مشاريع ابن سلمون والطريق إلى إفلاس الدولة
تساءل صاحب كتاب "وهم الإصلاح في المملكة العربية السعودية"، أندرو هاموند، في مقالة له على موقع "ميدل إيست آي"، عن مصير المشاريع التي تنفق عليها "السعودية" مئات مليارات الدولار، مُعتبراً أن مشروع نيوم وغيره من المشاريع الضخمة يهدد بإفلاس الدولة بشكل جدي، ولكن يتم غض الطرف عن طرق إبداعية لجمع الديون دون ظهورها في الميزانية العمومية للبلاد.
وبالإشار إلى الأمور التي جرى الكشف عنها، على مراحل ومن مصارد مختلفة، حول بيئة العمل في مشاريع "رؤية 2030"، يرى هاموند أن نظمي النصر، الذي تم إجلاؤه مؤخرا، كان كبش فداء ملائم، لكن بديله، رئيس قسم العقارات المحلية في نيوم، أيمن المديفر، سيُكلَّف بإقناع المستثمرين العالميين، وخاصة المصرفيين الصينيين الذين حاولت الشركة الأُمّ لنيوم، صندوق الاستثمارات العامة (PIF)، استقطابهم، بأن مشروع "ذا لاين" يمضي قدما.
وفي محاولة تفسير ما تمّ مؤخرا من استبدال الرؤساء التنفيذيين البريطانيين والهنود برؤساء تنفيذيين سعوديين في شركة الإسكان روشن و"مركز الملك عبد الله المالي"، كما وعرض الشقق الفاخرة في منتجع تروجينا الشتوي على السعوديين، يقول هاموند أنها خطوات تحاول الإجابة على واحد من بين الأسئلة الرئيسية المطروحة: من سيعيش هناك؟.
وأتى ذلك بعد أن روّجت نيوم لمجتمعها "المثالي الجديد" باعتباره مكانا للأجانب، مشيرة إلى أنها سوف تعمل وفقا لمجموعة مختلفة من القوانين السائدة في المناطق الأخرى من شبه الجزيرة العربية، بما في ذلك البيع المنتظم للكحول.
"ولكن هناك دلائل على حساسية الحكومة تجاه القلق بين الجمهور السعودي بشأن الوجه الأجنبي لنيوم والمشاريع العملاقة الأخرى وطموح الحكومة لإغراق البلاد بالسياح ورجال الأعمال الأجانب"، يضيف هاموند.
وبدت بعض الخطوات والتصريحات السعودية مؤخرا مُستحدثة في سياق تلبيس مدينة "ذا لاين" اللباس العربي و"السعودي" على وجه التحديد، فقد قال هاني الحربي، مستشار مبيعات المساكن في إحدى المنتديات التي أُقيمت للتعريف بالمشروع: "الكثير من السعوديين لديهم منازل ثانية في دبي ولندن وأماكن أخرى، ولكن الآن لدينا شيء يمكننا التباهي به ويمكننا توفيره للسعوديين والأسر السعودية، إنه منتج لهم أكثر".
وفي خطوة أخرى يضعها الكاتب في السياق نفسه: في فبراير/شباط، أصدر سلمان بن عبدالعزيز مرسوما يلزم الوزراء بارتداء عباءات سوداء ذات حواف ذهبية في المناسبات الرسمية، وأمر مرسوم آخر في أبريل/نيسان جميع موظفي الحكومة بالالتزام بالجلباب الأبيض التقليدي وغطاء الرأس.
أما فيما يتعلق بإدارة المالية العامة وخطر إفلاس الدولة بسبب المشاريع التي تستنزف الأموال دون در أرباح مقابلة، فيعتبر الكاتب أن إلقاء نظرة فاحصة على المعلومات المتاحة من صندوق الاستثمارات العامة يظهر أن المؤسسة تنزف أموالاً لا تستطيع الدولة تحملها. فقد أظهر البيان المالي لصندوق الاستثمارات العامة لعام 2023 أن تكاليف الموظفين " التي تغطي الرواتب والمزايا " ارتفعت بنسبة هائلة بلغت 40% في عام 2023 إلى 59.9 مليار ريال (15.9 مليار دولار).
ويفصّل الكاتب، فيقول: رغم أن البيان خضع للتدقيق من قبل شركة كي بي إم جي، فإنه لم يوضح عدد الموظفين الذين يشملهم الرقم ــ كل العاملين في الشركات التابعة لصندوق الاستثمارات العامة البالغ عددها 168 شركة، أو 2553 موظفا يعملون في مكاتبه الأربعة حول العالم. وإذا كان الرقم الأخير صحيحا، فهذا يعني متوسط أجر سنوي قدره 6.2 مليون دولار، وهو أمر معقول بالنسبة لكبار المديرين التنفيذيين. كما أن الفجوة البالغة 212 مليار دولار بين أصول صندوق الاستثمارات العامة والأصول المملوكة قد تعني أيضا إنفاقا ضخما على الأصول الثابتة مثل مباني المكاتب الفخمة في نيويورك ولندن وسنغافورة.
واصفا النهج الذي تسير "السعودية" وفقا له في التعامل مع الأمر بأنه "على نحو ارتجالي". ومع بقاء احتياطيات النقد الأجنبي عند مستوى 411 مليار دولار أميركي في سبتمبر/أيلول، فإن الحكومة لا تزال قادرة على دعم ربط الريال بالدولار وتجنب حالة عدم الاستقرار التي قد تؤثر بشكل سلبي أكبر على المواطنين.
ويتابع: إن الدين الذي بلغ 28.3% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام لا يزال ضمن نطاق المتوسطات العالمية، ولا تزال وكالات التصنيف الائتماني الغربية تمنحه أعلى الدرجات في حين تستمر خطة التنمية البالغة 1.25 تريليون دولار في جعل "السعودية" مدينة حفلات للممولين والمستشارين والبنائين والمصممين.
مبينا أن "الحكومة السعودية تغضّ الطرف عن المحاسبة السريعة والمتسرعة والطرق الإبداعية لجمع الديون دون ظهورها في الميزانية العمومية، مثل اقتراض أرامكو الأموال لضمان توزيعات أرباح ضخمة للمساهمين مثل صندوق الاستثمارات العامة، الذي يمتلك 16٪ من شركة الطاقة العملاقة المملوكة للدولة".
عادّاً أسعار النفط على أنها المتحكم الرئيسي بموجودات الدولة، فعلى الرغم من أنها لم تنهار تقريبا، إلا أنها "تثبت بالفعل أنها مخيبة للآمال بالنسبة للقيادة السعودية حيث تتداول بأقل من 80 دولارا للبرميل، وهو أقل بكثير من 96 دولارا التي يحددها صندوق النقد الدولي حاليا كسعر التعادل".
ويختم مقاله في موقع "ميدل إيست آي"، بالقول أنه: مع الأحداث الكبرى التي تلوح في الأفق، مثل دورة الألعاب الآسيوية الشتوية، ومعرض إكسبو الدولي 2030 في الرياض، وكأس العالم لكرة القدم في عام 2034، فإن المملكة العربية السعودية سوف تتجنب التدقيق الحقيقي من جانب الداعمين الماليين الأجانب وشعبها لمدة عقد من الزمان على الأقل.. حينها فقط سيبدأ الناس بالتساؤل عن سبب فراغ المشاريع وكيف سيتمكنون من سداد هذه الديون".
ارسال التعليق