اقتصادات عربية تدفع ثمن الحروب الإسرائيلية
طاولت تأثيرات الحرب الإسرائيلية على غزة والتوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط عموماً اقتصادات عدة في المنطقة العربية خلال 2024، وسط معاناة تعيشها تلك الدول للتعافي. وإلى جانب فلسطين ولبنان، اللتين كانتا الأكثر تأثراً بالحرب الإسرائيلية على غزة وجنوب لبنان، فإنّ اقتصادات أخرى، مثل مصر والأردن، كانت في واجهة المتضررين بالأحداث خلال 2024.
بينما تستمر الحرب الإسرائيلية على غزة في إلحاق أضرار جسيمة بالاقتصاد الفلسطيني، ما أدى إلى أزمة غير مسبوقة، فإنها أسفرت عن عدد هائل من الضحايا ونزوح حوالي 1.9 مليون شخص. وتظهر تقديرات للبنك الدولي صدرت في 16 ديسمبر/ كانون الأول الجاري أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي شهد انخفاضاً كبيراً، إذ انكمش اقتصاد الضفة الغربية بنسبة 23% في النصف الأول من عام 2024.
بينما شهدت غزة تراجعاً بنسبة 86% بالناتج المحلي الإجمالي خلال نفس الفترة. ويُقدّر البنك الدولي انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 26% لفلسطين ككل خلال 2024، مع تأثر جميع القطاعات بشكل كبير، خاصة البناء والتصنيع والخدمات والتجارة. وأدت الحرب الإسرائيلية على غزة إلى اضطرابات في سوق العمل، مما تسبب في ارتفاع معدلات البطالة، خاصة في غزة، حيث أصبح أكثر من 80% من السكان عاطلين عن العمل.
وتعرضت 88% من منشآت القطاع الخاص في غزة للتدمير أو الضرر الجزئي، إذ دُمّر 66% منها بالكامل وتعرّض 22% لأضرار جزئية. في المقابل، تفاقمت التحديات المالية للسلطة الفلسطينية، إذ أدّى انخفاض الإيرادات وزيادة الاقتطاعات الإسرائيلية من إيرادات المقاصة إلى تقليص رواتب الموظفين العموميين إلى 60 إلى 70% منذ بداية الحرب. ووصلت الاحتياجات التمويلية للسلطة إلى 1.04 مليار دولار للفترة من يناير/ كانون الثاني إلى أكتوبر/ تشرين الأول 2024.
في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قدّر البنك الدولي الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الحرب الإسرائيلية ضد لبنان بحوالي 5.1 مليارات دولار حتى ذلك التاريخ. وبلغت قيمة الخسائر الناجمة عن الأضرار التي لحقت بالعقارات 3.4 مليارات دولار، إذ دُمّر حوالي 100 وحدة سكنية كلياً أو جزئياً؛ بينما فقد حوالي 166 ألف شخص في لبنان وظائفهم بسبب الحرب.
وبحسب التقديرات، فإنّ الحرب ستخفض معدل نمو إجمالي الناتج المحلي للبنان بنسبة 6.6% تقريباً خلال العام الحالي. وقبل نشوب الحرب الأخيرة كان البنك الدولي يصف الأزمة الاقتصادية اللبنانية التي بدأت عام 2019 بأنها واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.
كانت مصر واحدة من بلدان قليلة مجاورة لمناطق الصراع التي تأثرت بتبعات الحرب الإسرائيلية على غزة وبالتحديد قناة السويس، التي تعتبر مصدر دخل رئيس للعملة الأجنبية للبلاد. وأدت الحرب إلى انخفاض كبير في عائدات قناة السويس. وأفاد الرئيس عبد الفتاح السيسي بأنّ التحديات والأحداث الإقليمية في البحر الأحمر كلّفت مصر ما يقرب من سبعة مليارات دولار من عائدات القناة في عام 2024، مما يمثل خسارة تزيد عن 60% مقارنة بعام 2023.
كذلك، تعرضت مصر إلى تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي، إذ أفادت وزارة التخطيط المصرية بتباطؤ الاقتصاد إلى 2.4% للسنة المالية 2023/24، انخفاضاً من 3.8% في العام السابق. ويعزى هذا الانخفاض إلى التوترات الجيوسياسية وعدم اليقين الاقتصادي العالمي، بما في ذلك الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
كذلك، أدى الصراع إلى تفاقم التضخم في مصر؛ فصندوق النقد الدولي يتوقع ارتفاع أسعار المستهلك إلى 33.3% في السنة المالية 2024/2025، ارتفاعاً من 24.4% في السنة المالية 2023/ 2024.
وكانت السياحة الوافدة إلى الأردن من أبرز القطاعات المتأثرة بتوترات الشرق الأوسط، إذ بلغ الدخل السياحي خلال العشرة شهور الأولى من 2024 ما قيمته 6.15 مليارات دولار بانخفاض نسبته 4.4% بالمقارنة مع الفترة المقابلة من عام 2023. ويعود ذلك إلى تراجع اعداد السياح بنسبة 6.6%.
كما سجلت قطاعات التجزئة، بما في ذلك الملابس والإلكترونيات والأثاث، انخفاضاً في المبيعات، ولاحظت الصيدليات انخفاضاً بنسبة 20% في المبيعات، مع تركيز المستهلكين على المشتريات الأساسية، وفق الجمعية الوطنية لحماية المستهلك.
وفي إسرائيل، كانت الخسائر قويّة بسبب حربها على قطاع، إذ تتجه لتسجيل عجز لم يسبق تسجيله منذ مطلع الألفية الحالية على الأقل، عند 7.7% من الناتج المحلي الإجمالي، بعدما كانت التقديرات السابقة تبلغ 6.6%. ووفق حسابات وكالة الأناضول، تبلغ قيمة العجز البالغة نسبته 7.7%، نحو 40.5 مليار دولار من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل البالغ قرابة 530 مليار دولار.
وعلى صعيد السياحة، تظهر بيانات مكتب الإحصاء الإسرائيلي أنّ تراجعاً طرأ على أرقام السياحة الوافدة خلال الشهور الأحد عشر الماضية. ووفق البيانات، تراجعت السياحة الوافدة بنسبة 70% إلى قرابة 885 ألف سائح، نزولاً من 2.96 مليون سائح في الفترة المقابلة من العام الماضي.
ولم تتوقف الخسائر عند السياحة والناتج المحلي، إذ تأثر الاقتصاد المحلي بغياب أكثر من 170 ألف عامل فلسطيني كانوا يعملون في قطاعات حيوية بصدارة الإنشاءات في إسرائيل، لكن لم تصدر أرقام رسمية حول مقدار الخسائر الناتجة عن غيابهم.
ارسال التعليق