الاخبار
السعودية في أسبوع (1–7 نوفمبر 2025)..نزيف الميزانية، انكماش “The Line” ، واتساع الصمت
المشهد العام
الأسبوع افتتحته الأرقام وأغلقته الأجهزة.
الخلاصة أن الدولة تمضي في مسارين متوازيين: تقليص الأحلام التي صُنعت للدعاية، وتوسيع منظومة الانضباط التي تُستخدم لإدارة المجتمع.
كل ذلك تحت سقف مالي يهبط بسرعة، فيما تُعاد كتابة الحكاية بعبارة مكرورة: "تصحيح مسار".
يشير تحليل البيانات المتاحة للأسبوع الأول من نوفمبر إلى تزايد التناقض بين السرديات الرسمية والمؤشرات الاقتصادية الفعلية.
ففيما تستمر الحكومة في الإعلان عن مشاريع طموحة، تتضح بوادر إعادة جدولة صارمة في الإنفاق الرأسمالي، مما يلقي بظلاله على مشاريع رؤية 2030 الكبرى.
بالتوازي، يلاحظ المراقبون تصعيداً في الأدوات الرقابية والأمنية، كآلية لإدارة أي تداعيات محتملة لتباطؤ التنمية الاقتصادية على الاستقرار الاجتماعي.
الاقتصاد: وعود كبيرة ومحفظة صغيرة
تآكل الميزانية وتحدي الإنفاق الرأسمالي
شهد هذا الأسبوع إفصاحات غير رسمية، تعكس قلقاً متزايداً داخل الأوساط المالية حول مدى التزام الميزانية المحدثة للأهداف المعلنة.
المؤشرات المالية الرئيسية:
اتساع فجوة العجز:على الرغم من الجهود المبذولة لضبط الإنفاق التشغيلي، تشير التقديرات الأولية إلى اتساع فجوة العجز المالي مقارنة بالتوقعات التي وضعت في بداية العام، يُعزى هذا بشكل كبير إلى عدم تحقيق الإيرادات غير النفطية للمستويات المستهدفة في الربع الثالث، بالتزامن مع استمرار الضغوط التضخمية العالمية التي أثرت على تكاليف المشاريع.تباطؤ الاستثمارات الحكومية:تم رصد تباطؤ ملحوظ في إطلاق مراحل جديدة من المشاريع الكبرى، التقارير الداخلية تشير إلى تجميد مؤقت لبعض العقود التي لم تبدأ بعد، أو تقليص حجم المخصصات المالية المتاحة للمشاريع الجارية.
القص الجريء في الإنفاق الرأسمالي: تمت مراجعة بعض الميزانيات الرأسمالية بشكل جذري، هذا «القص» لم يكن دائماً إيقافاً كاملاً، بل غالباً ما كان إعادة هيكلة للمراحل الزمنية، مما يعني تمديد آجال التسليم الفعلي للمشاريع.
المزاج الرسمي:
العبارة المتداولة هذا الأسبوع تلخّص المزاج الرسمي: «
لن نوقف المشاريع، سنعيد ترتيب أولوياتها»؛
وهي ترجمة بيروقراطية لعبارة أخرى: «
نقلّص الحجم ونمدّد الجداول».
هذا يعني أن الأهداف المرحلية للمشاريع الطموحة (مثل نيوم ومناطقها) ستُراجع لتصبح أكثر تواضعاً على المدى القصير والمتوسط، مع الاعتماد على التمويل المباشر من صناديق السيادة بدلاً من الميزانية العامة المباشرة لبعض الأجزاء.
الدولة تنفق كما لو أنّ المال لا ينفد، والإيرادات تنكمش كما لو أنّ السوق يحتضر—والنتيجة: عجزٌ ينتفخ بثباتٍ.
أداء القطاعات الكبرى: تقييمات مُضخمة
ملف الشركات الكبرى، خاصة تلك المدرجة حديثاً أو التي تعد حجر الزاوية في قصة التحول الاقتصادي، لم يبدُ أفضل حالاً.
تقييمات متضخمة:بعض الشركات التابعة لكيانات مرتبطة بالرؤية تشهد تصحيحاً في تقييماتها السوقية بعد أن أظهرت النتائج التشغيلية أنها كانت تعتمد بشكل كبير على التمويل الحكومي أو الإعفاءات، وليس على النمو العضوي المستدام.الخسائر في الصناعات التحويلية:القطاعات الكيميائية والصناعية التي كانت تُعدّ محركات للتحول، سجلت خسائر تشغيلية بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة والمدخلات، مما أضاف طبقة رماد فوق «قصة التحوّل» التي يتم الترويج لها إعلامياً.
صعوبة التمويل:جملة تتكرّر في التقارير الاستثمارية الداخلية: «التمويل صار أغلى، والتدفقات لا تتوافق مع شهية المشاريع»، ارتفاع أسعار الفائدة العالمية والنفور النسبي للمستثمرين الأجانب من المخاطر المرتفعة للمشاريع الجديدة عزز من الضغط على السيولة المحلية.
«ذا لاين»: من الخيال الخالص إلى وحدات صامتة
مشروع «ذا لاين» (The Line) في نيوم يمثل البؤرة الأوضح لهذا التناقض بين الرؤية المعلنة والواقع المالي.
إعادة الهيكلة: الانكماش الصريح
أسبوع 7 نوفمبر شهد استقراراً في توجهات إعادة هيكلة المشروع الأيقوني.
التحول هو من تصميم خط مستقيم يمتد لمئات الكيلومترات (كما ورد في الصور الترويجية الأولى) إلى التركيز على وحدات محدودة المساحة والوظيفة يمكن تحقيقها ضمن ميزانية أقل.
التنفيذ الجزئي كمسار واقعي:العبارة التي وردت في إحاطة فنية داخلية تؤكد هذا التحول: «التنفيذ الجزئي هو المسار الواقعي الوحيد، »هذا يعني أن المخطط العام سيتم تفكيكه إلى «مراكز نشاط» أو «مجمعات قابلة للتطبيق» يتم تسويقها كمراحل أولى دائمة.تراجع المدى:التقديرات الجديدة تشير إلى أن الجزء القابل للسكن والتشغيل الفعلي قد لا يتجاوز نسبة مئوية ضئيلة من الطول الأصلي المخطط له، الفكرة المبهرة صارت «مرحلة أولى» دائمة، بينما تتكفّل النسخ الترويجية بملء الفجوات البصرية والإعلامية.
أسباب التصحيح: سباق القرار والجدوى
التحليل الفني الذي سُرّب يشير إلى خلل هيكلي في عملية التخطيط للمشاريع العملاقة:
مهندسون عملوا في البنية التحتية وصفوا أصل المشكلة بأنه «قرارات عليا سبقت دراسات الجدوى»، وأن «التحكّم المركزي ألغى آلية التصحيح المبكر»، عندما يتم إطلاق مشروع بهذا الحجم دون تحليل دقيق للجدوى الاقتصادية في ظل المتغيرات الجيوسياسية والمالية، يصبح التصحيح مكلفاً جداً، ونتيجة لذلك، صار التصحيح الآن أغلى وأبطأ، لأنه يتطلب تفكيكاً لما تم بناؤه بدلاً من تعديل المسار في مراحله الأولية.
الدولة الأمنية: تحديث بوجه رقابي
في المقابل، وبينما تتقلص المشاريع التنموية، يستمر توسيع أدوات المراقبة والضبط لضمان عدم ظهور أي معارضة أو اضطراب شعبي نتيجة للتحديات الاقتصادية.
التغلغل الرقمي كسياسة دولة
التحول التكنولوجي لا يخدم فقط القطاع الخاص، بل أصبح العمود الفقري لآليات الأمن الداخلي والضبط الاجتماعي.
التتبع العميق:تقارير تقنية صدرت هذا الأسبوع أكدت استخداماً أعمق وأكثر توغلاً لأدوات تتبع رقمية، تستهدف معارضين وناشطين يُعتقد أنهم يشكلون تهديداً للاستقرار، سواء داخل البلاد أو ممن يمارسون نشاطهم من الخارج.الوقاية الاستباقية:عبارة لافتة في مذكرة سيبرانية مسربة تؤكد هذا التوجه: «الوقاية الاستباقية تتطلّب قابلية الوصول إلى الأجهزة»، الترجمة العملية لهذا المفهوم هي التغلغل العميق في الخصوصية الرقمية للأفراد كسياسة دولة منهجية، ليس فقط لرصد التهديدات الواضحة، بل للتنبؤ بأي شكل من أشكال المعارضة المحتملة قبل ظهورها.
الميدان القضائي: التمديد العقابي
شهدت الأسبوع أيضاً أحكاماً قضائية مشددة طالت ناشطي رأي أنهوا محكومياتهم السابقة، ليجدوا أنفسهم مجدداً أمام تهم جديدة أو ما يُعرف بـ «تمديد عقابي».
تجريم الرأي:العبارة التي وردت حرفياً في منطوق أحد الأحكام هذا الأسبوع كانت: «تعزيرًا لجرائم معلوماتية تمس الأمن العام»، هذه الأحكام تُستخدم لضمان عدم عودة النشطاء السابقين إلى الفضاء العام.التقنية كشاهد إثبات:التقنية هنا لم تعد مجرد أداة تواصل أو نشر؛ بل أصبحت الشاهد الرئيسي والدائم الذي يُستخدم لإثبات استمرارية النوايا أو التشكيك في التوبة المعلنة.
كلّما ارتفع عدد القضايا الأمنية (الاعتقالات، الاستدعاءات، المراقبات…) يتراجع النقاش العام ويزداد الصمت بين الناس.
حقوق الإنسان: أبواب مغلقة وحدود مفتوحة للإعادة القسرية
التناقض بين الموقف الرسمي من حقوق الإنسان والسجلات الموثقة دولياً يزداد وضوحاً.
نداءات الإعادة القسرية
من خارج الحدود، وثقت منظمات حقوقية هذا الأسبوع مخاطبات عاجلة للسلطات الدولية لمنع إعادة ناشطين إلى الداخل السعودي تحت خطر «الإعادة القسرية».
الخطر الواقعي:العبارة المشتركة في النداءات الدولية الموجهة للدول المضيفة كانت: «ثمة خطر واقعي وقريب بالتعرض للتعذيب والمحاكمة غير العادلة»، هذا يشير إلى أن المخاوف المتعلقة بالسلامة الشخصية للناشطين المهددين بالترحيل لم تنحسر.الاستجابة الرسمية:الرسائل وصلت إلى مكاتب صنع القرار، لكن باب الترحيل لم يُغلق نهائياً بعد، مما يعني استمرار العمليات السرية أو المنسقة لإعادة المطلوبين أمنياً.
وتيرة الإعدامات الصامتة
تواصلت وتيرة الإعدامات بوتيرة مرتفعة مقارنة بالسنوات الماضية.
الأرقام التراكمية:الرقم التراكمي لحالات الإعدام حتى نهاية أكتوبر كان صادماً للمتابعين الدوليين، وهذا الأسبوع لم يحمل أي دلالات على تهدئة أو مراجعة في استخدام هذا العقاب.صمت يغطي: الصمت الرسمي في هذا الملف يظل أعلى صوتاً من أي تصريح قد يصدر، يُدار هذا الملف بعيداً عن أضواء الإعلام، بعكس المشاريع التنموية التي تحتاج إلى دعاية مكثفة.
المجتمع والفضاء المدني: المخبر كمواطن مثالي
تتسع منظومة الرقابة المجتمعية وتُشرعَن الوشاية كوسيلة لتحقيق «الأمن والنظام».
تفعيل ثقافة المكافأة مقابل البلاغ
سياسات «المكافآت مقابل البلاغ» تتوسع لتشمل قطاعات جديدة، بدأت هذه السياسات في مخالفات البناء أو المرور، وتوسعت الآن لتشمل القطاع السيبراني والمعلوماتية.
التأطير الرسمي:الصياغة الرسمية المستخدمة هي: «تحفيز المشاركة المجتمعية»و«تعزيز الشعور بالمسؤولية الوطنية».التأطير الواقعي:الصياغة الواقعية التي يراها المراقبون هي: «تأطير الوشاية وتعميمها»، الخبر ليس فقط في حجم المكافأة المالية (التي قد تكون مغرية في ظل التحديات الاقتصادية الشخصية)، بل في تحويل الأخلاق العامة إلى «عقد عمل مؤقت» بين الفرد والدولة؛ تُجزّئ هذه الآلية الثقة الاجتماعية وتعيد تدويرها كأداة رقابة جماعية.
حادثة الحرم: السلطة في مواجهة التوثيق
حادثة اعتداء على معتمر في محيط الحرم المكي أثارت جدلاً واسعاً هذا الأسبوع، خاصة بعد انتشار مقاطع مصورة تظهر تجاوزات من جهات أمنية أو إشرافية.
سؤال عن الحراسة:الحادثة أعادت سؤالاً بسيطاً وثقيلاً: من يحرس الحُرُمات حين يتحول الحرم إلى مسرح سلطوي؟اللحظة المختزلة:الجملة التي دوّت في المقطع المتداول (والذي سارعت السلطات لحذفه) كانت تصف رد فعل المعتمر المتضرر «صوّر... إحنا بنتبهدل»، هذه الصورة المختزلة لا تحتاج إلى شروح كثيرة لتوضح العلاقة المتوترة بين المواطن أو الزائر والسلطة التنفيذية في الميدان.
العمل والوافدون: من المطالبة بالأجر إلى قيد الترحيل
الضعف الاقتصادي يفاقم من معاناة الفئات الأكثر هشاشة، خاصة العمالة الوافدة.
الاحتجاج الصامت:وثّقت تقارير عمالية هذا الأسبوع حالات احتجاز لعمّال طالبوا بأجورهم المتأخرة، والذين وجدوا أنفسهم تحت طائلة التهم الأمنية بدلاً من الحصول على مستحقاتهم المالية.التكييف القانوني:الجملة الباردة التي ظهرت في محاضر التحقيق مع هؤلاء العمال كانت: «تجمع غير نظامي»، البارد في الورق ملتهب في الواقع؛ فمن لا يملك أجره، لا يملك صوته، وأي محاولة لاسترداد الحقوق العمالية الأساسية تُصنّف فوراً على أنها تهديد للأمن العام.
من يحتجّ على الأجور }}يُتَّهَم بأنّه تجمّع غير نظامي }} ينتهي به الحال إلى ترحيل فوري.
أي: المطالبة بالحق تتحوّل إلى جرم، والصرخة تنتهي بطائرة عودة.
العلاقات الخارجية: مظلّة أمنية بثمن سياسي
النشاط الدبلوماسي المكثف هذا الأسبوع تركز حول تأمين الضمانات الأمنية في ظل التوترات الإقليمية المتصاعدة.
المفاوضات الدفاعية:الحراك مستمر لانتزاع اتفاق دفاعي شامل وعابر للإدارات الأمريكية، وهو ما يترافق مع مفاوضات متقدمة حول حزمة مقاتلات متطورة.الثمن السياسي:العبارة المتداولة في كواليس الدبلوماسية هي: «ضمانات أمنية مقابل التزامات سياسية إقليمية»، هذا الملف ليس عسكرياً بحتاً؛ بل هو مفاوضة معقدة على تموضع إقليمي أوسع، يتضمن التنازل عن مساحات من الاستقلالية في القرارات الإقليمية مقابل تأمين استمرارية المظلة الأمنية الغربية.
لغة السلطة هذا الأسبوع
يمكن تلخيص المفاهيم التي هيمنت على الخطاب الرسمي هذا الأسبوع في أربع عبارات رئيسية، تشكل معاً دليلاً لفك شفرة الإدارة الحالية:
«تصحيح مسار» : الإقرار، وإن كان غير مباشر، بأن الخطط السابقة كانت خاطئة أو مبالغاً فيها، مع التأكيد على أن القيادة هي الوحيدة القادرة على تصحيحها.
«مرحلية التنفيذ» : تبرير لتقليص حجم المشاريع الحالية وإعادة جدولتها على مدى زمني أطول بكثير مما تم الإعلان عنه سابقاً.
«تحفيز المجتمع» : إعادة تسمية الرقابة الذاتية والوشاية البينية كشكل من أشكال المشاركة الوطنية الإيجابية.
«جرائم تمس الأمن العام» : العبارة القانونية الشاملة التي تُستخدم لتجريم أي شكل من أشكال الاعتراض، سواء كان اقتصادياً، سياسياً، أو اجتماعياً.
هذه العبارات الأربع تلخص ما يجري: تقليص للوعود، تأجيل للإنجاز الملموس، تحويل الناس إلى عيون للدولة، وتجريم مسبق لأي اعتراض.
الخلاصة
هذه ليست أخباراً متفرقة؛ هذا هو تصميم النظام حين ينحسر المال وتبرد الوعود: يُقزَّم الخيال ويُكبَّر السجن.
العجز المالي يُدار بتصغير المشاريع لا بتغيير الفكرة الأساسية التي قامت عليها، والقبضة تُشدّ بقوة لتغطية صوت الخراب في الحسابات المالية التي لا يمكن إخفاؤها تماماً عن الشركاء الدوليين والمراقبين.
«ذا لاين» تحوّلت من أيقونة المستقبل إلى شاهد على واقع بسيط: قرار فردي يجرّ اقتصاداً كاملاً إلى حافة الوهم ثم يعود به خطوة إلى الوراء ليعلن «تصحيحاً»، هذا التصحيح لا يمس الفكرة العليا، بل يمس فقط سرعة التنفيذ وقدرة الدولة على تمويل هذا السرعة.
في المقابل، يتّسع سجل الأحكام والمنع والترحيل، وتتطوّر المراقبة من مجرد تطبيقات تكنولوجية إلى بنية تحتية راسخة في العقول والسلوك اليومي.
هكذا تُدار البلاد في هذه المرحلة: إعلان صاخب، إنفاق متسرّع، ثم حساب متأخر لا يُعلن عنه إلا بعبارات غامضة، يليه صمتٌ يُفرض بالقانون والأجهزة الأمنية.
النهاية المؤقتة ككل أسبوع: البلد يتقلّص في يد واحدة، والمجتمع يُستدعى ليكون مخبراً على نفسه، فيما تتكفّل الدعاية بطلاء الجدار الذي يتشقق من الداخل والخارج.
ارسال التعليق