الطيار الأمريكي الرحيم قربان الأمة النائمة
بقلم: مريم بوزيد سبابو/ كاتبة من الجزائر...
ما زلنا نقف عند عتبات الخجل والجبن من أن نقول للمسيء منا أسأت، أن ننتقد سياساتنا وحكوماتنا المتواطئة مع المحتل الصهيوني، والذين يفتحون له الطرق والسماء والبحر والأحضان، ويزودونه بطاقة الغطرسة والافتراس، ويحولون شلالات الدم لسجادات حمراء تدوسها أقدام العسكر والمسؤولين!؟
أصبحنا أعجز الشعوب على وجه الأرض، ننتظر من يفرج عن كربتنا وضيق صدورنا، وأن يفعل ما لا يمكننا التجرؤ على فعله، نرى حكام أمريكا اللاتينية ووزراء جنوب افريقيا، وممثلين أجانب وغيرهم ليهم من الرجولة والكرامة ما نفتقدها جميعا، نادرا ما يأتينا خبر عن أبناء جلدتنا من كانت لهم شجاعة القول، أضعف الايمان، إلا نادرا.
هكذا انتشرت صورة الطيار الأمريكي الشاب آرون بوشنل والتعليقات حوله على وسائل ومنصات التواصل الاجتماعي، الممجدة لما أقدم عليه الجندي الأمريكي الشجاع وليس بدافع ديني أو عرقي أو قومي، بل للتكفير عن ذنوب حكومته الرعناء، عرابة الصهاينة، ومن منطلق إنسانيته، التي منعته من أن يكون طرفا في إبادة الإنسان في غزة.
«الغرب ليس شرا مطلقا، هكذا كنت أسمع الراحل الطاهر وطار يردد بين اللحظة والأخرى»، كتب الإعلامي والمخرج محمد زاوي على صفحته في فيسبوك. ويضيف: «أنا أيضا أعارض كل من يعمم، أو أن يختصر ما يجري في حرب دينية أو في شرق وغرب. وفي كل يوم وفي كل أسبوع نسمع أصواتا في كل اللغات تقول لا للعدوان الإسرائيلي في أكثرية بلدان الغرب. هاته الأصوات التي ليست بالضرورة هوية دينية أو سياسية، وهي تعارض الإبادة الإنسانية، التي تمارسها إسرائيل والولايات المتحدة وأصدقاؤهم ضد شعب أعزل! هذا هو الجندي الأمريكي الذي سمع كل العالم صوته، حينما حرق نفسه من أجل أن يعيش أبناء فلسطين. لروحك السكينة والرحمة».
وانتشرت صورة الجندي الشاب أرون بوشنل، البالغ من العمر 25 عاما وبسمة عريضة على محياه، لم يحرق جسده وكفى، بل ترك «صدقة جارية» خلفه «حيث خصص مدخراته لأطفال فلسطين، قبل أن يضرم النار في نفسه أمام السفارة الإسرائيلية في واشنطن، احتجاجا على ما تقوم به اسرائيل من «إبادة جماعية» في قطاع غزة». كما جاء في موقع «الحوار التونسي»، وأنه كما ذكر الصحافي الأمريكي كويل لورانس للإذاعة الوطنية العامة أن «بوشنل» خطط لوصيته بعناية فائقة مع منظمة خيرية عمل معها، وأنه أعد وصيته وطلب التبرع بمدخراته لصندوق مساعدة أطفال فلسطين.
وأضاف أنه رتب كل شيء قبل إقدامه على حرق نفسه، حتى أنه أوصى جاره بالاعتناء بقطته».
وحين كانت النيران تلتهم جسده الطاهر كان يصرخ «الحرية لفلسطين»، مرارا وتكرارا، حتى توقف عن التنفس».
يضيف موقع «الحوار التونسي»، من يرأف بالقطط لا يمكنه إلا أن يكون إنسانا شفافا، وليس من يتكسبون وراء إظهار مزاعم إنسانية وما أكثرهم.
أما عبد الصمد بن دراو، فلم يستوعب الواقعة «ما زلت أحاول استيعاب الواقعة وفهمها، في الثلاث عشرة سنة الأخيرة، سمعنا عن عمليات حرق الذات، منذ البوعزيزي، كحركة احتجاجية عن مظلومية قاهرة، لكن كما أقول هي تعبير عن مظلومية حلت بالذات وليس بالآخر. أما «آرون بوشنيل» فحالة مختلفة كليا. هذا الشاب هو جندي في المقام الأول، بمعنى أن ضميره لم يستنكف عن العمل العسكري، أي أن لديه تصورا ما عن العدالة لا يتناقض وشرعية الحرب، كدفاع عن النفس في أبسط تقدير. هذا الشاب لا تربطه أي قرابة مع الغزاويين، من حيث العرق أو الدين أو اللغة أو الجغرافيا أو المصلحة المشتركة. إنه يصنع معضلة لعلم النفس التطوري. على مستوى أخلاقياته، واضح جدا أن هذا الشاب لا تنضبط أخلاقه على نفعية جيرمي بنتام وجون ستوارت ميل، فلا مصلحة مكتسبة عنده أو عند مقربيه من دائرته الضيقة بما فعل، ولا حتى أخلاق الواجب الكانطية هذه المغرقة في الإيثار لا ترقى تنظيريا لما فعله الرجل، ففي النهاية حتى «كانط» لا يرى ضرورة لما حدث. وفي ختام منشوره أضاف عبد الصمد: «إن آرون بوشنيل لا ينضبط للإنسانية التي نعرفها، تنظيرا قبل أن تكون ممارسة، إنه حالة منفردة جدا، لم أفهمها للأمانة. لا يسعني اللحظة أن أقول فيه إلا: أن آرون بوشنيل كان أمة».
بالفعل لا مجال للكلام والمقارنة مع من يواجه بإعدام جسده لتحيا ذكراه الطيبة ومع من يعلّف جسده بأشلاء ودماء أطفال غزة ويسمن أبقاره ويموت ميتة الجيف، أكرمكم الله.
كوثر بن هنية تبكي لأجل غزة:
فازت المخرجة التونسية كوثر بن هنية بجائزة «سيزار» الفرنسية المقابلة للأوسكار الأمريكي، عن فيلمها الوثائقي «بنات ألفة» المستمد من قصة واقعية لسيدة تدعى «ألفة»، والتي كانت قد استضيفت في بلاتوهات تونسية لتحكي مرارة تجربتها مع ابنتيها اللتين التحقتا بتنظيم «داعش» في ليبيا. غفران ورحمة 18 و17 سنة، التحقتا بالتنظيم، وهما في السادسة عشرة، وكان ذلك عامي 2014 و2015. هذا ما ذكرته «ألفة» في برنامج «ما يدوم حال» على قناة «أم تونيزيا».
أحداث هذه الحياة التعيسة المؤلمة التي عاشتها «ألفة» كانت موضوع الفيلم الوثائقي، وهو إنتاج تونسي فرنسي ألماني سعودي. بالرغم من مصير الفتاتين المجهول القابعات في السجون الليبية، لم تحرك الحكومة التونسية ساكنا من أجلهما، فربما سيحركها الفيلم. وبما أن العالم متجه بضمير حي أو ميت صوب غزة، فلم يمر استلام جائزة الفيلم، دون أن تترافع مخرجة الفيلم ببعض الجمل وهي تبكي حرقة على ما يحدث في غزة قائلة: «بما أننا نتكلم عن الصحافة وعن حرية التعبير، لا أدري إن كنتم على علم بأن هناك 70 صحافيا قد تم استهدافهم وقتلوا في غزة في هذا القطاع، الذي أصبح محرما على الصحافيين. المطالبة بوقف قتل الأطفال أصبح اليوم بمثابة موقف متطرف، وهذا أمر سخيف تماما، لن نصمت ولن نقبل بالترهيب، يجب أن تتوقف هذه المجزرة، لا بد من استخدام شهرتنا لنبين أن ما يحدث في غزة في غاية الفظاعة، ولا يمكن لأحد الزعم أنه لا يعلم بها، إنها أول مجزرة تبث مباشرة على شاشتنا وعلى هواتفنا، كلنا نعلم بما يحدث، وعلى كل هذا أن يتوقف». ليت أصحاب الجوائز الأدبية العربية أن يفعلوها ويواجهوا تورطنا في ما يحدث.
ارسال التعليق