ضحى محمد بن سلمان برجل المهام القذرة
كان يُوصف بأنه "الذراع اليمنى" لمحمد بن سلمان، لكنه اختفى عن الأنظار بعد تورط بلاده في عملية قتل الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية الرياض في إسطنبول، بالثاني من أكتوبر 2018.
إنه باختصار سعود القحطاني، الذي كان يُلقب أيضاً بـ"وزير الذباب الإلكتروني"؛ بعدما كلفه بن سلمان إدارة الحملات الإعلامية على منصات التواصل الاجتماعي، لـ"تلميع صورة السعودية، والهجوم على المعارضين وشيطنتهم".
وبعدما كان "الآمر الناهي"، أقال الملك سلمان بن عبد العزيز، في 20 أكتوبر 2018، "القحطاني" من منصبه مستشاراً بالديوان الملكي السعودي، بعد اتهامه بأنه هو من أشرف شخصياً على عملية قتل "خاشقجي"، وأعطى الأوامر للقتلة من خلال تطبيق "سكايب"، ليتوارى المسؤول المثير للجدل عن الأنظار، لتُطرح تساؤلات حول مصير من يطلق عليه "رجل المهمات القذرة" في النظام السعودي.
غياب مريبوعقب الإقالة، توقف القحطاني عن استخدام "تويتر"، وهو منصة دأب على استخدامها لمهاجمة منتقدي المملكة، في 23 أكتوبر 2019، كما غيَّر سيرته الذاتية في ملفه الشخصي إلى "حساب شخصي" بدلاً من مستشار بالديوان الملكي.
ومع اقتراب الذكرى الأولى لقتل خاشقجي بطريقة بشعة كشفتها المخابرات التركية، ووضعت بن سلمان في الزاوية وجعلته غير قادر على المناورة، تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي أنباءً "غير مؤكدة" عن "وفاة أو تصفية" المستشار السابق بالديوان الملكي السعودي سعود القحطاني، بعد تقارير تنبأت باستخدامه كـ"كبش فداء"، لإنقاذ بن سلمان من الورطة.
ناشط فلسطيني يُدعى "إياد البغدادي"، كان قد كشف سابقاً عن تلقيه تهديدات سعودية بالتصفية الجسدية، كتب على حسابه في "تويتر"، متسائلاً عن "وجود أي دليل يثبت أن القحطاني لا يزال حياً".
وتفاعل موقع التغريدات القصيرة مع هذا الرأي ونشر البعض كلاماً مشابهاً، كما استحضر البعض الآخر مصير "فريق الاغتيال"، الذي قدِم خصوصاً إلى إسطنبول لتنفيذ العملية، وأعلن لاحقاً عن مصرع بعض أفراده.
وكانت وكالة "رويترز" قد نشرت تقريراً في منتصف يناير 2019، نقلت فيه عن مصادر غربية وعربية وسعودية على صلة بالديوان الملكي السعودي، قولها: إن "القحطاني لا يزال يتمتع بنفوذ ضمن الدائرة المقربة من محمد بن سلمان".
وبحسب وكالة الأنباء الشهيرة، فإن القحطاني "لا يزال يتصرف نيابة عن الديوان الملكي، كما أنه على اتصال وثيق بولي العهد"، علاوة على استمراره في "توجيه تعليمات إلى مجموعة صغيرة من الصحفيين السعوديين بشأن ما ينبغي أن يكتبوه عن سياسات المملكة".
هل تمت تصفية القحطاني؟وعندما كان رئيساً للمركز الإعلامي الخاص بالديوان الملكي حتى إقالته، كان القحطاني مسؤولاً عن وحدة إعلامية إلكترونية، عُرفت إعلامياً بـ"الذباب الإلكتروني"، وكانت مهمتها الترويج للسلطات السعودية ومهاجمة خصومها على مختلف المستويات الخليجية والعربية والدولية.
وبعد غياب القحطاني عن الساحة، بات ملاحَظاً اختفاء "الذباب الإلكتروني"، وهو الجيش الذي كوَّنه، فضلاً عن أعداد كبيرة من المخترقين (الهاكرز)، كانت تُستخدم في توجيه الرأي العام على الشبكات الاجتماعية المختلفة.
وقلَّت الحملات الممنهجة والحسابات الوهمية، التي غزت "تويتر" عقب الأزمة الخليجية، التي افتعلتها دول حصار قطر، في 5 يونيو 2017، وهو ما يطرح تساؤلات حول مصير القحطاني، الذي كان وثيق الصلة بتلك الحملات وكان يشرف عليها شخصياً.
وما يعزز فرضية اختفاء القحطاني والسؤال عن مصيره، وهل لا يزال على قيد الحياة، هو ما ذكرته صحيفة "يني شفق" التركية، في أكتوبر 2018، بأن أحد أعضاء فريق اغتيال خاشقجي لقي حتفه في حادث سير بالعاصمة السعودية، في إشارة إلى احتمالية تصفية السلطة له، لإخفاء خيوط القضية.
وذكرت الصحيفة المقربة من الحكومة التركية، أن "مصادر، لم تسمّها، أبلغتها أن المُلازم في سلاح الجو الملكي السعودي، مشعل سعد البستاني (31 عاماً) قُتل مع أسراره في حادث سير".
جاء هذا بعد أيام قليلة من إعلان صحيفة "الوطن" السعودية تزييف اسم أحد أعضاء فريق اغتيال خاشقجي، زاعمةً أنه متوفى منذ سنوات في حادث مروري، في إشارة إلى "عبد العزيز شبيب البلوي"، وهو ضابط سعودي.
كبش فداءفي السياق ذاته، كشف حساب "العهد الجديد"، على "تويتر"، أن جاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصهره، نصح بن سلمان بالتخلي فوراً عن مستشاره المقرب سعود القحطاني وتقديمه "كبش فداء" في قضية اغتيال خاشقجي.
وذكر الحساب، الذي يحظى بمتابعة أكثر من 386 ألف شخص ويختص بتسريب ما يدور داخل أروقة البلاط الملكي السعودي، أن كوشنر أجرى اتصالاً هاتفياً بـ"بن سلمان"، منتصف أغسطس 2019، أكد خلاله أن قضية خاشقجي تأخذ منحنى خطيراً في الكونغرس، مشدداً على ضرورة تقديم القحطاني إلى المحاكمة.
وأضاف نقلاً على لسان كوشنر لـ"بن سلمان": "لا تستهِن بمؤسسات النظام الأمريكي، لأن القضية قد تصل إلى مرحلة لا نستطيع حمايتك فيها من الكونغرس، لذا عليك التخلي فوراً عن ذلك المستشار".
وتزامناً مع تلك الأنباء، وصل بشكل مفاجئ، خالد بن سلمان، شقيق ولي العهد السعودي وسفير المملكة لدى أمريكا، إلى واشنطن الأربعاء (28 أغسطس) بعد مغادرتها إبان التحقيقات حول جريمة خاشقجي، وتسريب معلومات حول نصيحة وجهها إلى الصحفي السعودي بزيارة السفارة السعودية.
وسبق أن حثَّ وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو والمسؤولون في الإدارة الأمريكية "بن سلمان"، منذ أشهر، على محاكمة القحطاني، الذي اتهمته النيابة العامة السعودية في نوفمبر 2018 بأن دوره كان "الاجتماع بالفريق المكلف إعادة خاشقجي"، مؤكدةً منعه من السفر ووجوده رهن التحقيق.
وفي هذا السياق، ذكر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني أن بن سلمان يريد إغلاق ملف القضية بأسرع ما يمكن، بتسريع محاكمة "مُنفِّذي" الجريمة، حتى "لا تتم إثارة الموضوع في الحملات التي تسبق انتخابات الرئاسة الأمريكية المقرر تنظيمها في نوفمبر 2020".
وكان القحطاني قد بدأ حياته بالكتابة في موقع "إيلاف" المقرب من الديوان الملكي السعودي تحت اسم "سعود عبد الله الجارح"، ثم انتقل لصحيفة "الرياض" يكتب بالاسم نفسه، قبل أن يصبح الجو مهيّأً لأن يكتب باسمه الصريح.
في 2003، أصبح مستشاراً قانونياً في سكرتارية ولي العهد ثم مديراً لدائرة الإعلام بالمكان نفسه في 2004، قبل أن يعيَّن نائباً للمدير العام لمركز الأرصاد الإعلامي في الديوان الملكي عام 2005، ليتولى في نهاية العام ذاته منصب المشرف العام على مركز الدراسات والشؤون الإعلامية بالديوان الملكي، ثم منصب مستشار في الديوان الملكي بمرتبة وزير.
ارسال التعليق