ابتزاز وبلطجة
السلطات السعودية تتعمد عرقلة العمل المناخي العالمي
تؤكد تقارير دولية حديثة أن نظام الحكم في "السعودية" يقف كحجر عثرة أساسي وأكبر معرقل للجهود العالمية لإنقاذ الكوكب من كارثة المناخ الوشيكة. ففي الوقت الذي تتسارع فيه وتيرة التغير المناخي لتهدد حياة ملايين البشر، يواصل النظام السعودي، مدفوعاً بعائدات نفطية هائلة تحقق لشركة أرامكو أرباحاً تصل إلى 170 ألف دولار في الدقيقة الواحدة، استخدام نفوذه المالي لعرقلة، وتأجيل، وإضعاف أي اتفاق دولي جاد بشأن خفض الانبعاثات.
ليست هذه العرقلة مجرد ممانعة عابرة، بل هي استراتيجية ممنهجة يراها النظام السعودي دفاعاً عن بقائه الاقتصادي والسياسي، إذ أن التخلي عن الوقود الأحفوري يمثل تهديداً وجودياً لأسرته الحاكمة واقتصاده الريعي. يكشف هذا التقرير عن الأساليب التي يتبعها النظام السعودي في تحطيم العمل المناخي وتأثير هذه السياسات على العالم وعلى الشعب السعودي نفسه.
وصف خبراء المناخ النظام في "السعودية" بأنه "كرة الهدم الدبلوماسية" في مفاوضات المناخ الدولية. فمنذ عقود، وتحديداً منذ بداية المحادثات الأممية قبل ثلاثين عاماً، بذلت "السعودية" قصارى جهدها لإجهاض المعاهدة المناخية العالمية. وتمكنت، بالتعاون مع حلفائها من الدول الغنية بالنفط ضمن تحالف "أوبك"، من تحقيق نصر محوري ومدمّر: إلغاء استخدام التصويت في اتخاذ قرارات مفاوضات الأمم المتحدة للمناخ واستبداله بشرط "الإجماع". وهذا الشرط منح النظام السعودي، الذي يمتلك احتياطي النفط الثاني الأكبر عالمياً، قوة "فيتو" فعالة على أي تقدم بيئي عالمي، مما أدى إلى "شلل" المحادثات.
ومنذ ذلك الحين، أتقن النظام السعودي لعبة القواعد الإجرائية المعقدة للمفاوضات، وأصبح أستاذاً في إبطاء العملية، ساعياً لضمان "تحقيق أقل قدر ممكن، وبأبطأ وتيرة ممكنة". وقد استُخدمت أكثر من عشرة تكتيكات لعرقلة أي قرار يطالب بالتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري. فبينما يتمسك النظام السعودي بمبدأ أن الدول الصناعية الكبرى هي التي تتحمل المسؤولية التاريخية عن الانبعاثات، فإنه في الوقت ذاته يعترض على أي ذكر صريح للتخلص من الوقود الأحفوري. كما يمارس ضغطاً وابتزازاً بالإصرار على ربط أي إجراء لمساعدة الدول الضعيفة على التكيف مع الاحترار العالمي بضرورة تعويض الدول الغنية بالنفط عن خسائر المبيعات المتوقعة، وهذا نهج هدفه الأساسي هو المماطلة والتأجيل.
وقد امتد التخريب الدبلوماسي لـ "السعودية" من مفاوضات المناخ إلى اجتماعات بيئية دولية أخرى. فخطط وضع حد أقصى لإنتاج البلاستيك انهارت بعد معارضة من "السعودية" وحلفائها، كما تم إحباط اتفاق تاريخي لفرض ضريبة كربون على الشحن الدولي. ووصل الأمر إلى حد إضعاف التقارير العلمية المؤثرة للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، حيث تعمل "السعودية" بشكل ممنهج على "إضعاف، وتخفيف، وإزالة" أي إشارة إلى أهداف "صافي الانبعاثات الصفرية"، رغم أنها هي نفسها تعلن عن هدف "صافي انبعاثات صفري" بحلول 2060. هذا التناقض الصارخ يؤكد أن الهدف الحقيقي هو حماية التدفق النقدي النفطي فوق كل اعتبار.
يكمن الدافع العميق لعرقلة "السعودية" في حماية التدفق النقدي الهائل لشركة أرامكو التي تحقق أرباحاً يومية تصل إلى 250 مليون دولار. فالنفط السعودي يمتاز بسهولة استخراجه، حيث لا تتجاوز تكلفة برميل النفط 2 دولار، وهذا الهامش الربحي الخيالي هو ما يغذي النظام وخططه الضخمة.
وبحسب المحللين، فإن طموح النظام ليس التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، بل هو العمل على "احتكارها" مع تقلص الإمدادات العالمية مستقبلاً. وهذا يعني أن "السعودية" تسعى لأن تكون "آخر لاعب صامد" في سوق الطاقة، لضمان استمرار هيمنتها العالمية. وتأكيداً لهذا الهدف، كانت أرامكو صاحبة أكبر خطط توسع قريبة الأجل لإنتاج النفط والغاز في العالم خلال عام 2024.
ولضمان وجود العملاء، كشف تقرير ل"ذا غارديان" عن ما يسمى "برنامج استدامة الطلب على النفط"، وهو خطة استثمار عالمية ضخمة تهدف إلى "ربط" البلدان النامية، وخاصة في أفريقيا، بمنتجاتها النفطية والغازية. لقد صُممت هذه الخطة لزيادة الطلب على الوقود الأحفوري، وهو ما وصفه النقاد بأنه إدمان إجباري للدول على "منتجات النظام السعودي الضارة" من أجل إبقاء خزينته ممتلئة وتمويل المشاريع المليارية ضمن "رؤية 2030"، مثل مدينة "نيوم" التي تحتاج إلى سعر نفط 96 دولاراً للبرميل لموازنة ميزانيتها.
المأساة الكبرى تكمن في أن النظام الذي يعرقل العمل المناخي الدولي، يضع شعبه مباشرة في واجهة الكارثة البيئية. حيث أن "السعودية" هي من أكثر مناطق العالم عرضة للاحترار العالمي، حيث تصف التقارير الظروف المعيشية فيها بأنها "على شفا عدم الصلاحية للسكن".
لقد ارتفع متوسط درجة الحرارة في "السعودية" بما يقرب من ثلاثة أضعاف المعدل العالمي، وارتفعت الوفيات المرتبطة بالحرارة بشكل مأساوي، حيث توفي ما لا يقل عن 1300 حاج في موجة حر خلال عام 2024 وحده. ويحذر العلماء من أن أسوأ السيناريوهات المناخية يمكن أن تشهد موجات "حرارة فائقة" تصل إلى 56 درجة مئوية، وزيادة معدلات الوفيات المرتبطة بالحرارة بمقدار 63 ضعفاً.
وفي مفارقة تبعث على السخرية، يشير تقرير الصحفية البريطانية إلى أن ارتفاع منسوب سطح البحر الناتج عن التغير المناخي يهدد بالفعل بإغراق محطات النفط الساحلية الرئيسية التي تديرها أرامكو، مثل رأس تنورة وينبع، وهي الشرايين التي تنقل 98% من صادرات النظام النفطية. إن هذا التناقض الصارخ يكشف عن نظام لا يبالي بمستقبل شعبه ولا بالتهديد الوجودي الذي يلوح في الأفق، طالما استمر تدفق الدولارات النفطية اليوم.
على الرغم من إطلاق "السعودية" لمبادرات خضراء وخطط لزيادة حصة الطاقة المتجددة محلياً، فإن خبراء المناخ يرون أن هذا التحول الداخلي ليس دليلاً على إخلاص النوايا. فالاستثمار في الطاقة الشمسية والرياح محلياً أمر منطقي اقتصادياً لأنه أرخص بكثير. ولكن التفسير الحقيقي لهذا التوجه يندرج ضمن "استراتيجية ثلاثية المحاور" للنظام: حيث يبدو أن الهدف المعلن هو إزالة الكربون من إنتاج الكهرباء داخلياً، بينما الهدف الخفي هو أن استغلال الكهرباء المتجددة محلياً يقلل من الاستهلاك الضخم للنفط والغاز داخل "السعودية"، مما يعني توفير مليارات الدولارات من النفط للتصدير إلى السوق العالمية بدلاً من حرقه محلياً.
وبالتالي، فإن ما يتم تقديمه كجهد "أخضر" هو في الحقيقة عملية تجارية بحتة تهدف إلى تحرير المزيد من النفط وبيعه عالمياً، مما يزيد من إجمالي الانبعاثات الكوكبية ويصب المزيد من الأموال في خزائن النظام، كل ذلك لتغطية التكاليف الباهظة لمشاريع "رؤية 2030" العملاقة.
يكشف التقرير بوضوح أن النظام السعودي لا يكتفي بعدم المساهمة في الحل، بل هو العائق الأكبر والفاعل في تفاقم أزمة المناخ. كما أن عرقلة العمل المناخي من قِبل نظام يعتمد على وقود أحفوري أصبح يشكّل تهديداً وجودياً للبشرية، هي جريمة تُرتكب تحت غطاء الدبلوماسية.
ارسال التعليق