر خطر كبير على مصالحها.
ومثلت الأزمة الأوكرانية وتداعياتها الكبيرة على الاقتصاد العالمي فرصة ثمينة للنظام السعودي لتجاوز تداعيات قتل الصحفي جمال خاشقجي، وبات الغرب مستعداً لطي تلك الصحفة مقابل تعاون النظام اللسعودي في تخفيف حدة أزمة الطاقة التي تهدد الاقتصاد العالمي، وعادت الرياض تستقبل الزعماء الغربيين وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي، جو بايدن، وعاد البساط الأحمر ليفرش لولي العهد السعودي في العواصم الغربية.
وهكذا جاءت خطوة الانفتاح على روسيا بعد أن شعر النظام السعودي أن الولايات المتحدة لا يمكن الاعتماد عليها بشكل تام لضمان أمنها، وأنها شريك لا يعتمد عليه دائماً، حيث رأت أن التدخل الروسي العسكري في سوريا الرئيس السوري بشار الأسد مثال على التحالف الاستراتيجي، وأن روسيا باتت صاحبة وزن ودور أكبر في المنطقة وأن من مصلحتها تعزيز التعاون معها بدلاً من وضع كل بيضها في سلة واشنطن. كما أن التوتر الذي ساد العلاقات بين محمد بن سلمان، والزعماء الغربيين بسبب ملف مقتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018، أدى إلى تسريع وتيرة التعاون بين النظام السعودي وروسيا التي لا تتصدر قضايا حقوق الإنسان وحرية الرأي والإعلام قائمة أولوياتها.
ففي أعقاب الحملة الإعلامية الكبيرة على ابن سلمان في وسائل الإعلام الغربية واتهامه شخصيا بالضلوع في إعطاء الأوامر بقتل خاشقجي، تفادى كل الساسة الغربيين اللقاء بولي العهد السعودي أو التحدث معه بعكس الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي صافحه بحرارة خلال قمة العشرين في الأرجنتين في نوفمبر 2018.
ومنذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، في فبراير الماضي، توقفت الاتصالات بين الزعماء الغربيين وبوتين الذي باتت بلاده تعيش تحت وطأة أقسى عقوبات يمكن أن تفرض على بلد ما، في مقابل ذلك استمرت الاتصالات واللقاءات بين المسؤولين الروس ونظرائهم السعوديين، وعلى رأسهم محمد بن سلمان حيث جرى أكثر من اتصال بينه وبين بوتين، كان آخرها في 21 يوليو الماضي.
نقطة تحول وكان العام 2015 قد شكّل نقطة تحول في العلاقة بين البلدين، إذ التقى ابن سلمان، بالرئيس بوتين، على هامش منتدى سانت بطرسبورغ الاقتصادي، وكان اللقاء بمثابة نقطة تحول في علاقات البلدين. وفتح البلدان صفحة جديدة في علاقاتهما شملت العديد من الملفات، وتم توقيع عدد من الاتفاقيات شملت مجالات مختلفة مثل الطاقة النووية، وخاصة بعد إعلان النظام السعودي عن نيته بناء 16مفاعلا نوويّا للأغراض السلمية ومصادر الطاقة والمياه، وتفعيل اللجنة المشتركة للتعاون العسكري والتعاون في مجال الفضاء، إضافة إلى اتفاقيات تعاون في مجال الإسكان والطاقة والفرص الاستثمارية.
وفي عام 2017 زار الملك سلمان بن عبد العزيز روسيا وكانت الزيارة هي الأولى لملك سعودي إلى روسيا. وتمخضت الزيارة عن توقيع اتفاقيات تعاون بين الطرفين، أهمها اتفاقية لتصنيع بعض الأسلحة الروسية في السعودية.
وأبرم النظام السعودي، عام 2021، اتفاقا عسكريا مع روسيا يهدف إلى تطوير مجالات التعاون العسكري المشترك بين البلدين، بحسب ما أعلن عنه نائب وزير دفاع النظام السعودي، خالد بن سلمان، على هامش معرض المنتدى العسكري التقني الدولي “آرمي 2021”.
لا شك أن توسيع التعاون في المجال العسكري بين البلدين يثير المزيد من الأسئلة عن طبيعة التوجه السعودي في هذا المجال؛ إذ اعتمدت المملكة على السلاح الغربي منذ أن أبصرت النور، وعلى رأسها السلاح الأمريكي الذي يشكل 79 في المئة من المشتريات السعودية العسكرية، حسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، وهي تمثل بدورها نحو 24 في المئة من صادرات السلاح الأمريكية.
ارسال التعليق