هكذا نهب ال سعود الحجرة النبوية الشريفة.. وهذه نهاياتهم
بقلم: محمد الوليدي…
في عام ١٨٠٢ حاصرت جيوش ال سعود المدينة المنورة بعد احتلالها مكة المكرمة، فمات الناس جوعاً، ومنهم من فرّ منها هائماً على وجهه لا يدري أين يمضي “غلت الأثمان وأكلت الناس الجيف والكلاب”، هكذا يصف مؤرخ الوهابيين؛ ابن بشر مشهد حصار المدينة المنورة على يد سعود الكبير بن عبدالعزيز؛ حفيد محمد بن سعود وحفيد محمد بن عبدالوهاب (ابن ابنته).
وحين تمكّنوا من اقتحامها، ما رحموا أحداً حتى الذين استسلموا قتلوهم ولاحقوا الفارين، وقتلوا من تمكنوا من اللحاق بهم حتى الأطفال والنساء لم تسلم أعناقهم من سيوفهم.
“كما قتلوا من وجدوا في المساجد والبيوت ولاحقوا الفارين من المدينة فقتلوا أكثرهم، وأعطوا الأمان للبعض فلما استسلموا ضربوا أعناق فريق منهم، وأخرجوا فريقاً إلى أحد الأودية، واسمه وادي الوج، فتركوهم مكشوفي العورة ومعهم النساء”، هذا ما سجله د.محمد عوض الخطيب في كتابه صفحات من تاريخ الجزيرة العربية الحديث.ص. ١٧٨.
ومن ثم توجّهوا للحجرة النبوية الشريفة واعتدوا على حراسها ونكلوا بهم حين رفضوا فتح باب الحجرة النبوية لهم، وبعد أن سيطروا على المكان دخل اللصوص حجرته الشريفة -صلى الله عليه وسلم- غير آبهين بحرمته، وهم حسب ما ورد في تحقيقات الدولة العثمانية في اعترافات آخر أمراء الدرعية؛ عبدالله بن سعود:
١) اللص الأول: سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود.
٢) اللص الثاني: جبر الشمري؛ كاتب سر اللص الأول.
٣) اللص الثالث: عبدالله بن عيسى بن مطلق الاحسائي.
٤) اللص الرابع: غصاب بن شرعان العتيبي.
٥) اللص الخامس: حباب بن قحيطان المطيري.
٦) اللص السادس: قاضي المدينة المنورة وقاضي الدرعية أحمد بن رشيد الحنبلي.
٧) اللص السابع: إبراهيم بن سعيد؛ أمير منفوحة.
أصيب اللص الأول سعود الكبير بمرض غريب بعد عودته إلى الدرعية، كان يرى الطعام فيه كوحش كاسر من شدة الآلام التي يعانيها بعد الأكل، قال مؤرخ الوهابيين ابن بشر: داء في بطنه، ومصادر أجنبية ذكرت أنه سرطان نادر في الأمعاء، ظل على هذا الحال لثماني سنوات حتى مات.
اللص الثاني: جبر الشمري، فقد مرض أيضاً، ومع المرض تحمل اللوم الأكبر فيما جرى للدولة السعودية الأولى، فقد تبيّن فيما بعد أنه كان “مدبر أمور آل سعود”، كما كشفت تحقيقات الدولة العثمانية مع آخر أمراء الدرعية، وقد تم التخلص منه في تصفيات داخلية بعد استسلام الأمير عبدالله بن سعود وإحالته للتحقيق.
اللص الثالث: عبدالله بن عيسى بن مطلق، تمكّن منه إبراهيم باشا، قائد الجيش العثماني في بداية حصار الدرعية، وكان من مشاهير مشايخهم، فعذّب عذاباً شديداً حتى أصيب بشبه جنون، فاستسلم ودلّهم على كل ما يعرفه من ممتلكات أمراء آل سعود وآل الشيخ في نجد مقابل أن يعطيه إبراهيم باشا منصباً، فاصطحبوه في كلّ مكان في نجد حتى وصلوا لممتلكاتهم في الأحساء بواسطته، وفي الأحساء بعد انتهاء مهمته، أعطوه المنصب الذي أراد، فقد عذبوه حتى الموت.
اللص الرابع: غصاب العتيبي، قائد الخيالة في الجيش الوهابي، كان من الملامين على المصير الذي انتهت فيه دولتهم الأولى لشدة إجرامه ووحشيته وعدم مبالاته، وكاد أن يقتل لأسباب غامضة، فهرب بليل في أثناء حصار الدرعية وتوجّه إلى مقر إبراهيم باشا وأخبره بكل نقاط الضعف في الدرعية والجهة الأفضل لاقتحامها، وفعلاً تم اقتحام الدرعية بناء على ما أعطاه معلومات، فشكره إبراهيم باشا ثم أمسك به وتفنن في قتله، كان يعرف عن جرائمه التي ارتكبها من قبل، فلم يحتمل إبراهيم باشا أن يبقيه حياً.
اللص الخامس: حباب المطيري، لا يعرف كثير عنه سوى أنه ذبح في إحدى معارك السلب والنهب مع بعض القبائل بعد انهيار الدرعية، وأن القاتل تزوج من ابنته!.
كان أحد أخطر قادة الجيش الوهابي المتوحشين، اختاره سعود الكبير بن عبدالعزيز وتبناه، لأنه الوحيد الذي قَبِل بالأكل من الصحون التي كانت رؤوس عمومته من شيوخ مطير المقطوعة فوقها، وذلك حين قام سعود الكبير بقطع رؤوس شيوخ مطير المساجين لديه ووضعها على الطعام وقدّمه لوفد مطير الذي جاء ليشفع لشيوخهم من المساجين، وكان حباب من الوفد الذي جاء ليشفع، وقتل الوفد ما عداه، بعض المصادر تذكر أنه كان صغيرَ سن حينها.
لذا اختير حباب للمهمات الوحشية، رافق سعود في العديد من المعارك ومنها احتلال مكة والمدينة، حيث شاركه في السطو على الحجرة النبوية. (يوجد الآن شارع في الرياض يحمل اسمه!).
اللص السادس: أحمد الحنبلي، ألقي القبض عليه بعد اقتحام الدرعية عذّب لأيام ومن ثم كسروا جميع أسنانه، وأرسلوه من أجل التحقيق معه في القاهرة وفيها مات.
اللص السابع: إبراهيم بن سعيد، مات مباشرة بعد عودته إلى منفوحة من عملية السطو.
ثمة مصادر تتحدث أنّ من بين من اشتركوا في عملية السطو على الحجرة النبوية مجموعة من أبناء سعود، في كل الأحوال جميع أولاده البالغين تمت تصفيتهم في أثناء حصار الدرعية ما عدا تركي والذي مات مريضاً، وربما تم تسميمه كما تذكر بعض المصادر..
غضب الله فوق الدرعية:
كانت الدرعية خلال الستة أشهر التي حوصرت فيها، أشبه ما تكون بمدينة الآثام المغضوب عليها، أو مدينة سدوم أو مدينة بمبي الإيطالية أو مدينة قطاع طرق ولصوص لاقت قدرها فصار كل واحد فيها يتهم الآخر ويشك في الآخر، كل من يحمل سراً وكل من يتهم بأنه سيبوح بسر كان يقتل، رعب لا مثيل له، لا أحد يمشي خطوة إلا وسلاحه بيده ولا أحد ينام إلا وسلاحه بجانبه، كانت من أعجب مدن الله، فالموت كان يحاصرها من الخارج ويحاصرها من الداخل؛ كانت إرم ذات العماد ولكن دون عماد، كانت كلها بحجارتها وبأسوارها وبيوتها وكل ساكن فيها ضالعة في جريمة، العفو فيها يعدّ مستحيلاً. فكم سال فيها من دموع السبايا العربيات التي انتهك أعراضهن أبناء وأحفاد ابن سعود وابن عبدالوهاب، كم من الدماء التي سالت فيها ظلماً لا لسبب إلا لأنهم لم يتمكنوا من دفع الخمس لضيق اليد لأجل هؤلاء قطاع الطرق، وكم حوت من أرزاق الناس التي نهبوها من أيدي الناس في سني الجوع والقحط وهم يعيشون في عيش رغيد، بل إن أحد الجواسيس شبه قصر اللص سعود الكبير في الدرعية بقصور ملوك فرنسا لما حواه من تحف وجواهر!.
وبعد كل هذا ما شبعوا فنهبوا حجرة خير البرية، وجاؤوا ببعضها لعاصمتهم، بعد أن باعوا ما تبقى هنا وهناك.
ولا تعتقد أيها القارئ الكريم أننا نتحدث عن كمية قليلة، فقد حمل ما نهبوه على عشرات الإبل من الحجرة النبوية، فقد كان فيها تاج كسرى أنو شروان وعقد زبيدة وسيف هارون الرشيد ومئات السيوف الذهبية والمرصعة بالجواهر و”كوكب الحجر الدري”، الذي لا يقدر بثمن، وغير ذلك من قناديل الذهب والفضة والمباخر والقماقم والجواهر الثمينة واللؤلؤ، كنوز رهيبة قدمت للحجرة النبوية الشريفة على مدى مئات السنين من خلفاء الدولة الأموية والعباسية والعثمانية وأمراء العالم الإسلامي، حتى أن الدولة العثمانية حين اضطرت للمال في حربها مع الروس، نصحها بعضهم باستخدام كنوز الحجرة النبوية، ولكنها رفضت رفضاً قاطعاً؛ لأنها اعتبرتها من أجل حماية مدينة رسول الله أن تهدّدها أيّ خطر وعجز المسلمين عن الدفاع عنها ذلك لضيق اليد، فحينها تستخدم هذه الكنوز.
بيّنت تحقيقات الدولة العثمانية في نهب الحجرة النبوية عن شخص متواطئ من المدينة المنورة وهو حسن القلعجي، وقد قبض عليه وأرسل إلى إسطنبول وأعدم هناك.
كما أظهرت التحقيقات في إسطنبول مع ابن اللص الأول “عبدالله بن سعود” اعترافه ومن برفقته، وهما كاتبه ويدعى: “عبدالعزيز بن سلمان” وخازنه ويدعى “عبدالله السري” بجميع أسماء المذكورين أعلاه وأنكر عبدالله بن سعود أي علاقة بالسرقة أو النهب، أو أن أخذ شيئاً من المنهوب، وأنه لا يعلم ما مصير المنهوب سوى ما وصل في هذا الصندوق، والذي لا يحوي سوى اليسير جداً مما نهب، ولكن في التحقيق الثاني اعترف بأن جزءاً قد باعه والده سعود إلى الشريف غالب ولنسيبه، محمد بن محسن العطاس، وأن من المنهوبات ما أرسل للهند كي يباع هناك، بعد تحرير المدينة المنورة ألقي القبض على الشريف غالب ونفي إلى سالونيك حيث مات عن عمر ٢٨ عاماً.
كما اعترف عبدالله بن سعود أن ما في الصندوق سلمته له أخته “موضي” لعلمها أن السلطات العثمانية ستسأله عن هذه المنهوبات.
أُعدم بعد التحقيقات:
عندما اقتحمت الدرعية قتل أكثر من ثلاثمائة من آل سعود ومن آل عبدالوهاب وما يقرب من ألفين من أهل الدرعية، هؤلاء الثلاثمائة كان إبراهيم باشا في غاية الحرص أن يأتي بهم أحياء من أجل التحقيق معهم، فكيف قتلوا؟! لا ننكر أن بعضهم قتل في لعبة الحرب، ولكن حتماً ليس جميعهم ولا حتى نصفهم! كان الموت الذي يخافون منه من الخارج أرحم بكثير من موت الداخل.
منذ سنتين لم يقصّ إبراهيم باشا شعره وهو العهد الذي أخذته أمه عليه أن لا يقصّه إلا بعد إزالة الدرعية بالكامل، فأمر بإزالتها كاملاً وكان له ما أراد ثم ذهب ليقصّ شعره، لتنتهيَ الدولة السعودية الأولى التي كتبت نهايتها منذ اللحظة الأولى التي بلغ بقادتها الجرأة لنهب حجرة خير البرية (ص).
ارسال التعليق