واقع الشباب في السّعودية: شبابٌ خلف القضبان وآخرون بلا حقوق
“أهم ميزة لدى السّعودية هي الطّاقة الشّبابية ..هم شباب واعٍ قوي لديه طموح، مثقف ومتعلم بشكل جيد، مبدع لديه الطّاقة الحقيقية والقوة الحقيقية” كلماتٌ قالها محمد بن سلمان واصفاً الشباب السّعودي، صورةٌ من الاهتمام بعنصر الشباب حاول إيهام العالم بها، وقوة شبابية تغنّى بطاقاتها طالما توافق أهواءه ولا تصب في خانة معارضة السّلطات والتعبير عن الرأي..فكيف هو واقع الشّباب في السّعودية خلف السّتار؟
في الثاني عشر من أغسطس من كل عام، يحتفل العالم أجمع باليوم العالمي للشباب، اليوم الذي يهدف إلى تذكير الدّول بالتزاماتها اتجاه شبابها وتقدير دورهم الفعّال ولتركيز اهتمام المجتمع الدّولي بالقضايا الشّبابية والاحتفاء بإمكانياتهم لاعتبارهم شركاء في المجتمع العالمي المعاصر.
السّعودية تتصدر دول العالم في الاحتفال بهذا اليوم، تدّعي من خلاله دعم شبابها وتمكينهم في مختلف المجالات وتتباهى بتركيبتها السّكانية الشّابة. لكن واقع الحال في السّعودية لا يشبه الصّورة التي العائلة الحاكمة وعرضتها للعالم، فسجونهم تمتلأ منذ زمنٍ بعيدٍ بمعتقلين لم أغلبهم في سن الشباب ومنهم لم يبلغ العشرين بعد، يعيشون خلف قضبان الزنازين حتى يفنى شبابهم هناك، ذنبهم هو طاقتهم الشّبابية وقوتها التي دفعتهم للتفكير خارج صندوق السّلطات والمطالبة بحقوقهم والتعبيرعن آرائهم وأفكارهم بغيّة تطوير مجتمعهم وازدهار بلدهم.
لا تقتصر معاناة الشّباب على سلبهم حقهم في الحرية، فأولئك الذين يتمتعون بالحرية خارج السّجون السّعودية يعانون من البطالة والحرمان من الوظائف. وعودٌ كثيرةٌ أطلقتها السّعودية بتخفيض معدلات البطالة ضمن رؤية 2030. الشّباب هم الأكثر تضرراً في هذا الشأن، معدل من هم خارج مقاعد العمل والتّعليم والتّدريب منهم ازدادت لتبقى الوعود الإنجاز الوحيد لدى السّلطات.
ورغم محاولات السّلطات الحثيثة للترويج لجهدها في توفير فرص العمل للشباب وتأهيلهم عبر “برنامج تنمية القدرات البشرية” ضمن رؤية 2030، إلا أن الدّراسات كشفت عن واقعٍ سيءٍ يعيشه الشّباب بدايةً من رحلة التعليم والتدريب وصولاً إلى مرحلة الحصول على فرصة عملٍ مناسبة. مليون ناشئ من بين 3.92 مليون سعودي يعانون من غياب الدعم ليبقى الحلم الأكبر لدى الشّباب هو الحصول على وظيفة مناسبة.
مطلع هذا العام، حاولت السّعودية تلميع صورتها بشأن معدلات البطالة، روّجت إلى انخفاض إجمالي نسبة العاطلين عن العمل إلى أدنى مستوياته والذي استقر حسب ادعائها عند 7.6% في الربع الأول من عام 2024 مقارنةً بالنسبة التي بلغت 7.8% في الربع الرابع من العام 2023.
هذه الدّعاية الحكومية نفتها دراسةٌ دولية صدرت بهذا الشأن، الدراسة كشفت أن انخفاض البطالة في السّعودية لا يعود إلى فضل السّلطات في تأمين فرصِ عملٍ للشباب أو إلى نمو التوظيف القوي، بل يرتبط بانخفاض المشاركة في القوى العاملة، وعلى عكس ما سوّقت له السّلطات فإن معدل البطالة ارتفع على الرغم من انخفاض معدلات المشاركة بشكل كبير.
الحرمان من المشاركة في الحياة السّياسية معاناةٌ يتحملها الشّباب في السّعودية منذ زمنٍ بعيد. النظام السّياسي الملكي السّائد يحدّ من مشاركتهم فيها، فلا انتخابات برلمانية أو رئاسية داخل السّعودية. الملك يختار أعضاء مجلس الشورى ويتحكم بقراراته، وبذلك لا دور للشباب في اختيار القيادات السّياسية أو حتى المشاركة في صنع القرار.
انعدام المشاركة السّياسية له تاثيرات سلبية عميقة على الشعب بشكل عام وعلى فئة الشّباب بشكل خاص. غياب الممارسات الدّيمقراطية تؤدي إلى تغييب احتياجات الشّباب وتطلعاتهم وتهميش دورهم ليغيب الإبداع والابتكار في المجتمع وعلى صعيد السّياسات المعتمدة.
يبدو أن محمد بن سلمان تناسى خلال تصريحه أولئك الشّباب المرميين خلف أسوار سجونه لأنهم تمتعوا بالقوة لإبداء آرائهم والمطالبة بحقوقهم، وتغاضى عن الفئة الحرة من الشّباب العاطلين عن العمل والذين يواجهون تحدياً يومياً في تأمين فرصة تشبه آمالهم. يسعى آل سلمان إلى رسم صورة مثالية ويصدّرونها للعالم على أنها حقيقةٌ لا شك فيها، وفي البحث قليلاً عن واقع الشّباب في السّعودية تسقط كل ادعاءاتهم لتنكشف أمامنا معاناة مستمرة منذ سنواتٍ وتتفاقم مع مرور الأيام.
تطالب لجنة الدّفاع السّلطات السّعودية اليوم بتحويل صورتها النموذجية عن الشّباب إلى حقيقة من خلال دعمهم وتحفيزهم وتقبّل آرائهم المختلفة التي لا تؤدي إلا لتطور المجتمع وازدهاره.
ارسال التعليق