لهذا وَأَدت السلطات السعودية مؤسسات المجتمع المدني
بعدما وَأَدت واستأصلت السلطة السعودية مؤسسات المجتمع المدني في الداخل ومنعت مؤسسيها من العمل المستقل ولاحقتهم وحاكمتهم، استغلت ذلك التغيب المتعمد في ممارسة كافة أشكال الانتهاكات الحقوقية والسياسية، من قمع وقتل وسجن وتعذيب واغتصاب وتهديد وملاحقة واغتيال وتهجير قسري وتدمير الأحياء السكنية وغيرها.
ونفذت ذلك بمنهجية دقيقة بدأتها بإلغاء المجتمع المدني ثم سجن المصلحين، وإقصاء المواطن من المشاركة في صنع القرار، وإثقال كاهله بالرسوم والضرائب من جانب، وتغيب وعيه من جانب آخر عبر العبث بعقول الشباب وفرض الانحلال الأخلاقي والمجتمعي بتبني سياسات غربية وتكثيف الفعاليات الترفيهية التي تتعمد إلهاء الشعب عن حقيقة الأوضاع.
وفي أعقاب ذلك، زادت هجرة المعارضين ممن لم يتمكنوا من معايشة الأوضاع بالداخل، إلى دول تفسح المجال لمؤسسات المجتمع المدني لممارسة دورها، ومارسوا عملهم من الخارج، حتى بلغ المجتمع المدني المهاجر من السعودية، وزناً أثقل من أن تتمكن السلطة من مقارعته، أو استيعابه، أو تشتيته، أو مناورته، أو تصفيته.
ولأن غياب مؤسسات المجتمع المدني يثقل أعباء المجتمع ومعاناته لعدم وجود رقابة على سلوك السلطة والمؤسسات الحكومية والقضاء، التي تستخدم التعتيم كأحد أدواتها لتغيب الحقوق والحقيقة، حتى تبقى الرواية دائماً من طرف واحد، بات لزاما تجديد الدعوة للسماح بهذه المؤسسات والتذكير بدورها، والمطالبة بإطلاق سراح معتقليها.
المعارض السعودي عبدالرحمن عطيف، قال إن مؤسسات المجتمع المدني حين كانت موجودة في السعودية رغم القمع والمطاردة كانت تجمع شهادات انتهاكات حقوق الإنسان مثل التعذيب، والقتل تحت التعذيب، والاعتقال التعسفي، وكانت ترفع قضايا على الجهات الحكومية المسؤولة عن هذه الانتهاكات.
وأوضح في حديثه مع الرأي الآخر، أن تلك المؤسسات كانت تكتب وتعلن أسماء هؤلاء الأشخاص المتهمين بالانتهاكات والتي ضمت ضباط في وزارة الداخلية، وأفراد من الأسرة الحاكمة، موضحا أن هذه المراقبة والرصد والمتابعة الحقوقية، ومساعدة ضحايا القمع الممنهج كانت تخيف السلطات وتقيّد حركتها في القمع.
وأشار عطيف، إلى أن السلطة السعودية كانت تخشى تصاعد حركة هذه المنظمات، واستمرار الإعلان عن الشخصيات الحكومية المتورطة في الانتهاكات، وانعكاس هذا على بناء حراك داخلي منظم داخل المجتمع، خاصة أن تواجد هذه المؤسسات في السابق ترافق معه خروج عدد من المظاهرات.
ولفت إلى أن فترة تواجد هذه المنظمات أيضا شهدت تنظيم بعض الاعتصامات أمام وزارة الداخلية وهيئة التحقيق والادعاء العام – النيابة العامة حالياً- والتي تمت بترحيب ومراقبة منظمات المجتمع المدني الأهلية المستقلة عن الحكومة، موضحا أن هذا الصوت المدني تم قمعه بشدة في نهاية عهد الملك عبدالله ووزير الداخلية محمد بن نايف.
وأضاف عطيف، أن القمع ازداد بشكل غير مسبوق في عهد الملك سلمان وابنه محمد بن سلمان؛ وطال القمع جميع التيارات والناشطين في المجال العام، ولم يعد هناك رقيب على الحكومة وانتهاكاتها، وزادت الاعتقالات التعسفية، والإخفاء القسري والتعذيب، ونزع الأملاك بالقوة والتهجير القسري بلا رقيب ولا محاسبة، مما جعل السلطة تتمادى في الانتهاكات.
ارسال التعليق