اقتصاد
الفساد باقي ويتمدد في بلاد الحرمين
أثارت تسجيلات صوتية مسرّبة للأمير سلطان بن مشعل آل سعود جدلًا واسعًا على منصّات التواصل الاجتماعي، لتفتح الباب مجددًا أمام ملف فساد مستفحل داخل عائلة آل سعود الحاكمة في بلاد الحرمين، وتسلّط الضوء على عمق الصراع الداخلي وغياب الشفافية والمساءلة.
وتشير مضامين التسريبات التي نشرها الإعلامي المصري عبد الله الشريف، إلى حدة الفساد المتجذر في أعلى مستويات السلطة، وهي اتهامات نادرًا ما تصدر من داخل الأسرة المالكة نفسها، ما جعلها تحظى بمتابعة واسعة داخل المملكة وخارجها.
وفي التسجيلات التي سرّبت خلال الساعات الماضية، يوجه الأمير سلطان بن مشعل هجومًا مباشرًا وغير مسبوق على ابن عمه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، قائلًا إن الأخير سعى عام 2017 إلى اعتقاله ومحاكمته ضمن حملة “مكافحة الفساد” الشهيرة التي شهدت احتجاز عشرات الأمراء ورجال الأعمال في فندق الريتز-كارلتون.
ويشير الأمير إلى أن تلك الحملة لم تكن سوى “عملية انتقائية”، هدفها إحكام السيطرة داخل الأسرة الحاكمة وإقصاء خصوم ولي العهد، وليس مكافحة الفساد كما روّجت السلطات في حينه. ويذهب الأمير أبعد من ذلك، مطالبًا بمحاكمة محمد بن سلمان نفسه، معتبرًا أنه لا يحق له محاسبة الآخرين في ظل ما يصفه الأمير بـ”تجاوزات” ولي العهد وبقية المتنفذين.
ولم يتوقف الأمير عند هذا الحد، بل وجّه شتائم مباشرة للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، في خطوة نادرة تكشف عمق الشرخ داخل الأسرة الحاكمة، وتطرح تساؤلات حول حجم الخلافات التي يُعتقد أنها أعمق مما يظهر للرأي العام.
واحدة من أبرز النقاط التي أثارها الأمير في التسجيلات تتعلق بما يعرف في السعودية بـ”التشبيك”، وهي عملية وضع اليد على الأراضي العامة أو الخاصة دون وجه حق، مقابل نفوذ أو سلطة.
وأكد الأمير سلطان بن مشعل أن هذه الممارسة ليست مجرد حالات فردية، بل “نظام قائم” داخل المملكة، يتورط فيه كبار المسؤولين والأمراء.
واتهم الأمير الملك سلمان نفسه بالاستيلاء على أراضٍ ضخمة تصل قيمتها إلى ملايين الريالات، في إشارة إلى أن ظاهرة التشبيك محمية من أعلى مستويات السلطة.
وتأتي هذه التصريحات في وقتٍ تزايدت فيه شكاوى المواطنين السعوديين من نزع ملكياتهم أو تعطيل معاملاتهم المرتبطة بالأراضي، ما يعزز الانطباع بأن الفساد العقاري أحد أكثر ملفات المملكة حساسية.
من القضايا اللافتة التي تضمنتها التسريبات، ما قاله الأمير حول وزير العدل السعودي وليد الصمعاني، مدعيًا أن الأخير لديه “سجل في المصحة النفسية”.
وتساءل الأمير كيف يمكن لشخص بهذه الخلفية – على حد قوله – أن يتولى منصبًا حساسًا مرتبطًا بإرساء العدالة وضمان نزاهة القضاء.
ورغم عدم إمكانية التحقق من صحة هذه الادعاءات بشكل مستقل، إلا أن مجرد صدورها من أحد أفراد الأسرة الحاكمة يعكس حالة التذمّر من منظومة التعيينات داخل الدولة، والتي يرى منتقدون أنها تعتمد على الولاء السياسي أكثر من الكفاءة أو المعايير المهنية.
شدد الأمير سلطان بن مشعل في التسريبات على أنه لا يتولى أي منصب حكومي، ولم يُقسم اليمين للحفاظ على ممتلكات الدولة، متسائلًا: “كيف تحاسبني؟”، في إشارة إلى أن أغلب أفراد العائلة المالكة الذين يشغلون مناصب عامة يديرون ثروات وممتلكات عامة دون رقابة.
ويقول الأمير إنه طالب ولي العهد بمحاسبة بقية الأمراء المتورطين في إدارة مؤسسات الدولة، معتبرًا أن حملة الريتز كانت انتقائية واستهدفت فئة معينة، بينما جرى التغاضي عن أمراء آخرين تورطوا – بحسب قوله – في قضايا أكثر خطورة.
كما أن أحد المقاطع التي أثارت ضجة واسعة هو حديث الأمير عن مصادر أمواله، حيث قال: “لا تسألني من وين جبت الفلوس.. اسأل أبو الملف الأخضر العلاقي”، في إشارة ساخرة إلى ملفات طلبات التوظيف التي يستخدمها السعوديون، وكأنه يقول إن السؤال عن مصادر الثروة أمر بلا معنى في ظل الفوضى والفساد المتجذر داخل الدولة.
هذه الجملة تحديدًا أصبحت محور نقاش واسع بين السعوديين، كونها تعكس غياب الشفافية في إدارة الثروة داخل العائلة المالكة وغياب آليات الإفصاح والمحاسبة.
كما انتقد الأمير ما وصفه بـ”تغوّل آل الشيخ” داخل مفاصل الدولة، عازيًا ذلك إلى شبكة واسعة من المحسوبيات والزواج المتبادل بين العائلات النافذة، ما مكّن هذه العائلة تحديدًا من التمدد في مفاصل الوزارات والهيئات دون ضوابط حقيقية.
وبالمجمل تشكّل هذه التسريبات، بمضامينها الحادة وغير المسبوقة، دليلًا جديدًا على حجم الفساد المستفحل داخل منظومة الحكم في السعودية، كما تُظهر أن الصراع داخل الأسرة الحاكمة يتجاوز المنافسة التقليدية إلى اتهامات علنية تتعلق بالمال والسلطة والشرعية.
ورغم أن السلطات السعودية لم تعلّق رسميًا على التسجيلات حتى الآن، إلا أن متابعي الشأن السعودي يرون أن هذه التسريبات، سواء كانت كاملة الدقة أو لا، تعكس أزمة حكم عميقة تمتد من داخل العائلة المالكة إلى أجهزة الدولة، وتكشف عن نظام يقوم على المحسوبية والانتقائية وغياب الرقابة الحقيقية، في بلد يعلن قادته أنهم يسعون إلى الإصلاح والشفافية.
ارسال التعليق