الاخبار
السعودية في أسبوع: من 08 إلى 14 نوفمبر 2025
في هذا الأسبوع لم تكن المملكة دولة تبحث عن “اتفاق دفاعي” و”صفقة مقاتلات متطورة” وحسب؛ كانت قبل كل شيء مسرحًا مكشوفًا لشبكة خوف متشابكة: وليّ عهدٍ يركض نحو واشنطن وتل أبيب، وجهاز أمن يطارد خصومه في الخارج، وقضاء يُلوِّح بالمشانق في الداخل، وأسرة حاكمة تتبادل الاتهامات بالتشبيك والنهب عبر تسريبات صوتية فاضحة.
أولًا: محمد بن سلمان بين حرب الملفات واتفاقات الدفاع
على الخط الأميركي، تتقاطع ثلاثة مسارات في لحظة واحدة: تقارير عن مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، وأحاديث عن اتفاق دفاعي شامل مع واشنطن، وضغط رئاسي أمريكي صريح لإنجاز التطبيع قبل أن تطأ قدما ولي العهد أرض العاصمة الأميركية.
تسري تقارير عن اتصالات تقودها واشنطن لعقد مفاوضات بين الرياض وتل أبيب، يُفترض أن يُعلن عنها بالتزامن مع زيارة ولي العهد المقبلة للولايات المتحدة.
الحديث لا يدور عن لقاء بروتوكولي، بل عن صفقة كاملة: اتفاق دفاعي، وصفقات تسليح تشمل مقاتلات “إف–35”، وبرنامج نووي “سلمي” تحت إشراف أميركي مباشر، مقابل أن يقدّم ابن سلمان ما يسميه البعض “الجائزة الكبرى”: توقيع رسمي على التطبيع المؤجَّل مع إسرائيل، بعد أن جرى التعاون الأمني والاستخباراتي في الخفاء لسنوات.
الخط الآخر أكثر فجاجة: تقرير يكشف عن اتصال سري بين الرئيس الأميركي وولي العهد، يقال إن الأول قال فيه بوضوح: “لقد أنهيت حرب غزة، والآن أريد منكم بدء عملية تطبيع العلاقات مع إسرائيل”.
الرسالة بسيطة: أمن الكرسي في الرياض يمر عبر تلبية الطلبات في واشنطن وتل أبيب.
في المقابل، تصرّ منظمات حقوقية على أن زيارة ولي العهد يجب أن تُفتح بملف الإعدامات والقمع، لا بصور المصافحة والابتسامات.
بيان مشترك لأكثر من عشر منظمات يوثّق تصاعد الإعدامات إلى 300 حالة هذا العام، بينها قُصّر ومتَّهمون في قضايا مخدرات لا ترقى إلى “أشد الجرائم خطورة”، ويتهم السلطة باستخدام المقصلة كأداة سياسية لـ“سحق المعارضة السلمية”.
ثانيًا: “بن سلمان حاول اغتيالي”… الجبري يعود إلى قلب المعركة
في الخارج، يطلّ وجه آخر من وجوه الصراع: مسؤول أمني سابق لــ آل سعود، يتّهم ولي العهد بمحاولة اغتياله، ويجرّ معه خزائن الأسرار إلى قاعات المحاكم في كندا والولايات المتحدة.
سعد الجبري، الذي كان ذات يوم “العمود الفقري للمنظومة الأمنية السعودية”، يعيش اليوم تحت حماية مشددة في كندا، ويتحدث عن محاولة تصفيته عبر فرقة خاصة ترتبط بالجهاز الذي نفّذ عملية قتل الصحافي السعودي (خاشقجي) في قنصلية بلاده.
في روايته، ليست القضية “اختلاس مليارات”، بل تصفية شاهد ثقيل يعرف تفاصيل التمويل السري، والتنسيق الأمني مع الغرب، والعمليات المشتركة التي لا تريد واشنطن ولا الرياض أن ترى النور.
الجبري – وفق ما تنقله التقارير – طالب القضاء الأميركي بإجبار مسؤولين أمنيين سابقين في الولايات المتحدة على الشهادة لصالحه، لإثبات أن الأموال موضع النزاع كانت تُصرف في عمليات مشتركة بموافقة أميركية.
وزارة العدل ردّت بـ“امتياز أسرار الدولة” لإغلاق الباب، في رسالة واضحة: حماية الشريك أهم من كشف الحقيقة.
هكذا يتحوّل خصم محمد بن سلمان من متهم بالفساد إلى حامل مفاتيح رواية أخرى: من يدير المال السري؟ ومن يملك الحق في الكلام؟
ثالثًا: التسريب الصوتي "للأمير" سلطان بن مشعل… العائلة تشتم نفسها
على خط موازٍ، يأتي التسريب الصوتي لـ سلطان بن مشعل آل سعود ليهشّم صورة “العائلة المتماسكة”.
سلطان يهاجم ولي العهد مباشرة، متّهمًا إياه بأنه حاول اعتقاله في حملة “مكافحة الفساد” عام 2017، ويصف تلك الحملة بأنها “عملية انتقائية” هدفها إحكام السيطرة داخل الأسرة، لا محاسبة الفاسدين.
التسجيل لا يكتفي بالطعن في شرعية الحملة؛ بل يذهب إلى قلب ما يسميه السعوديون “التشبيك”: وضع اليد على أراضي الدولة.
يتهم سلطان رأس الدولة نفسه بالاستيلاء على مساحات شاسعة من الأراضي، ويصف الظاهرة بأنها “نظام قائم” لا حالات فردية.
الأخطر هو الجملة التي تحوّلت إلى أيقونة سوداء لهذا الأسبوع:
“لا تسألني من وين جبت الفلوس… اسأل أبو الملف الأخضر العلاقي.”
في سطر واحد، يلخّص سلطان هوّةً سحيقة بين ثروة لا تُسأل عن مصدرها، وشعب يُساق إلى السجون لأجل تغريدة.
يتحدث عن وزير عدل يُقال إن له “سجلًا في مصحة نفسية”، وعن تغوّل أسر بعينها على مفاصل السلطة، وعن محاكمات انتقائية داخل البيت الحاكم نفسه.
هنا لا يتّهم المعارضون النظام؛ بل بعضه يتهم بعضًا، بصوت مسرَّب إلى العلن.
رابعًا: وجه الداخل – من “أطفال بلا وطن” إلى مدن إنستغرام
بعيدًا عن طبقة الأمراء، تتكشّف طبقة أخرى من الخراب: نساء مهاجرات نُزعت عنهن الحماية، وأطفال وُلدوا على أرض المملكة بلا جنسية، بلا وثائق، وبلا مستقبل، نتيجة نظام لا يرى في الولادة خارج الورق الرسمي حقًّا إنسانيًا، بل مخالفة تستوجب العقاب والنفي ويترك الضحايا تحت رحمة الشرطة والسفارات.
شهادات عاملات منازل أفريقيات تصف أطفالهن وهم ينامون على الأرصفة قرب محطات الوقود، في بلد ينفق المليارات على مهرجانات وواجهات ترفيهية.
في الوقت نفسه، تُضخ الأموال في منتجعات فاخرة على البحر الأحمر، وفي مشاريع تروَّج عبر صور مصقولة ولقطات طائرات مسيّرة؛ بينما تتحدث تقارير عن تجميد مشاريع صحية وتعليمية، وتعثّر مشاريع كبرى مثل المدينة المستقبلية الموعودة، وتحوّلها إلى مجرّد منصة دعائية.
حتى الفضاء الاجتماعي البسيط الذي صنعه الناس لأنفسهم خارج هندسة “الترفيه الرسمي” لم يسلم؛ مخيمات صحراوية عائلية حول الرياض تُجرف بالجرافات بحجة “العشوائية”، في مشهد يوحي بأن السلطة لا تحتمل حتى أن يختار المواطن شكل جلسته في البرّ إذا لم يكن تحت مظلة موسم رسمي وراعي تجاري وكاميرا رسمية.
على الضفة الأخرى، تُستخدم مبادرات رقابية تشاركية – كمنصات الإبلاغ عن المخالفات – في إنتاج “مجتمع يراقب نفسه”، مع مكافآت مالية لمن يرصد المخالفين، في حين يظل سؤال: من يراقب من يستولي على أرض الدولة وثروتها؟ معلَّقًا بلا جواب.
خامسًا: القبضة الأمنية الممتدة من اليمن إلى عنق الداخل
خارج الحدود، تستمر حرب اليمن كظل ثقيل.
تقارير من صنعاء تتحدث عن تفكيك شبكة تجسس تديرها غرفة عمليات مشتركة تضم أجهزة أميركية وإسرائيلية وسعودية من داخل الأراضي السعودية، وتتهم هذه الشبكة بتقديم إحداثيات عن مواقع مدنية وعسكرية.
في المقابل، يروِّج الإعلام المقرّب من الرياض لرواية أن خصمها اليمني “قابل للهزيمة”، وأن الضربات الأميركية والإسرائيلية أحدثت فراغات في قيادته.
في داخل المملكة، الإعدامات تتسارع، والمنظمات الحقوقية توثق إعدام قُصّر ومتهمين في قضايا مخدرات، وتصف وعود السلطة بتقييد عقوبة الإعدام بأنها “زائفة”.
عائلات سجناء في تبوك تنقل “الكلمات الأخيرة” لأبنائها قبل التنفيذ، وتقول إنهم لم يُمنحوا فرصة الوداع أو محاكمة عادلة.
وبينما تصدر النيابة العامة تحذيرًا صارمًا ضد “التعصب القبلي” وتتوعد من يثيره بالملاحقة، تبقى العصبية الوحيدة المسموح بها هي عصبية الولاء السياسي؛ القبيلة محرّمة، أما الانتماء إلى مركز السلطة فمطلوب ومكافأ.
خلاصة الأسبوع:
أسبوع المملكة بين 8 و14 نوفمبر 2025 يرسم خريطة مركّبة:
ولي عهد يسعى إلى تثبيت عرشه باتفاق دفاعي مع واشنطن وتطبيع مموّه مع تل أبيب، جهاز قضائي يرفع منسوب الإعدامات إلى أرقام قياسية، جهاز أمني يلاحق خصومه من كندا إلى تبوك، وأسرة حاكمة يخرج من داخلها صوت أمير يقول للعالم: الفساد ليس تهمة معارضة، بل لغة البيت من الداخل.
في الخلفية، أطفال بلا وطن ينامون على أرصفة العاصمة، ومخيمات شعبية تُجرف باسم التنظيم، ومليارات تتنقل بين صندوق سيادي بلا رقابة ومشاريع ترفيهية تقيس النجاح بعدد “اللايكات”، بينما تُصاغ دولة جديدة على قاعدة بسيطة:
الخوف هو البنية التحتية الحقيقية، وكل ما عداه زخرفة على جدار هشّ.
ارسال التعليق