معركة “ذي قار”.. آخر تقليعات بن سلمان في تزوير التاريخ
تحت إسم “محارب الصحراء”، أعلنت مجموعة “إم بي سي” السعودية عن تعاونها مع شركتي الإنتاج العالميتين “JB Pictures” و”AGC StudiosK”، لتصوير فيلم يجسد معركة “ذي قار” الشهيرة التي قامت في جنوب العراق بين العرب والفرس.
وكانت المعركة انعكاساً لوجه من وجوه وحدة القبائل القاطنة في شبه الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي، ي حين تحيط بها إمبراطوريات ضخمة تتعاقب على ممارسة النفوذ عليها، قبل أن تستنهض هند بنت النعمان بن المنذر القبائل العربية للاتحاد معاً لمواجهة كسرى فارس، التي انتهت بأول انتصار للعرب على الفرس في معركة شهيرة باسم “ذي قار”، نسبة إلى المكان الذي وقعت فيه.
وتبرز أهمية المعركة في الخصم الذي فاق العرب سلطة وعدداً، مما جعل المؤرخين يعدونها ملحمة من ملاحم تاريخ المنطقة. ملحمة الملايين الـ 140 وتعمل مجموعة “إم بي سي” ممثلة في أستوديو الإنتاج الخاص بها، بالتعاون مع شركتي الإنتاج العالميتين “JB Pictures” و”AGC StudiosK”، على تصوير العمل تحت اسم “محارب الصحراء”.
وبحسب معلومات حصلت عليها “اندبندنت عربية”، فإن تحالف المنتجين الثلاثي قد خصص مبلغ 140 مليون دولار لتقديم العمل، وهو ما لم ينفه الرئيس التنفيذي لـ “AGC studios”، ستيوارت فورد، في الوقت الذي تحفظت فيه “إم بي سي” على مناقشة أو تأكيد المعلومات الخاصة بالجانب المالي من المشروع.
يذكر أن العمل يتم تصيره حالياً في مدينة أحلام محمد بن سلمان “نيوم”، ومدينة التبوك “السعودية”. ليس المبلغ المرصود للعمل وحده ما يثير الاستهجان بل ما تبنته السردية التاريخية من تزييف للحقائق بنسبها القبائل العربية إلى مستوطنين للأراضي السعودية قبل 1400 عام.
ولقد أثار المنشور على تويتر حملة من الانتقادات الواسعة، حيث اعتبر الدكتور عباس كاظم في تغريدة على حسابه الخاص ” هل ينوي الفلم أن يقول إن معركة ذي قار حدثت في القصيم، مثلاً؟ ثم كيف استوطن عرب العراق، أو حتى عرب الجزيرة العربية، “الأراضي السعودية” قبل أن يولد ابن سعود بأكثر من ألف و100 سنة؟ 140 دولار مبلغ كبير، لا توظفوه في مغالطات تاريخية وجغرافية”.
وأضاف الكاظم في تغريدة أخرى قائلاً “من فلم الناصر صلاح الدين إلى فلم القادسية، مروراً بمئات الأعمال التاريخية، أثبت القائمون على هذا النوع من الفن أنهم لا يتسطيعون مقاومة رغبتهم في تمرير سرديات فئوية على حساب الأمانة التاريخية، فعبثوا بذاكرة أمة بكاملها.
“ من جهته غرّد حساب أبو ذر الغفاري معلقاً على الخبر “استوطنوا الأراضي السعودية؟!! هههه..حالكم تثير السخرية والشفقة معاً” أما ميار فقد استهجنت المبلغ المرصود للفيلم وغرّدت بالقول ” دافعين 140 مليون دولار حتى تكولون القبائل سكنت بأراضي سعودية؟!! زين منو كان قائد الجيوش لا يكون سعود؟ ولتكون المعركة حدثت بجدة أو تبوك؟” يذكر أن منطقة العلا، شمال غربي “السعودية”، انتهت قبل أسابيع من تصوير عمل ضخم آخر بعنوان “قندهار”، بطولة جيرارد بتلر، والذي يحكي قصة استخباراتية أميركية في أفغانستان، وتشارك “إم بي سي” في إنتاجه أيضاًوهو انتاج إلى ذلك، تم الانتهاء من تصوير فيلم “قندهار” العام الفائت، شركتا Thunder Road Films و”كابستون” بمشاركة شبكة قنوات “MBC” في الشرق الأوسط.
الأمر الذي يطرح تشاؤلات حول أهداف الشركة “السعودية” من وراء مشاركتها في انتاج أعمال تصوّر في “المملكة”، أم أن الأمر يتم بعد وضع حصر رصدها للمال بشرط تبني “السعودية” وجهة لتصوير العمل.
في الحالتين، يظهر جليا أن الأمر مرتبط بالغسيل الفني هذه المرة، فبعد العديد من الاحياءات الفنية على مستوى الموسيقى والغناء، احتضنت “السعودية” في جدة مهرجانا سينمائيا، كما روجت مؤخرا لحفل صناع الترفيه في موسم الرياض الذي استضاف عددا من نجوم العالم الذين أدوا فريضتهم التملقية والدعائية، ورهبتهم بما وصفوه “التطور”.
اليوم تذهب مجموعة “إم بي سي” السعودية إلى نطاق أوسع، فبعد فشلها في تحقيق ما كانت تتوخاه من سياسات الترويج والغسيل الرياضي، وما تلاها من حملات حقوقية واعلامية رافقت تملّك صندوق الثروة السيادي لنادي نيوكاسيل البريطاني، يقحم محمد بن سلمان في مقامرة جديدة غير مدروسة أساليبها وأدواتها.
وفي وقت سابق، قالت “هيومن رايتس ووتش” إن الحكومة “السعودية” أنفقت مليارات الدولارات على استضافة الأحداث الترفيهية والثقافية والرياضية الكبرى كاستراتيجية متعمدة لحرف الأنظار عن صورتها كدولة ترتكب انتهاكات متفشية.
وقال مايكل بيج، نائب مدير قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “ينبغي أن يتمتع المواطنون والمقيمون في السعودية بالفعاليا الترفيهية والرياضية من الدرجة الأولى، لكن ينبغي أن يتمتعوا أيضا بالحقوق الأساسية مثل حرية التعبير والتجمع السلمي.
لذا، عندما تتقاضى مجموعة من نجوم هوليوود والرياضيين الدوليين وغيرهم من المشاهير العالميين أموالا حكومية لأداء عروضهم في السعودية، بينما يسكتون عن السجل الحقوقي للحكومة، فإنهم يعززون استراتيجيةً لتلميع انتهاكات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان” ولفتت المنظمة إلى أن تعزيز السمعة يعدّ قطاعا هائلا للأعمال.
فيه تبيع شركات العلاقات العامة صراحةً الوعد بتحسين السمعة، ولكن العديد من العلاقات التجارية الأخرى، لا سيما تلك التي تضم فنانين بارزين ورياضيين وسياسيين، تقدم مزايا قيّمة متصلة بالسمعة.
لطالما أدركت الحكومات أهمية القوة الناعمة لشركات العلاقات العامة والمشاهير في تشكيل التصوّرات حول سياساتها. وبينما يمكن استخدام هذه القوة لغايات مفيدة، مثل تعزيز السياحة أو المنتجات المحلية، يمكن أن يؤدي لجوء القادة إلى شركات العلاقات العامة أو المشاهير لتلميع سجلاتهم الحقوقية السيئة إلى تشتيت الجهود لمحاسبتهم على هذه الانتهاكات.
من الجدير الذكر، أن “الهيئة العامة للترفيه” أنشئت في 2016 لتنظيم وتطوير قطاع الترفيه ودعم بنيته التحتية، وتخطط لاستثمار مليارات الدولارات في الموسيقى، والترفيه، والرياضة، والفن، والأفلام، وغيرها.
يرأس الهيئة تركي آل الشيخ، وهو مستشار مقرب من محمد بن سلمان.
ارسال التعليق