أبعاد تعليق ومصلحة النظام السعودي فيه
علّق أمير الكويت يوم الجمعة في العاشر من شهر أيار الحالي؛ عمل مجلس الأمة الكويتي -المُنتخب من الشعب- وأوقف بعض مواد الدستور لمدة أقصاها أربع سنوات، مُطفئاً بذلك ضوء الديموقراطية الأخير في منطقة الخليج، ومتّبعاً خطى من سبقوه في سياسة حكم "العائلة" المطلق المستبعِد لأي دور للشعب في المشاركة في إدارة شؤون بلاده.
قبل قراءة أي حدث يتعلّق بالكويت، يكفي تقييمه تقييماً عامّاً من خلال ردات فعل الذباب السعودي، بشقّيه السعودي علنا وذاك المتستّر خلف هوية كويتية زائفة. وعليه إنكبّ الذباب على تبجيل خطوة "أمير" الكويت على أنها ستنتشل الكويت بشعبه من غمامة "التبعية" وفقا لتوصيفهم، وهو التوصيف الذي يعكس نظرة "السعودية" المتشائمة من وجود نموذجا للحكم في محيطها مثل الكويت؛ المطبَّق فيه وجها من أوجه الديموقراطية، المتمثلة في انتخاب الشعب لجزء من القوى السياسية في البلد، الممثلة في مجلس الأمة.
برر مشعل توقيف عمل البرلمان الكويتي وتولّي "الأمير" ومجلس الوزراء الاختصاصات المخولة له بدلاً عنه؛ بأنه أتى ردّاً على "تدخل بعض النواب في صلاحيات الأمير وفرض البعض الآخر شروطًا على تشكيل حكومة"، لكنه أتى في واقع الحال لأسباب مختلفة مرتبطة بالكويت نفسها، وأخرى خارجية مرتبطة بمساعي "السعودية" التأثير في السياسة الكويتية، حتى وإن كانت هذه المساعي غير صريحة.
دلالات القرار على الصعيد الداخلي:
جرى سابقاً تعليق مجلس النواب الكويتي مرتين فقط، في عامي 1976 و1986، وغالبًا ما يكون سبب حل البرلمان مطالبة نواب بمساءلة وزراء من العائلة الأميرية على خلفية قضايا تتصل بالفساد. إذاً فإن الدافع الداخلي حاضر، وعليه يتأمّل مراقبون بأن تعود البلاد وتسلك مسارًا مختلفًا؛ على اعتبار أنه وبعد التعليقين السابقين، تمت استعادة البرلمان في نهاية المطاف. من هؤلاء مايكل هيرب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ولاية جورجيا الذي علّق على القرار بوصفه: انتكاسة خطيرة للديمقراطية في الشرق الأوسط، وتهديدا بجعل الكويت سلطوية مثل غيرها من ممالك الخليج.
من جانبه قرأ شون يوم، الأستاذ المساعد للعلوم السياسية في جامعة تيمبل، الحدث من زاوية القلق على مصير المعارضة الداخلية وكيفية التعامل معها على إقدثر هذا المستجد. وتساءل "ماذا يحدث للنقاد السياسيين وكتل المعارضة إذا لم يعد لديهم برلمان بما يجسده من تعددية المجتمع الكويتي؟". وأشار يوم إلى أن السنوات القليلة المقبلة ستشهد على الأرجح تعديلات دستورية، وتخفيف صلاحيات البرلمان.
إن ميزة مجلس الأمة الكويتي تكمن وفقا لصحيفة نيويورك تايمز بأنه يُعتبر أقوى بكثير من المجالس التي تكون رمزية غالباً في الأنظمة الملكية المجاورة مثل السعودية، حيث أن لأعضائه الحق في استجواب الوزراء علناً؛ وممارسة النفوذ على ميزانية الدولة؛ والموافقة على تعيين الأمير ولياً جديداً للعهد، وريثاً للعرش.
لكن تعود الصحيفة لترسم حدود ديموقراطية النظام الكويتي: الكويت بعيدة كل البعد عن الديمقراطية الكاملة، فحاكمها ملك وراثي، والأحزاب السياسية غير قانونية، لكن في منطقة الشرق الأوسط حيث أصبحت العديد من الدول أكثر قمعية، فإن الكويت تمثل بديلا نادرا، كما يقول الباحثون، حيث يتم دعم اجزاء من الديمقراطية في البلاد.
دلالات القرار خليجيا: محو آخر وجه للديموقراطية في المنطقة:
لعلّ أبرز تجلّيات هامش الحرية المُعطى لأبناء الكويت، والتي تسعى "السعودية" لطمسه، تجلّى في التظاهرات التي شهدتها الكويت بعد "طوفان الأقصى" المنددة بمجازر كيان الاحتلال الإسرائيلي والتي لم يُشهد لها مثيلاً في الدول الخليجية المجاورة. هذه المساحة من الحرية تزعج كثيراً الأنظمة الخليجية لأنها في واقع الحال لا تعكس فقط الرأي الشعبي الكويتي المعادي لكيان الاحتلال ولكنها تعكس أيضا توجه شعوب أبناء الخليج برمته، من أبناء شبه الجزيرة العربية إلى أبناء البحرين والإمارات المطبّعة مع "إسرائيل". وهو الأمر الذي يطرح مشكلة بالنسبة لهذه الأنظمة، لأن صوتاً قريبا منها لا يزال يصدح ضد تطبيع العلاقات مع "إسرائيل".
إلى ذلك؛ فإن هامش حرية التعبير المعطى للشعب الكويتي وترجمَتِه على أرض الواقع من تضامن أهل الكويت بكل أطيافه وبمختلف السبل المتاحة مع القضية الفلسطينية، يُبشر بحقيقة مواقف شعوب المنطقة التي كُتمت أصواتها المؤيدة لفلسطين حتى عن مواقع التواصل الاجتماعي لتُترك الساحة خالية لما يصدر عن "الأنظمة". في ظلّ ماكشفته وكالة بلومبيرغ مؤخراً عن توقيف "السعودية" لأصحاب حسابات على منصة "إكس" على خلفية تعبيرهم عن مواقف تجاه الحرب الإسرائيلية على القطاع. وقد شملت الاعتقالات مسؤولاً تنفيذياً في شركة تشارك في خطة التحول الاقتصادي لـ”رؤية المملكة 2030على خلفية تعبيره عن آرائه بشأن الحرب على غزة الذي اعتبرته السلطات مثيرا للجدل، وشخصية إعلامية قالت إنه لا ينبغي مسامحة “إسرائيل” أبدًا.
انقلاب مشعل على غرار انقلاب ابن سلمان:
تحت مسمى انقلاب مشعل، علق القيادي في لقاء المعارضة في الجزيرة العربية الدكتور فؤاد إبراهيم على قرار أمير الكويت مشعل الأحمد الجابر الصباح، حل مجلس الأمة.
وحذر في سلسلة تدوينات على منصة “X” من أن تتحول الكويت إلى دولة بوليسية يتولى فيها الجهاز الأمني دورا محوريا، ومن حملة اعتقالات واسعة من تيارات مختلفة في سياق الانقلاب على المكتسبات الديمقراطية، مشيرا إلى أن قول أمير الكويت إنّ “الفساد وصل إلى أغلب مرافق الدولة” قد يعني غزوة “ريتز” كويتية!.
ودعا الكويتيين إلى اليقظة والتنبه إلى ما يحاك، بدءا من إعلان حالة طوارىء وتعطيل آليات المحاسبة والمراقبة، وتاليا سرقة الصندوق السيادي مع “الشقيقة الكبرى”، في إشارة إلى السعودية. وقال إن الطاغية في الخليج إذا أراد البطش بمواطنيه، يرفع شعار “مكافحة الارهاب”، وإذا أراد تصفية خصومه يرفع شعار “مكافحة الفساد”، موضحا أن أمير الكويت لا يختلف عن الملك السعودي سلمان وابنه محمد، فجميعهم طغاة فاسدون مستبدون.
ولفت د. إبراهيم إلى أن مشعل الأحمد، ومن أول خطاب له في مجلس الأمة، كان واضحا أنه يمهّد لعملية انقلابية واسعة النطاق، وما زيارته إلى الرياض ولقاؤه بالملك سلمان في 30 يناير الماضي إلا لإعداد خطة الانقلاب على الديمقراطية.
وأوضح أن حكام السعودية، ولعقود خلت، كانوا يطالبون أمراء الكويت بإلغاء مجلس الأمة، وتغيير الدستور، إلا أن الجواب كان سلبيا إلى أن جاء مشعل الأحمد، وحقق الرغبة السعودية، لغاية في نفسه ونفس حلفائه في الرياض، متحدثا عن شائعات بأن مشعل يسعى لتحويل نظام الحكم في الكويت من إمارة إلى مملكة، وتعيين ابنه وليا للعهد، ويكون الحكم وراثيا مع تقليص صلاحيات مجلس الأمة.
وأضاف أن ماقام به أمير الكويت مشعل بتغيير الدستور، هي خطوة سبقه إليها الملك السعودي سلمان بتغيير مواد في النظام الاساسي للحكم “على تفاهته”، فقط من أجل إفساح الطريق لابنه محمد للوصول إلى العرش بطريقة نظامية، محذرا من أن الكويت تدخل مرحلة عصيبة في ظل “انقلاب قصر” آخر يشهده الخليج بعد انقلاب الرياض في يونيو 2017.
واستغرب د. إبراهيم التبريكات بانقلاب مشعل على الدستور والمؤسسة الدستورية الأولى، قائلا إن الخوف سابقا كان من رجال الدين الذين يضفون مشروعية على اقترافات الطغاة بمصادرة مكتسبات الأمة، إلا أن اليوم، الخوف من جحافل المتنطعين، الذين تجدهم على منابر الجامعات وفي محطات التلفزة والإذاعات وفي الصحف والمجلات. ولفت إلى أنه حين يتصالح المثقف مع ذاته يكون تلقائيًا مع الديمقراطية، ويأنف من أي مساس بمكتسبات الشعب، وفي حال بارك الانقلاب على الديمقراطية فهو إما منافق أو ليس مثقفا في الأصل بل دخيل عليها، موضحا أنه ما ضيّع مكتسبات الشعوب إلا “أفيون” “سمعا وطاعة ولو جلد ظهرك”، وهو ما يزيد الطغاة غيا وطغيانا، ويزيد المرجفين جرعة أفيون الاستقالة وابتكار ذرائع الانسحاب وإخلاء الساحة أمام الطغاة ليعيثوا فسادًا في مال الله وانتهاكًا لحقوق عباده.
ونبه إلى أن الحل، في حال وقوع أخطاء في التجربة الديمقراطية ليس بالعودة الى الديكتاتورية بل بالمزيد من الديمقراطية.
مشددا على أن ما حصل في الكويت هو انقلاب صريح على الديموقراطية، معتبرا أنه حتى تتعرف على الطبيعة الانقلابية لقرارات أمير الكويت مشعل الاحمد إقرأ مواقف حكام الخليج وكأنهم في حال استنفار واستعدادًا للتدخل لمواجهة أي طارىء قد تشهده الكويت..ماحصل في الكويت بالأمس هو انقلاب على الديمقراطية وكفى.
ارسال التعليق