مصريون ضحايا وعود مزيفة بالعمل في السعودية
بقلم: شيماء اليوسف...
عقب الوصول إلى السعودية، يختفي الوسطاء والعاملون في شركات التوظيف الوهمية، التي استقطبت المصريين الباحثين عن فرصة تمنحهم أملا في الهروب من الأوضاع القاسية لكنهم يقعون في أسوأ منها، على يد كفلاء يبتزونّهم.
- صباح كل يوم، يلاحق الثلاثيني المصري أيمن عبد الغفار حلمه بإيجاد عمل في السعودية، إذ يجول في شوارع الرياض بحثا عن أي فرصة، منذ أن وصل إلى البلاد بتأشيرة باعتها له شركة في محافظة الجيزة شمال مصر، اتضح أنها خدعته وغير مختصة في إلحاق العمالة بالخارج كما ادعت في إعلاناتها الترويجية المنتشرة على صفحتها على موقع التواصل "فيسبوك".
بعد وصوله إلى المملكة في مارس/آذار الماضي، فوجئ عبد الغفار بعدم وجود الوظيفة التي جاء ليلتحق بها، إذ وعدته الشركة بالعمل سائقا لدى مؤسسة سعودية، وبعدها وجد نفسه في منزل قديم حالته سيئة في حي الشفا جنوب العاصمة، كان قد سبقه إليه 20 مصريا حالهم لا يختلف كثيرا عنه، من بينهم 8 أشخاص سافروا عن طريق الشركة ذاتها التي باعت الوهم لعبد الغفار، والذي تطابق ما وقع له، مع 60 ضحية أخرى وثق "العربي الجديد" كيف خدعهم سماسرة ومكاتب تشغيل سلبتهم وعائلاتهم الفقيرة كل مدخراتهم، في ظاهرة لا تتوقف في مصر ويغذيها الفقر والبطالة، إذ أغلقت وزارة العمل 15 شركة متورطة في النصب على الباحثين عن عمل في الخارج، من يوليو/تموز إلى نوفمبر/تشرين الثاني الماضي فقط، بحسب إفادة المتحدث الإعلامي للوزارة عبد الوهاب خضر.
بنى عبد الغفار آمالا واسعة على الغربة، بعد ادعاء الشركة أن ما عليه سوى دفع 50 ألف جنيه (1035 دولارا)، مقابل تأمين تأشيرة عمل، اطلع عليها "العربي الجديد"، بالإضافة إلى 20 ألف جنيه (414 دولارا) قيمة تذكرة الطيران والتحاليل الطبية، لكنه منذ اليوم الأول وعقب وصوله بدأ يسأل من استقبله وزعم أنه صاحب الشركة التي سيعمل فيها عن تاريخ استلامه العمل، لتمضي الأيام ومعها الوعود المتكررة دون فائدة، وفي النهاية اكتشف أن الشركة لا وجود لها على أرض الواقع، ولدى مواجهة المدير المفترض طرده هو وزملاءه من المنزل الذي كانوا يقطنونه بعد ما أبلغهم أنه لا يوجد لديه عمل وعليهم البحث بأنفسهم. "رغم نفاد كل ما في جيوبنا، وحالة الرعب الكبيرة من التوقيف والترحيل لأن فترة التأشيرة التي دخلنا بها كانت على وشك الانتهاء، دون تحويلها إلى إقامة عمل".
ومن واقع خبرته، يشرح المحامي أشرف عباس، المتخصص في القضايا العمالية كيف يقع الضحايا فريسة للنصابين، عبر الشكاوى القانونية التي تعامل معها في مكتبه الخاص بمدينة المنيا وسط مصر، قائلا: "منهم من يوقعون عقود عمل وهمية نتيجة قلة الوعي بطبيعة التعاقد الخارجي، ومع هشاشة وضعهم المالي يتجنبون عرض العقد على محام للتحقق من دقة ما فيه من معلومات وكذلك التحري حول المؤسسة المستقدِمة للعامل، ومن ثم يقعون فريسة للنصابين ويسافرون وبعدها بقليل يعودون إلى البلد بخفيّ حنين، وقد خسروا كل ما كان لديهم من مال".
اختفاء السماسرة:
من أجل حماية حقوق العامل، يجب ختم العقد من وزارة العمل المصرية، كما يقول عباس، مستدركا أن فئة تسافر بدون عقد عمل أصلا، أي عبر تأشيرة زيارة أو عمرة، وليس لديهم عقد عمل أو ضمانات يمكن الاستناد إليها في حال التقدم بشكوى ضد المشغل، عند الحصول على أي فرصة عمل، لأنه من البداية صار متحايلا على القانون وأصبح خارج حماية الدولة.
وتؤكد الحالات التي وثقها "العربي الجديد" أن ضعف وعي العمال وبحثهم عن فرصة للتخلص من الفقر يقف وراء تصديق الوعود الوهمية التي تقطعها الشركات التي تتعاون مع سماسرة يروجون لها بين البسطاء في المقاهي وغيرها من أماكن التجمعات، وهو ما حصل مع العشريني حسن اللول، والذي تعرض للنصب من قبل وسيط قابله بإحدى قرى المنصورة شمال مصر، ووعده بوظيفة في شركة سعودية، ورغم عدم تقديم الوسيط أي ضمانات أو تفاصيل حول طبيعة العمل لم يشكّ اللول في العرض، لأنه لا يريد أن يخسر الفرصة، وعلى حد قوله لم يخطر بباله أن الشركة ربما تكون وهمية لا وجود لها على أرض الواقع، خاصة أن الوسيط وعده براتب 2500 ريال سعودي (665 دولارا شهرياً)، على أن يدفع اللول بداية مبلغ 50 ألف جنيه، لاستصدار تأشيرة وحجز تذكرة الطيران وكل ما يلزم، فاقترض من أمه 10 غرامات ذهب هي كل ما بحوزتها، وأكمل باقي المبلغ من أقاربه، قائلا لـ"العربي الجديد": "سافرت برفقة اثنين آخرين في فبراير/ شباط 2023 ودفعا نفس المبلغ للوسيط، أحدهما باع ذهب زوجته والآخر استلف مبلغ السفر". "ولدى الوصول إلى السعودية لم نجد أحدا في استقبالنا وفق الاتفاق"، حتى أن الليل حلّ وهم يحاولون الاتصال بالوسيط الذي سافروا من خلاله، وجاءهم الرد في النهاية منه: "أنا وصلتكم البلد تصرفوا انتوا وشوفوا شغل".
تبدأ دائرة استغلال حاجة الباحثين عن عمل عبر سعودي لديه الحق في استقدام عمالة أجنبية عبر شركة أو مؤسسة يملكها، ما يمكنه من استصدار تأشيرات يبيعها لمكاتب توظيف أو سماسرة بمصر، وكلاهما يحصلان على عمولة بعد إتمام الصفقة كما يوضح عضو شعبة إلحاق العمالة بالخارج في غرفة تجارة القاهرة، عبد الرحيم المرسي استنادا لرصدهم للظاهرة، مضيفا أن تلك الشركات ظاهريا تستقدم عمالة أجنبية، لكنها ليست بحاجة إليها والهدف من كل هذه العملية بيع التأشيرات للعاطلين ثم تركهم في الشوارع بين العمالة السائبة غير المقننة يبحثون عن أرزاقهم وأغلبهم يعملون بالمياومة (عمل مؤقت).
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، إذ يُخير الكفيل العامل الذي سافر على كفالة مؤسسته إما أن يعود لمصر، أو ينقل الكفالة لمؤسسة أخرى مقابل دفع المزيد من المال ويمكن للكفيل أن يتخلص من العامل عبر استصدار خروج نهائي له ليصبح مقيما غير قانوني في المملكة، ما قد يعرضه للتوقيف والسجن بحسب المرسي.
لذلك ظل اللول يعيش في مشقة الخوف والجوع والهروب من مدينة لأخرى بعدما قرر البقاء في السعودية بحثا عن عمل، وانتهت مدة تأشيرته ما أعطى الكفيل الذي استصدر له التأشيرة مجالا ليهدده بالإبلاغ عنه وترحيله في حال رفض أن يدفع له 5 آلاف ريال (1332 دولارا)، من أجل أن يوافق على نقل كفالته. وتكرر الأمر مع عبد الغفار الذي تمكن من إيجاد عمل بعد رحلة بحث شاقة، لكن الكفيل طلب 4 آلاف ريال (1066 دولارا)، حتى يقبل نقل كفالته لآخر، ما شكل عائقا أمام استلامه للشغل.
سافر الأربعيني محمود خليفة المقيم في مدينة الجيزة في مارس الماضي إلى السعودية عبر تأشيرة زيارة شخصية، يتم تجديدها كل ثلاثة أشهر، وبالطبع لا يسمح لحاملها بالعمل، لكنه حصل عليها عن طريق سمسار تعرف إليه وتقاضى منه 30 ألف جنيه (620 دولارا)، رغم أن كلفة التأشيرة 300 ريال سعودي (80 دولارا) بحسب بحث أجرته معدة التحقيق في بيانات مكاتب استشارات قانونية سعودية.
اختفى السمسار وتبخر معه حلم العمل كما يقول خليفة: "عشت في الشارع لمدة شهر ونصف، وكنت أنتظر من يعطف عليّ مثل المتسولين، وفي مدينة جدة غرب المملكة قابلت عشرات العمال المصريين بأوضاع مأساوية ومنهم من يتسول ليأكل ولا يوجد معهم مال حتى يعودوا إلى بلادهم".
تأكيدات خليفة بوجود مصريين يعيشون الظروف ذاتها نتيجة وقوعهم في شراك محتالين تشي باتساع دائرة النصب على الفقراء الحالمين بوضع معيشي أفضل يخرجون به من دائرة العوز والبطالة، كما يقول المحامي عباس، مشيرا إلى صعوبة حصر أعداد الضحايا بدقة نتيجة عدم تقدمهم بشكوى لانعدام قدرتهم على إثبات الواقعة بالإضافة إلى حفظ المحاضر الرسمية لعدم وجود شهود وهو ما يؤدي فعليا إلى انتشار جرائم النصب المشابهة.
يترصد المحتالون ضحاياهم في المقاهي الشعبية للإيقاع بالبسطاء خاصة في القرى عبر الزعم بأن لديهم حزما متنوعة من فرص العمل، ويعدونهم بتوديع الفقر نهائيا، ويطلبون منهم جلب أقاربهم وزملائهم المعنيين بالعمل في السعودية، حتى يشاركوهم رحلة السفر والغربة ويهونون عليهم مصاعبها، ليسقط الجميع في شراك النصابين الذين يستفيدون من وصول معدل البطالة في مصر إلى 7% بحسب احصاء عام 2023، والذي كشف عن وجود 8 ملايين عاطل في البلاد وفق ما جاء في بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي).
ويعد انعدام فرص العمل، أو عدم إمكانية الحصول على راتب مجز في ظل الغلاء والتضخم الكبيرين، سببا أساسيا في تحول أعين الكثيرين إلى البحث عن أي بديل يوفرون من خلاله أبسط متطلباته.
ارسال التعليق