وثيقة تكشف عمالة وانصياع الملك الفهد لهنري كيسنجر
بعد بلوغ تهديدات وزير الخارجية السعودية عمر السقاف لهنري كيسنجر ( لتفاصيلها اطلع على مقالي السابق: وفاة” وزير خارجية السعودية عمر السقاف في نيويورك عام ١٩٧٤ لم تكن بجلطة دماغية بل قتل مسموما!)، اتخذ هنري كيسنجر عددا من الخطوات، منها ما كان عاجلا كتعديل محاضر الاجتماعات ما بين السعوديين والامريكيين وشطب بعضها من السجلات الرسمية، لكن اخطرها كان تجنيد هنري كيسنجر للسفير الأمريكي في الرياض جيمس اكينز من أجل “بناء” علاقة أمريكية سعودية اقتصادية جديدة من شأنها ان تقطع على السعوديين (جناح الملك فيصل والسقاف) اي خطوة باستبدال الأمريكيين بالاوروبيين واليابانيين والتي هدد بها السقاف مسبقا، أو تكرار عملية قطع النفط في المستقبل، ولكن هذا الترتيب جرى ليس مع النظام القائم (الملك فيصل وعمر السقاف) ، بل جرى مع جناح الأمراء السديريين بقيادة الأمير فهد بن عبد العزيز، حتى ان “اللجنة الأمريكية السعودية المشتركة للتعاون الاقتصادي” التي شكلت من أجل الترتيب لهذه العلاقة الجديدة، تم تعيين الأمير فهد رئيسا عليها، وهي التي وقعها هنري كيسنجر والامير فهد فيما بعد.
وضم الفريق: مع الأمراء السديريين (فهد، سلطان، سلمان) عمهم: مساعد بن عبدالرحمن آل سعود، رشاد فرعون، كمال ادهم، محمد ابا الخيل، هشام ناظر، احمد زكي يماني.
لاحظوا هنا أن جل هذه الأسماء رافقت الأمراء السديريين عندما حكموا إلى ما شاء الله، بإستثناء عمهم الأمير مساعد بن عبدالرحمن الذي عزل بعد اغتيال الملك فيصل بسبعة أشهر.
كما تم الترتيب لزيارة الأمير فهد إلى واشنطن، وهي زيارة تم الاتفاق عليها مسبقا ما بين كيسنجر وفهد، حين زار كيسنجر الرياض.
أخبر السفير الأمريكي جيمس اكينز وزير خارجيته هنري كيسنجر أنه يخشى ردة فعل الملك فيصل من اي اتفاق مع فهد فيما يتعلق بالأمور الخارجية، “لقد سبق للملك فيصل أنه أوقف العديد من مغامرات فهد الخارجية!”.
كما ذكر السفير الأمريكي أنه يخشى أيضا من ردة فعل السقاف خاصة “وأننا قمنا بهذا الفعل أثناء غيابه”!.
وفي كل الأحوال صدم السفير من حماسة هذا الفريق (جناح الأمراء السديريين)، حيث أبلغ السفير الأمريكي وزير خارجيته أنه من شدة حماسة الفريق لم يحتج لاساليب الإقناع التي كان قد اعد لها فيما لو وجد اعتراضا ما، فذكر أن هشام ناظر قال له أنه لو قام هذا المشروع لن نحتاج للفرنسيين والانجليز واليابانيين، أمريكا وحدها يمكن أن تفعل كل شيء.
اما الأمير سلطان فقد قال للسفير: إن هذا المخطط ما كان بالضبط هو والأمير فهد قد حثا عليه منذ سنوات، أسمح لي أن أقول لك ولكن احتفظ بهذا السر، فهد هو بالفعل ثاني أهم رجل في البلاد وهو سيكون ملكنا القادم”.(قالها بتاريخ ١١ /٣/ ١٩٧٤)!.
أما وزير الخارجية عمر السقاف فقد كان أثناء عقد هذه الاجتماعات في الفلبين، وحين بلغه ما يجري، تواصل مع السفير الأمريكي وقال له: أن ما يخشاه قد وقع وأنه يشعر بالغضب، أن هذا الأمر قد جرى من خلف ظهره، وقال إنه لا يمكن حدوث مثل هذا الاتفاق وقطع النفط لا زال مستمرا، وقال: “انني لا أرغب بهذا التعاون السطحي قبل رفع الحظر لأنه سيبدو وكأنه رشوة، لا يوجد عنصر مقايضة في هذه المسألة، يمكن للسعوديين الحصول على نفس الترتيبات في أماكن أخرى، لدينا المال والوسائل، ولن نضحي ب”القضية”، ان امريكا اذا عرضت “القضية” للخطر، فيمكنه أن يؤكد لنا أن 99 في المائة من جميع العرب سيكونون موالين للدول الأوروبية!.
هنري كيسنجر رد على سفيره في الرياض بأن غضب السقاف نتيجة صراع أجنحة داخل الأسرة السعودية الحاكمة (الأمراء السديريون- جناح الملك فيصل).
السفير الأمريكي ذكر في تقريره لكيسنجر بأنه سيقوم بتهدئته حين يعود للرياض، لكن السقاف فيما بعد أجبر كيسنجر على “تجميد” هذا الإتفاق مؤقتا. (السفير الأمريكي في الرياض جيمس اكينز إلى كيسنجر ١١ /٣ / ١٩٧٤-سري 1974 -JIDDA -01192_b) وتقارير أخرى حول هذه القضية جلها ما بين كيسنجر والسفير الأمريكي جيمس اكينز في آذار ١٩٧٤.
هنا لا بد من العودة إلى الوراء، ففي عام ١٩٤٥ تم الاتفاق ما بين الرئيس الأمريكي روزفلت والملك عبدالعزيز آل سعود على اتفاقية “البترودولار” ولكن ليس بصورتها التي طبقت في السبعينات من القرن الماضي، فقد ظل الدولار مرتبطا بالذهب، وفي عام ١٩٧١ عندما قام الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون بفك ارتباط الدولار بالذهب بالكامل وربط مبيعات النفط في العديد من الدول المصدرة للنفط وعلى راسها السعودية بعملة الدولار، مما أحدث خلافا غربيا- أمريكيا كبيرا، وهنا نعود ايضا لتهديدات عمر السقاف ” استبدال الأمريكيين بالاوروبيين” أو بالمختصر، الانشقاق عن الدولار!، وهو الشيء الذي لا يمكن لأمريكا أن تتسامح فيه، فلم تتسامح مع دول ويكفي حروبها الحالية بالوكالة لهذا السبب، فهل ستتسامح مع افراد؟!
في ٥ /٦ / ١٩٧٤ استطاع كيسنجر ان ينتزع زيارة للأمير فهد إلى أمريكا، وهي الزيارة التي رفضها الملك فيصل والسقاف بشدة.
وهناك وقع معه هنري كيسنجر على اتفاق “اللجنة الأمريكية السعودية المشتركة للتعاون الاقتصادي”، تلك الاتفاقية التي لا زال أكثر تفاصيلها شديدة السرية، فقط في عام 2016 استطاعت مجلة بلومبرج انتزاع بعض المعلومات من الأرشيف الوطني الأمريكي تحت قانون حرية المعلومات، تبين منها شراء السعوديين لعدد هائل من سندات الخزينة الأمريكية بحيث أصبحت السعودية في حينها أكبر الدائنين لأمريكا في أكبر عملية انتشال للاقتصاد الأمريكي في تاريخه بعد شبه الانهيار الذي تعرض له في تلك الفترة، ولكن “بلومبرج” لم تستطع الحصول على الأرقام الدقيقة وذلك بسبب شرط سعودي آنذاك أن تكون غاية في السرية، ولكن رضوخ الأمريكيين بعدم توريط السعودية في احداث سبتمبر عندما هددت ببيع هذه السندات يكشف إلى أي مدى وضع السعوديون سيوفا من ذهب في أيدي فرسان الحملة الصليبية الجديدة على الأمة.
كما تم الإتفاق مجددا على اتفاقية “البترودولار” بمعناها الحرفي البشع.
فما الذي اشتراه الأمراء السديريون بزعامة الأمير فهد من هنري كيسنجر؟!
ارسال التعليق