الحراك الثقافي في الخليج وغزة: "الخَلْجَنة" جدار عازل ومراوحة مذهبية
بقلم: إيمان شمس الدين...
في الجزء الأول من المقال انتهى بنا الكلام إلى معايير الديموقراطية في الدول المتقدمة والقائمة على المشاركة، وفرقها عن الدول الناشئة، والتي يكون فيها النظام غالبا قائما على المغالبة.
يكمن التشابه بين المشاركة والمغالبة في:
1- يتحقق كلاهما عبر مبدأ الديمقراطية كنظام سياسي.
2- صناديق الاقتراع هي الوسيلة التي تعبر فيها الجماهير عن وجهة نظرها، واختيار من يمثل وجهة النظر هذه.
3- التحالفات السياسية، والتي تؤثر على نتيجة الانتخابات.
الفارق الجوهري بين الشكلين هو:
المشاركة غالبا تنبني على أساس برامج إصلاحية، ويكون فيها الناخب متحررا إراديا في الاختيار لوجود استقرار سياسي واجتماعي وتحقق عدالة اجتماعية إلى حد كبير، بالتالي تكون خياراته متعددة في ظل دولة متحققة في الخارج، تقوم بواجباتها تجاه المواطن، ووجود برلمان يقوم بدوره في التشريع والرقابة، ونسبة فساد ضعيفة جدا في الدولة، وسلطة قضاء مستقلة تطبق القانون على الجميع، فهنا تتوسع الرؤى وتصبح إمكانيات المشاركة الحرة دون توجيه أكبر، بحيث يعبر الشعب عن خياراته ويحاسب في صناديق الاقتراع، ويكون مبدأ الكفاءة والاستحقاق هو المهيمن في عملية التوظيف والتوزير والانتخاب، وليس المحاصصات القائمة على الانتماءات المذهبية والطائفية والحزبية
أما المغالبة فتحدث في أجواء غياب الدولة عن أداء دورها تجاه المواطن، وانتشار الفساد، وعدم وجود عدالة اجتماعية مما يؤدي لوجود طبقية اجتماعية تتحكم فيها قلة بالاقتصاد والسياسة، ووجود تهديد إقليمي مستمر للدولة، أي غياب استقرار اجتماعي وسياسي في الدولة، وحضور التوازنات الطائفية والمذهبية والحزبية، بحيث تترجح الكفة السياسية في هذه الظروف وفق مبدأ المغالبة، التي تعبر عن ذاتها في صناديق الاقتراع وتتحول اللعبة السياسية إلى لعبة عددية، تغيب في ظلها مبدأ الكفاءة والاستحقاق، ويحضر مبدأ المحاصصات.
فالمشاركة، تحقق المشاركة الشعبية الحقيقية بكافة الأطياف، وتفعل الدستور بتشريع قوانين لا تخرج عنه، وبممارسة دورها الرقابي، وتحقيق التنمية المستدامة للدولة وللشعب، بينما المغالبة هي استبداد أكثرية عددية مع غياب واقعي لبرامج إصلاحية، أو خطط لمواجهة الفساد، وحضور المناكفات السياسية والخلافات الإقليمية على حساب الداخل الوطني، حتى لو خالفت هذه الممارسات الدستور، مستخدمة صناديق الاقتراع لتمارس استبدادها السياسي المبطن بالديمقراطية.
وكان الحل بخنق محاولات التغيير قبل ولادتها، خاصة على مستوى الخيارات الاستراتيجية، ودلالات المفاهيم، كخيار المقاومة الاستراتيجي في منطقة يهيمن عليها استعمار غير مباشر كأمريكا، باستعمار صهيوني مباشر، وكربط دلالة ومفهوم المقاومة والجهاد سابقا بمفهوم الإرهاب، والذي لم يتم وضع تعريف صريح له حتى يبقى مفهوما مفتوحا على كل الدلالات، واستخدام الدلالة التي تناسب المرحلة وتكتيكاتها في وعي الشعوب، أو تذويب مفهوم المقاومة والجهاد، بمقابلته بمفهوم السلام الذي تم تمييع دلالته. وهذا يتطلب عملية تغيير استراتيجية لمناهج التعليم، وموقعية القرآن الكريم في فكر ووعي الجماهير والشعوب، من خلال حملات حرق وتوهين للقرآن، وتشكيك في وحيانية مصدريته.
وكذلك خنق محاولات التغيير في الوعي الثقافي والمعرفي، وفي تغيير الخيارات تجاه فلسطين، وإعادة تموضع المفاهيم في الوعي الجمعي وفق دلالاته التي رسمها القرآن، ورسمتها الفلسفة بمعطياتها المنطقية والعقلية، خاصة فيما يتعلق بمفهوم الإنسان، وحريته، ووظيفته، وخياراته في السلم والحرب، والمرجعيات المعيارية في تشخيص العدو، والحليف، والتي تُوَصّف آليات المواجهة مع العدو، والآلات التواصلية مع الحليف، كل ذلك وأكثر كان خنقه يتم بحبل المذهبية تارة، والقومية أو الطائفية تارة أخرى، أو حملات التخويف والتشويه والشيطنة التي كانت تتم بحق المقاومة والمقاومين، أو بحق التيارات الإسلامية الحركيّة، الخارجة عن سياق السلطة وفق منهج "طاعة ولي الأمر".
وكل ذلك يجد له صدى شعبيا نتيجة:
- تغلغل الفهم القبلي للحياة، وسيادة كثير من أعراف وتقاليد القبيلة على مستوى الحكم وعلاقته بالشعب، وعلى مستوى الشعب وطبيعته الاجتماعية، والتي غالبا لم تتحرر إلى الآن من العقل القبائلي والمنهج العنصري في التعامل مع الآخر المختلف مذهبيا، أو حتـى من حيث الهوية الوطنية، ورغم حصول نسبة كبيرة على شهادات عليا، إلا أن ذلك لم يحدث انزياحات في فهم العقل الجمعي، إلا عند قلة ليس لها صدى صوت في محيط ملتهب مذهبيا وقوميا.
- دور وسائل الإعلام التي تدعمها حكومات بشكل غير مباشر، وتنفذ بذلك عقيدتها في رسم وعي الجمهور وفق أجندة تتناسب ودور هذه الحكومات الوظيفي في المنظومة الدوليّة الحاكمة، هذا إضافة إلى دور وسائل التواصل الاجتماعي حيث استطاعت تلك الأنظمة اختراقها بجيش من عملائها، لخلق أجواء تُبْقي الفضاء العام يدور في فلك إرادتها، وتوجه الوعي بالاتجاهات التي تريدها تلك الأنظمة.
- عدم وجود مراكز بحثية مستقلة خارج دائرة نفوذ السلطة، مع وجود قوانين مقيدة لتلك المراكز من خلال عمليات الرقابة والمنع، ومن خلال شروط شبه تعجيزية تفرضها السلطة. هذه الشروط ترسم وفق معايير لا يمكنها الانطباق إلا على اقتصاديين تجار تتقاطع مصالحهم مع السّلطة، أو نخب لها ثقلها الاجتماعي المؤثر وسلطتها الاقتصادية الفاعلة، وولاؤها للسلطة نافذ، وهو ما يوضح حجم تداخل السياسي والاقتصادي بالمعرفي، مما يُقَيّد المثقفين ضمن أجندة المُمَوّل.
- الاختراقات الثقافية السلبية للغرب التي ركزت على تدجين المثقفين والجمهور تدجينا استهلاكيا، كون الميل العام للخليج تاريخيا هو ميل تجاري، هذا فضلا عن ثروته النفطية المؤثرة في الولاءات والوظيفة والسياسات، التي لا بد أن تصب في مصلحة الاستعمار غير المباشر، وهو ما أنتج مع التقادم العقل الاستهلاكي الموازي، الذي يُضْعِف من إنتاجية الدولة رغم ثرائها، ويحول دون مبدأ اكتفائها الذّاتي، ويفتح فضاءها الاقتصادي للشركات الرّأسماليّة العابرة للحدود.
ومن المفاهيم الخطرة التي يتم العمل عليها في هوية هذه المنطقة، التي يغلب عليها الطابع الإسلامي المحافظ، هو مفهوم الرفاه وفق المنظور الإسلامي، وترتيب الأولويات، واستبداله تدريجيا بمفهوم الرفاهيّة الرأسمالي الاستهلاكي، وعلى ضوئه تبديل أولويات الفرد والمجتمع واهتماماته.
فالحركة الثقافية في الخليج غالبا ما زالت تخضع إما للسلطة أو للاقتصاديين أو للتيارات الموجودة في المجتمع، سواء الإسلامية منها أو العلمانية، وهو ما يؤثر على موضوعية الحراك الثقافي ويؤدلج فضاءاته المعرفية أو يعسكرها، بل يبني حواجز بينه وبين الجوار الجغرافي، والجوار الهوياتي، أو حتى مع شريكه في الوطن، تشكل حاجزا أمام التلاقح الثقافي، والنهوض الحضاري، وصناعة وعي حركيّ تنموي متصاعد عند الشعوب، وهو ما يصب في صالح نهضة شاملة في المنطقة كلها، مما يضعف الوجود الصهيوني، ويكرّس استعماريته، ويمنع اندماجه فيها، أو تمركزه كقوة عظمى فيها.
إلا أن المنهج العام يصب في صالح تكريس الكيان الصهيوني كقوة لها شكل حضاري ديمقراطي متقدم تكنولوجيا، يجعل منها القوة العظمى، ويُعَبّد طريق اندماجها الذي امتد من دول الطوق، واخترق الخليج، ضمن معاهدات سميت بالاتفاقيّات الإبراهيمية.
هذا فضلا عن أن أغلب المثقفين في الخليج يعيش ازدواجية تشبه ازدواجية العصر العباسي، فبينما في العصر العباسي كان النظام الحاكم على مستوى التنظير يؤمن بالله ويتأثر بكلام الوعاظ، لكنه عملانيا كان يعربد بمقدرات الأمة ويسرقها ويحكمها بالسوط والحديد والنار، ليبقى كنظام حاكم في محورية صناعة الخوف في فكر ووعي الشعوب.
فكثير من مثقفي الخليج باتوا إما أدوات بيد السلطة، أو أدوات لأجندات خاصة، أو أسرى الوجاهة الاجتماعية التي تتطلب نزول المثقف على رغبات الجمهور ليصبح مثقفا شعبويا، بدل أن يتحول الجمهور بوعي المثقف إلى جمهور مثقف نخبوي.
وليس الخليج فقط مبتلى بهذه النماذج من المثقفين، وبهذا المنهج السلطوي الذي يستخدم المعرفة في غاياته السلطوية، بل تُدفع ثروات هذه المنطقة لعملاء وزعامات ونخب ومثقفين في دول أخرى، لتحقيق غايات لا تصب أبدا في صالح شعوب تلك الدول، ولا قضاياها المحورية كقضية فلسطين، بل في صالح هذه الأنظمة ومشغليها. ولبنان يعد النموذج الأبرز كساحة تشغيلية لأموال الخليج، في شراء الذمم وطعن المقاومة، وخلط الأوراق السياسية لتصب في إرادتها وغايتها وأهدافها فقط.
ولا يمكننا إغفال القلة المثقفة التي ما زالت تسعى وتكدح نظريا وعمليا لأجل تغيير مسارات الوعي، لتحويلها من فهم قبائلي إلى فهم علمي موضوعي منفتح على كل الآراء لأجل الحقيقة، وصناعة وعي وازن ومتناغم مع معطيات واقعه، ومستقبل الأحداث، وليس كما يقوم كثيرون ببيع الوهم للشعوب على أنه الحقيقة.
لكن هؤلاء هم المقاومون في الفضاء المعرفي والثقافي، لسيرهم عكس التيار العام، ولأنهم معرّضون لمواجهة السلطة بشكل غير مباشر، أي مواجهة أدوات السلطة من المثقفين، وأدواتها الإعلامية، وجيشها المجند في وسائل التواصل الاجتماعي. وأحد أهم أدوات القتل الذي يستخدمه هؤلاء هو التشهير والإسقاط الاجتماعي لكل من يمشي عكس التيار، كون هذه المجتمعات ما زالت مجتمعات محافظة تراعي جدا الجو العام، وتظهر التزاما خلاف ما تبطنه من تفلتات من العادات والتقاليد، وهي تفلتات خفيّة خوفا من تشهير المجتمع، وهو ما يخلق حالة الازدواجية في الشخصية الخليجية والعربية، والتي يغلب عليها التعقيد والتركيب نتيجة المناخ العام الاجتماعي الذي تعيشه.
وعند التشهير بالشخصيات المُصلحة المقاوِمة في الفضاء المعرفي والثقافي، فهي تُسقط الشخص وتسقط معه أفكاره وثقافته ومشروعه المقاوم النهضوي، وتبني بينه وبين عقل المجتمع حاجزا كبيرا يمنعه من قبول ما اعتاد عليه أولا، وقبول ما يعتبره المجتمع ساقطا في أعرافه.
وهذا ينعكس على كثير من مثقفيها، إلا القليل الذين استطاعوا التفلت من هذه الازدواجية وحملوا على عاتقهم قول الحقيقة، حتى لو كلفهم ذلك الكثير، وهم قلة إلى الآن مشتتة الوجود والقدرات، لا تملك نفوذا لا في السلطة ولا في وسط الجمهور.
إن جدار العزل العنصري الذي بناه مثقفو الخليج خاصة أو ما يمكن تسميته بـ"خلجنة الثقافة" وبعض الدول العربية، أثر في الحراك الثقافي تأثيرا كرس الحالة القبائلية وهمش الفهم المدني، هذا فضلا عن تداخل الفهم القبلي بفهم الدين، وبروز مثقفين متطرفين استطاعوا التأثير في الجو العام، وتكريس الفهم النصي المتطرف من كل المذاهب للحياة من جهة، وللعلاقة بالسلطة من جهة أخرى.
هذه "الخلجنة" التي يحاول الغرب بأدواته، والأنظمة الوراثية بسلطتها المالية والإعلامية الترويج لها، عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، والتدجين باسم الثقافة، من خلال افتتاح مراكز فكرية وثقافية ضخمة التمويل، ونشر ترجمات غربية بشكل يغرق الفضاء المعرفي والثقافي، ممولة حكوميا، ويُراد لها الهيمنة على الساحة العربية والإسلامية، لإضعاف الخيارات الأخرى للنخب المُقاوِمة لها في المنطقة، وإضعاف مسار الرفض مقابل مسار التطويع والتطبيع، لتكون لها كأنظمة المركزية والهيمنة الثقافية والمعرفية، بما تملكه من سلطة مالية مركزية، ونفوذ على مستوى القرار والتقنين.
لذلك نجد تبدلات على مستوى المفاهيم والفكر عند كثير من المثقفين والمؤثرين في المنطقة، أو المثقفين الناشئين ذوي المستقبل الواعد، خاصة في الدول المستباحة اقتصاديا، والمنتهكة بالفقر والجهل، فنجد هؤلاء تحت ضغط الوضع الاقتصادي، يبحثون لهم عن فرص واعدة تحقق طموحاتهم وتخرجهم من حالة القلق الوجودي، أو بعضهم تجذبهم الشعارات القومية العروبية المتحيّزة للقبول بـ"الخلجنة" بحجة مواجهة ما يسمونه التمدد الإيراني والتوسع، متكئين على مسارات تاريخية سابقة، دون النظر وإمعان النظر بين الفروقات الزمكانية بين التاريخ والحاضر، والفروقات العقدية والفكرية كذلك.
وفي ظل صراع الإسلامي والعلماني، لم يقدم أي طرف منهما مشروعا ناهضا، لانغماسهما في الصراع وفي كيل التهم وفي التسابق على السلطة والنفوذ، خاصة أن كليهما تم تدجينهما إما بانتخابات عددية وليست برامجية، أو من خلال تحويلهما كأوراق بيد السلطة تبقي فيها حالة الخلاف قائمة لإشغالهما عما يجب أن ينشغلا به.
اليوم يرزح الحراك الثقافي تحت مراوحة مذهبية و"خلجنة" تعجزه عن النهوض وتطوير سؤال الهوية، وتشخيص الأولوية الأهم للأمة كقضية فلسطين، بل صنعت له هوية دوغمائية غير قادرة على انتزاع الحقيقة، فصاغت حقيقتها من وهم العصبيات، لتغرق في وحلها وتُغرق الجمهور معها.
ولم تستطع أغلب التيارات الاسلامية والعلمانية في الخليج خاصة والوطن العربي بشكل مجمل، أن تقدم نموذجا ثقافيا صادقا على مستوى التنظير والتطبيق، كون الثقافة عابرة للهويات ومنفتحة على كل العقول والمكونات، إلا أن أغلب النشاطات الثقافية العلمانية والإسلامية منغلقة على ذاتها، وتدور في حلقتها المغلقة وبين جمهورها المنتمي إليها فقط، حيث تجعل عقل محيطها في صندوق أيديولوجي محدد يعجز عن رؤية الواقع الخارجي الرحب، وهو ما أسميه "عسكرة الثقافة والمعرفة".
إذا، هناك عدة جهات تتحكم في مسارات الحراك الثقافي في الخليج وبالتالي بغالبية مثقفيه:
1- السلطة ومنهجية تعاطيها مع الثقافة والمثقفين.
2- الاقتصاديون المرتبطون بمصالح مع السلطة، أو لهم تطلعاتهم في الحكم.
3- التيارات والأحزاب الإسلامية منها والعلمانية، وصراعاتها الأيديولوجية.
4- الإعلام وأدواته وتداخلاته مع السلطة، والاقتصاديين، والتيارات، والأحزاب.
5- المثقف بذاته وطموحه للوجاهة والشهرة، ومصالحه المرجحة على مصلحة الأمة وقضاياها المصيرية وخاصة قضية فلسطين كقضية مركزية تقع في مركز الأولويات، والتي تفرض عليه ارتباطات ينزع خلالها كثير من نظرياته الناهضة، ليتحول إما إلى بوق للقوى النافذة، أو طبال للجمهور.
6- النظام الرعوي الذي ما زال يدجن الجمهور ويرضخه لفهم قبائلي على مستوى علاقته بالسلطة، وينساق على فهمه للدين والمجتمع والمحيط فهما عصبويا ديموغائيا.
7- الاختراق الثقافي الغربي ونفوذه الناعم في المجتمعات بشكل عام، والخليجية بشكل خاص لفقدانها المناعة الذاتية.
8- الوضع الإقليمي ومحاوره والتي ينسب الخليج لأحدها، وانعكاس ذلك على تداخل السياسي بالمعرفي، وتوجيه السياسي للمعرفي وفق إرادات الأنظمة الحاكمة وتحالفاتها.
ما يحتاجه الحراك الثقافي هو ابتعاد نخبه عن التوجيه السياسي السلطوي ومحاولات "خلجنته"، وتخلصهم من جنوحهم نحو الوجاهة وطلب السلطة والنفوذ، وعدم انتمائهم لتيارات أو أحزاب، فصاحب الفكر الحر لا يمكنه أن يخلق سؤال الهوية ويبدع ثقافيا بالانتماءات المذهبية والحزبية والتيارية، إضافة لاستقلالهم المادي الذي يمكنهم من رسم مشروع ثقافي خاص قادر على أن يحدث انزياحات حقيقية في وعي المجتمعات الخليجية خارج الفهم القبائلي والديني المتطرف، وتوجيهات السلطة المعرفية المستعمَرة، ليحطم جدار العزل العنصري ويخرج عابرا لكل المراوحات المذهبية، إلى الفضاء الإنساني الرحب الذي يرجح مصلحة الأمة على مصلحة السلطة، ويحدد أولوياتها على ضوء القيم والمبادئ الإنسانية الحقيقية، والتي غايتها تحقيق العدالة دون النظر للثقافة الشعبوية ولا لنفوذ السلطة ومقوماتها.
ارسال التعليق