خفايا التحفظات السعودية على مفاوضات التجارة الحرة الصين
لطالما ترتكزت العلاقات بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي البالغ عمرها أكثر من 20 عاماً بشكل رئيسي على استثمارات البنية التحتية وتجارة البضائع والنفط، ولكنها امتدت في السنوات الأخيرة أيضا إلى مجالات التكنولوجيا والأمن لكن وبشكل مفاجىء وصل الجانبان إلى طريق مسدود، بسبب تحفظات سعودية على قائمة من السلع طرحتها بكين لإعفائها من رسوم الاستيراد الخليجية، وجاء الكشف عن هذا التعثر بناء على مصادر مطلعة، حسب رويترز، نتيجة مخاوف سعودية من تأثير محتمل للواردات الصينية الرخيصة على طموحات المملكة في التحول إلى قوة صناعية".
من الجدير بالذكر أن الصين والدول الخليجية عززوا التعاون الاقتصادي في السنوات القليلة الماضية، ما أثار قلق الولايات المتحدة التي تعد منذ فترة طويلة الشريك الأمني الأساسي للدول الخليجية.
أما السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق، هل تعثر المفاوضات جاء لمجرد تحفظات أم خطوة على طريق التوقف الكامل للمحادثات؟ وهل العلاقات السعودية الأمريكية الأخيرة لها يد في هذا التعثر المفاجئ؟
لطالما دعمت المملكة العربية السعودية مساعي مجلس التعاون الخليجي، الذي يضم السعودية والإمارات وقطر والكويت وسلطنة عمان والبحرين، على مدى العامين الماضيين بشكل خاص لإبرام اتفاق طال انتظاره مع الصين، وبشكل عام بدأت الصين ودول مجلس التعاون الخليجي محادثات تجارية منذ ما يقرب من 20 عاماً.
والصين من أبرز المستوردين لموارد الطاقة الخليجية، إذ بلغ حجم تبادلها التجاري مع الدول الخليجية، وفقاً لبيانات الجمارك الصينية، نحو 286.9 مليار دولار في 2023، فيما تستحوذ السعودية على ما يقرب من 40٪ منه، في سياق متصل تعقد المملكة العربية السعودية شراكات مع شركات صينية، من أجل بناء صناعة تحويلية في البلاد، بهدف تطوير قدرات وخطوط تصنيع محلية
بعد الكشف عن وصول المفاوضات المنتظرة منذ زمن إلى طريق مسدود أشارت "رويترز" إلى أن التعثر جاء نتيجة "مخاوف سعودية من تأثير محتمل للواردات الصينية الرخيصة على طموحات المملكة في التحول إلى قوة صناعية.
"حيث تعود الأسباب المعلنة لتعثر المفاوضات إلى تحفظات سعودية على قائمة من السلع طرحتها بكين لإعفائها من رسوم الاستيراد الخليجية فالسعودية قلقة من تضرر برنامجها الصناعي من جراء منتجات صينية منخفضة التكلفة، تشبه تلك التي تأمل المملكة في تصنيعها محلياً.
إلا أن مصادر مطلعة على المفاوضات المتعثرة بينت أن اتفاقاً للتجارة بين الصين والخليج الفارسي ليس مستبعداً، لكن إتمامه يحتاج إلى أن يتوصل السعوديون والصينيون لتسوية.
العلاقات الصينية السعودية لم تكن تقتصر على البعد الاقتصادي المتمثل بتوقيع اتفاقيات اقتصادية ضخمة بين البلدين منها مذكرات تفاهم للتوفيق والدمج بين "مبادرة الحزام" الصينية وبين "رؤية المملكة العربية السعودية لعام 2030″، ما يدل على البعد الاستراتيجي الذي كانت تتخذه العلاقات بين البلدين، فالمعتاد والمتوقع لدى جميع المراقبين أن تقوم العلاقات الثنائية بين البلدين بشكل أساسي على البعد الاقتصادي، وهذا صحيح وهو ما ينطبق على هذه الحالة بالفعل، حيث تعد الصين حالياً الشريك التجاري الأول للمملكة العربية السعودية على مستوى الاستيراد والتصدير السعودي، ولكن العلاقة تعدت المجال الاقتصادي لتشمل مجالات أخرى كالأمن والتكنولوجيا، وتنسق من أجل ملفات استراتيجية وأهمها مسألة "أمن الطاقة العالمي" التي أصبحت الشغل الشاغل للمجتمع الدولي ودوله الكبرى بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وهو ما استغلته السعودية لتثبت نفسها كفاعل دولي قوي في الساحة الدولية وشريك استراتيجي للقوى الكبرى، وهكذا تلاقت التطلعات وتقاطعت المصالح السعودية الصينية لتنتج عنها علاقات استراتيجية أقوى وأوسع نطاقاً، وكان الحدث الأبرز الذي برهن على قوة وتنامي الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وذلك بعد نجاح الوساطة الصينية لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران فلطالما كانت الولايات المتحدة تحتكر هذا الملف في علاقتها مع الرياض.
لكن بكين بدأت تتبنى دوراً استراتيجياً يتخطى التوسع الاقتصادي على المستوى الدولي، وهو دور تتدخل بموجبه في السياسات الإقليمية والأزمات الدولية بما يخدم مصالحها ومصالح شركائها.
ولكن بعد أحداث "طوفان الأقصى" في الـ7 من أكتوبر، تشرين الأول، عاد التساؤل عن مدى إمكانية استبدال الوافد الصيني بالغياب الأمريكي، ومدى نجاح القيادة السعودية في تحقيق هذه التوازن الدولي في سياستها، وذلك بعد أن أثبتت تطورات الحرب الحالية بين كيان الاحتلال الإسرائيلي وحماس أن واشنطن ما زالت الفاعل الأكبر في الشرق الأوسط، وذلك لكونها صاحبة الوجود العسكري الأقوى والأشد تأثيراً، ولا سيما في الدول الخليجية والسعودية تحديداً، حيث تمتلك واشنطن عدة قواعد عسكرية ذات قدرات دفاعية جوية وصاروخية عالية على الأراضي السعودية، وقد أثبتت التحركات والمواقف السياسية السعودية تجاه هذه الأزمة الأخيرة أن الرياض ما زالت تنسق وتتعاون مع واشنطن بالدرجة الأولى في القضايا الأمنية والإقليمية، بينما كان التأثير والتحرك الصيني طفيفاً جداً حتى على مستوى التواصل الدبلوماسي مع دول المنطقة، الأمر الذي دفع للتساؤل هل اليد الأمريكية الخفية وراء تعثر المفاوضات الاقتصادية السعودية الصينية؟ وخصوصاً بعد أن كشفت رويترز عن حجم الضغوطات التي تمارسها الولايات المتحدة بشكل متزايد بغية عرقلة التعاون بين الصين والدول الخليجية، ويشمل ذلك تحديد مواعيد نهائية للمفاضلة بين التكنولوجيا الأمريكية والصينية.
ارسال التعليق