هل يتمكّن سلمان وابن زايد من الاستيلاء على ثورة الخرطوم؟
أفادت العديد من المصادر الإخبارية بأن الانتفاضات والاحتجاجات الشعبية في السودان، أدّت في النهاية إلى إسقاط سلطة "عمر البشير" وتولّي المجلس العسكري الانتقالي زمام الأمور في هذا البلد الإفريقي، ولفتت تلك المصادر إلى أن السعودية والإمارات لعبتا دوراً أساسياً في تعيين ذلك المجلس العسكري بما يتماشى مع أهدافهما التخريبية في المنطقة ولمصادرة تلك الثورة وتلك الاحتجاجات الشعبية بما يخدم مصالحهما في القارة السمراء، وذلك لأنهما يعتقدان بأنه لو نجحت الثورة السودانية ولم يكن للسعودية والإمارات دور بارز فيها فإنه من المحتمل أن تنسحب الحكومة السودانية الجديدة من تحالف السعودي الذي يقوم بالكثير من الجرائم الإنسانية في اليمن.
وحول هذا السياق، أشار المحلل السياسي "خالد الجيوسي"، إلى العلاقة بين التحالف العسكري السوداني والسعودية والإمارات، حيث قال: "عندما يؤكد المجلس العسكري السوداني استمرار مشاركته العسكرية في التحالف السعودي الذي يشن حرباً همجية على أبناء الشعب اليمني، فإن هذا يعني بأن "عبد الفتاح البرهان"، رئيس المجلس العسكري السوداني يعدّ وكيلاً للسعودية والإمارات، وذلك لأنه شكر مؤخراً هذين البلدين على دعمهما للمجلس العسكري السوداني، قائلاً إن دعم الإمارات والسعودية كان له تأثير كبير على هذه المرحلة التي تشهد الكثير من التطورات في الساحة السودانية".
وأكد "الجيوسي" أن أحد المطالب الرئيسية للشعب السوداني كان الانسحاب من الحرب اليمنية وألّا يصبح الجيش السوداني مرتزقاً، لكن يبدو أن قادة المجلس العسكري السوداني يتحركون نحو تأجير الجيش السوداني لبعض دول المنطقة وعلى رأسها السعودية والإمارات من أجل الحصول على المال.
وهذا الأمر أصبح واضحاً أيضاً في الدور المشبوه للسعودية والإمارات في ليبيا، حيث أفادت العديد من المصادر الإخبارية بأن الرياض وأبو ظبي قدمتا الكثير من الدعم المالي والعسكري لقائد الجيش الوطني الليبي، الجنرال "خليفة حفتر" لكي يتمكن من القضاء على حكومة الوفاق الوطنية الشرعية وتولّي زمام الأمور في ليبيا.
وأضاف "الجيوسي" أن تمديد فترة المجلس العسكري السوداني لثلاثة أشهر والحديث عن الاتفاقات التي أضعفت آمال الشعب السوداني من إمكانية إحداث تغييرات حقيقية في ظل حضور قادة سودانيين تابعين للسعودية والإمارات، وهذا الأمر يؤكد بأن تطلعات الشعب السوداني وثورته وأحلامه تمّت مصادرتها من قبل أمراء الدسائس الخليجيين، ولهذا يجب على شعب السودان مواصلة الاحتجاجات السلمية والبحث والتحرّي من أجل الحصول على بيان قانوني يؤكد الدور المشكوك والمشبوه الذي يقوم به قادة المجلس الانتقالي السوداني لخدمة مصالح الرياض وأبوظبي.
مع اقتراب مرور شهر على الإطاحة بـ"عمر البشير"، بدأت تبرز على نحو أكثر وضوحاً محاولات كل من السعودية والإمارات، لتقديم نفسهما كمنقذ سياسي واقتصادي للسودان.
لكن الخبراء الاستراتيجيين والمحتجين السودانيين يقابلون عروض هذه الدول بكثير من الحذر، مخافة تكرار تجربة "البشير" نفسها فيما يتعلّق بتقديم خدمات مدفوعة الثمن، على غرار قرار المشاركة إلى جانب التحالف السعودي الغاشم في حرب اليمن.
وعلى الرغم من أن قرار الاحتجاجات الثورية على نظام "البشير" كان ذاتياً من قبل الشعب السوداني، إلا أن الرياض وأبو ظبي، حاولتا حرف مسار هذا الحراك، وتسخير التطورات لمصلحة أجندتهما في المنطقة.
وحول هذا السياق كشفت تغريدة لوزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية "أنور قرقاش" عن تدخل بلاده في الأحداث الجارية في السودان، عقب الإطاحة بنظام "عمر البشير" ولقد وضّحت تغريدة "قرقاش" بشكل كامل التدخلات الإماراتية في المنطقة برمتها، حيث قال "يحق للدول العربية بشكل كامل دعم انتقال منظّم ومستقر في السودان"، وأضاف "لقد عانينا من الفوضى الشاملة في المنطقة، ومن المنطقي ألّا تكون لنا حاجة للمزيد منها".
وفي وقت سابق انتقدت صحيفة نيويورك تايمز موقف إدارة الرئيس "دونالد ترامب" الذي تراه سلبياً تجاه تدخل السعودية والإمارات في أحداث السودان.
وفي سياق متصل نشرت صحيفة وول ستريت جورنال مقالاً أشارت فيه إلى أن الرياض وأبو ظبي وجدتا فرصة في تعزيز مصالحهما الاستراتيجية في القرن الإفريقي، لكن المحتجين السودانيين الذين يطالبون بحكومة مدنية التفتوا إلى التحركات الأخيرة، وحملوا لافتات تحذّر الرياض وأبو ظبي من أنهما لن يتحكّما بمستقبل البلاد.
وفي السياق ذاته، كشف التقرير السنوي لحالة السلم والأمن في إفريقيا، أن التدخلات الإماراتية بالقرن الإفريقي أسهمت في تعقيد العلاقات الثنائية بين دول المنطقة، وهو الأمر الذي يقود إلى إفشال أي مساع للإصلاحات الإقليمية.
وقال التقرير، الذي أُطلق ضمن النسخة الثامنة من منتدى "تانا" للسلم والأمن المقام بمدينة "بحر دار" شمالي إثيوبيا، إن ما تفعله الإمارات من عسكرة بمنطقة البحر الأحمر ستكون له تداعيات أمنية عديدة على المنطقة.
يذكر أن الإمارات والسعودية دخلتا منطقة القرن الإفريقي منذ أكثر من عشر سنوات، مدفوعتان برغبتهما في خدمة أطماعهما التوسعية بالقرن الإفريقي، والتصدي للدور التنموي الذي تؤديه عدد من دول العالم الإسلامي في تلك المنطقة، وإفشال مشاريعها التنموية هناك.
في نهاية المطاف، توكد العديد من التقارير بأن التدخلات السعودية والإماراتية لم تجد من يقتنع بها داخل البيت السوداني، وخاصة في صفوف الحراك الثوري، وذلك لأن السودانيين يدركون جيداً بأن كل ما تريد أن تقدّمه هذه الدول من خدمات، سيكون السودان في غنى عنها بعد الإطاحة بـ"البشير".
ويؤكد العديد من المراقبين أن تلك الدول ستجد نفسها في حاجة أكثر مما مضى للسودان بعد تعافيه السياسي والاقتصادي، خصوصاً السعودية، التي تدرك تماماً أن بقاء الجنود السودانيين في اليمن، هو خط الدفاع الأول عن أمنها من هجمات الجيش اليمني وجماعة الحوثي.
ارسال التعليق