هل تعلم
وعود مشروع نيوم الرنانة تتحول إلى صحراء قاحلة
بعد ثماني سنوات من إطلاق مشروع "نيوم" الموصوف بأنه مدينة المستقبل، تكشف التقارير أن ما تحقق على الأرض لا يعكس سوى نسخة باهتة من ضاحية في الصحراء، بعيدة كل البعد عن الصورة الثورية التي روّج لها ولي العهد محمد بن سلمان. الكاتب توم رافينسكروفت في موقع Dezeen يرى أن المشروع الذي أنفق عليه ما يقدّر بـ50 مليار دولار حتى الآن، لم ينتج "حضرية راديكالية"، بل "ضاحية عقيمة محاطة بالرمال".
بحسب ما نقلته صحيفة ذا تايمز، اعترف أحد المسؤولين السعوديين قائلاً: "اندفعنا بسرعة 100 ميل في الساعة… نحن الآن ندير عجزًا ونحتاج إلى إعادة ترتيب الأولويات"، في إشارة إلى أزمة تمويل تضرب المشروع.
الرمز الأبرز في "نيوم"، أي مشروع "ذا لاين" الذي كان من المفترض أن يمتد على 170 كيلومترًا ويضم أكثر من مليون نسمة، لم يتجاوز مرحلة الحفر، وفق Dezeen. الخطط تقلّصت بشكل كبير إلى 300 ألف ساكن فقط، وهو رقم يصفه الكاتب بأنه "طموح مفرط". أما المهندس النمساوي وولف بريكس، الذي شارك في مرحلة التصميم، فقد توقع أن يتحول المشروع المتوقف إلى "فندق فاخر" مهجور وسط الصحراء، وهي نبوءة يراها رافينسكروفت تقترب من التحقق.
وفي الجبال، يبدو أن مشروع منتجع تروجينا للتزلج يواجه المصير نفسه. فبعد أن كان من المفترض أن يُنجز عام 2026، تنقل ذا تايمز عن مسؤول سعودي قوله إن الموعد سيتأخر "ثلاث أو أربع سنوات"، فيما عبّرت اللجنة الأولمبية عن شكوكها بشأن قدرة المشروع على استضافة دورة الألعاب الآسيوية الشتوية عام 2029.
أما المشروع الوحيد الذي رأى النور فعلاً فهو جزيرة سندالة الفاخرة، التي افتتحت بحضور نجوم مثل توم برادي وويل سميث وأليشيا كيز. لكن حتى هذا "الإنجاز" لم يصمد، إذ كشفت وول ستريت جورنال أن المنتجع أغلق فعليًا بعد فترة قصيرة، دون أسباب واضحة، في دلالة على احتمال وجود "نقص في الطلب" على كل ما يتم بناؤه في "نيوم".
ورغم الدعم المباشر من ولي العهد وموارد صندوق الاستثمارات العامة الذي يبلغ 925 مليار دولار، يبدو أن الزخم الأولي قد انكسر. وفق Dezeen، تمت إقالة الرئيس التنفيذي للمشروع نظمي النصر وسط تقارير عن "وفيات للعمال وانتهاكات حقوقية"، كما فُرضت مراجعة شاملة قد تؤدي إلى "تسريح واسع" في صفوف الموظفين.
في المقابل، ما تم بناؤه بالفعل في الصحراء ليس مدن المستقبل، بل "مخيمات ضخمة" لإيواء 140 ألف عامل. ويصف رافينسكروفت هذه المستوطنات بأنها "مدن صغيرة محاطة بالأسوار وبنقاط حراسة، أشبه بمستعمرات منعزلة في وسط العدم". صور الأقمار الصناعية التي نشرها Dezeen تظهر كتلًا متماثلة من وحدات سكنية بلا روح، وغرفًا مكتظة بأسِرّة بطابقين، ومرافق جماعية أشبه بمنتجعات منخفضة التكلفة.
الأكثر غرابة، كما يصف الكاتب، هو أن هذه المستوطنات تُحاكي "الضواحي الأمريكية" بتكرارٍ باهت، إذ تحتوي على نسخ مصغّرة من "ستاربكس" و"دانكن" وسط الصحراء. ويقول رافينسكروفت إن "نيوم وعدت بحضرية راديكالية، لكنها لم تنتج سوى ضاحية عقيمة مكررة في صحراء مقفرة".
ويرى الكاتب أن ما يجري في "نيوم" يعكس مأزق المشاريع العملاقة التي ترفع شعارات "الابتكار المستقبلي" لكنها تتجاهل احتياجات الناس الفعلية. وبدلاً من البحث عن "حلول خيالية" في الرمال، يقترح أن تستخدم "السعودية" مواردها لتحسين مدنها القائمة مثل الرياض، التي "كان يمكن تحويلها إلى واحدة من أكثر مدن العالم صلاحية للعيش، بدلًا من أن تتحول نيوم إلى حفرة مالية ضخمة وحرفية في الوقت نفسه".
وفي خاتمة مقاله في Dezeen، يطرح رافينسكروفت سؤالًا لافتًا:
"هل هذا حقًا هو الاتجاه الذي يجب أن تتجه إليه العمارة؟" مشيرًا إلى أن ما يتكشف في "نيوم" قد لا يكون مستقبل المدن، بل دليلًا صارخًا على فشل فكرة "المدن المعلبة" المصممة من الأعلى، حين تُبنى بعيدًا عن الناس واحتياجاتهم الحقيقية.
ارسال التعليق