النظام السعودي يواصل الضغط على الشيخ كاظم العمري عبر أبنائه!
في التفاصيل أقدمت عناصر سعودية مسلحة على محاصرة وسط السوق العامة في المدينة المنورة وعمدت لبث الخوف والترهيب، واعتقلت الشاب محمد بطريقة وحشية عبر ضربه بعنف أمام الناس. قبل أن تذهب فرقة أخرى مسلحة إلى منزل الشيخ العمري وتحطم الأبواب وتتلف المقتنيات في انتهاك فاضح لحرمة المنزل، وتعتقل ولده الثاني رجائي.
ويعدّ الشيخ كاظم العمري وريث والده في زعامة أبناء الطائفة الشيعية في المدينة المنورة، والاشراف على شؤونهم الدينية والاجتماعية.
إلى ذلك، كان الشيخ كاظم قد تعرض في يناير/ كانون الثاني من العام الحالي إلى عملية اعتقال وهو نجل أبرز رجال الدين الشيعة في المدينة المنورة، العلّامة الشيخ محمد علي العمري ( 1911-2011).
وفي الثاني من أغسطس/آب 2010 للاعتقال من قبل مجموعة من المباحث العامة في المدينة المنورة، بعد أن تم اقتحام مزرعة والده العلامة محمد العمري والتي تعتبر من المراكز الدينية البارزة في المدينة، وتضم مكتب الشيخ ومسجد، حيث يؤمها العديد من المصليين والزوار.
قامت المجموعة بقيادة ملازم الشرطة (سعد العلوي) باقتحام المزرعة التي كانت مغلقة وقت وقوع الحادث وقاموا بكسر الأبواب ومن ثم تدمير العديد من اللوحات وتمزيق اللافتات المعلقة على جدران المزرعة والتي كانت تحمل الشعارات دينية ومصادرة البعض منها. وجاء الهجوم على المزرعة بحجة ملاحقة بعض العمال الآسيويين من الذين يعملون في محال تجارية تابعة للمزرعة ويبيعون وبشكل سري مواد دينية خاصة بالشيعة تعتبر ممنوعة من قبل سلطات الكيان السعودي مثل ( أكفان مكتوبة بالتربة الحسينية وترب ومسابح حسينية) .
وقام عناصر الأمن بعد الهجوم باعتقال الشيخ كاظم العمري، وفي مقر الشرطة أجبر الشيخ على كتابة تعهد رفض مسبقا التوقيع عليه، وبعد ذلك أطلق سراحه في نفس يوم الاعتقال إلا ان هيئة التحقيق والادعاء العام أعادت اعتقاله مرة أخرى في صباح اليوم التالي. يأتي هذا الاعتقال في وقت تشهد فيه “المملكة” حالة من تجميل الوجه وترقيعه، دون التواني عن الاستمرار في حملات الاعتقال. حيث طالت العديد من رجال الدين المحسوبين على النظام في “السعودية”، الأمر الذي يرجح كفّة الاعتقال على خلفية التضييق على نشاط رجال الدين في “المملكة” وبشكل خاص ممن يشكلون حالة جماهيرية بين أوساط المواطنين.
ولأن الشيخ العمري معروف عنه ابتعاده عن النشاط السياسي، وانحصار عمله في نشاطه الديني، فتبدو محددات الاعتقال أكثر وضوحاً لناحية كونها ترتبط في حضوره الديني بين أوساط المتدينيين في المدينة المنورة.
الاعتقالات التعسفية سياسة انتقام ثابتة:
يذكر أن السلطات السعودية تعتقل عشرات آلاف المعتقلين تعسّفياً. سياسة كرّستها سلطات القمع السعودية تاريخياً في تعاطيها مع النشطاء والمفكرين داخل البلد. أدى ذلك بطبيعة الحال إلى إعدام حريّة الرأي والتعبير التي أنهت بدورها كافة محاولات التطوّر والإبداع في القطاعات الإنتاجيّة.
يُعرف الاعتقال التعسفي بحسب منظمة العفو الدولية أنه وهو اعتقال أشخاص دون سبب مشروع أو دون إجراء قانوني. أما سجناء الرأي، فهم وفق المنظمة “أشخاص لم يستخدموا العنف أو يدعوا إليه، ولكنهم مسجونون بسبب من هم (الأصل العرقي أو القومي أو اللغة أو اللون أو الجنس أو الوضع الاقتصادي)، أو بسبب ما يعتقدون (وجهات نظر دينية أو سياسية أو غيرها من المعتقدات النابعة من الضمير)".
المشكلة في “السعودية” لا تكمن في طبيعة الرأي، أو ما يشكّله من خطورة على الحاكم، بصرف النظر عما إذا كان حقاً سيؤثر أي رأي على حكم آل سعود المتجذّر في البلاد. المشكلة تكمن في الرأي بحد ذاته، حتى لو كان بدافع الحرص على الواقع المعاش. كثيرون هم الذين اختفوا في “السعودية” بعدما قدّموا رأياً في مجال ما، أياً يكن هذا الرأي. في “السعودية” ثمّة كلمة واحدة يقولها “الملك” أو ولي عهده.
يعقب الاعتقالات التعسّفية عادةً، سلسلة من المأساة التي قد تنتهي بموت المعتقل في ظروف غامضة داخل السجن، أو بعد الإفراج عنه بوقت قليل كما حصل مع الكاتب صالح الشيحي. منذ بدء التحقيقات، يتعرّض المعتقل للتعنيف النفسي والجسدي، عدا عن المماطلات التي يواجهها المعتقلين قد تمتد لسنوات قبل امتثالهم أمام المحاكم. وللأخيرة أيضاً قصّة حزينة أخرى تطول فصولها.
أما جوهر القضيّة فيكمن في أن هذا الاعتقال الذي يطال أحد النشطاء أو المعارضين، لا يكون مبني على اتهام واضح، وبحال كان ثمّة هناك اتهام فلا يكون له دليل صريح يثبت ارتكاب الفرد للفعل الذي نُسب إليه. إجراءات تصفها منظمات حقوقية بأنها جائرة، وأن الأمر لا يزداد سوءاً، رغم أن شعار "رؤية السعودية 2030″، الذي رفعه محمد بن سلمان، ينطبق على واقع مغاير لذاك الذي يعيشه الأهالي في “السعودية".
في المادّة التاسعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: “لا يجوز القبض على أي انسان أو حجزه أو نفيه تعسّفياً”. وفي المادة التاسعة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية: “لكل فرد الحق في الحرية والسلامة الشخصيّة ولا يجوز حرمان أحد من حريته إلا على أساس من القانون وطبقا للإجراء المقرر فيه”. أما الاتفاقيّة الأوروبيّة لحقوق الانسان، فقد قررت في الفقرة الأولى من المادة الخامسة منها أنه: “لكل إنسان الحق في الحرية والأمن، ولا يجوز حرمان أحد من حريته إلا وفقاً للطرق القانونية”.
إذاً، تنص القوانين الدولية بشكل صريح على حماية الإنسان من الاعتقال التعسفي دون اتهام. وهو ما يلزم محمد بن سلمان الذي يعمل على استنتساخ الثقافة الغربيّة أن يستنتسخ تجربتها الحقوقية وفق ما تنص عليه قوانين حقوق الإنسان. وإلا ماذا تنفع سياسة التغريب المفروضة على البلاد إذا ما اقترنت بإصلاحات منهجية في السياسات العامة للبلاد. تتعارض الاعتقالات التعسفية مع القوانين الداخلية في “السعودية” نفسها حتى، إذ تنص المادة 35 من نظام الإجراءات الجزائيّة على منع هذا الاعتقال التعسفي، وجاء فيها: “في غير حالات التلبس بالجريمة، لا يجوز القبض على أي إنسان أو توقيفه إلا بأمر من السلطة المختصة بذلك”. وكذلك تفصل مواد هذا النظام مسائل أخرى مرافقة ومتعلّقة بموضوع التوقيف أو الاحتجاز لمن هو متلبّس بجنحة أو جناية. فضلاً عن ذلك تعتبر “السعودية” طرفاً في العديد من المواثيق والعهود الدوليّة، فهي إحدى الدول المصدّقة على الميثاق العربي لحقوق الإنسان (2009) والصادر عن جامعة الدول العربية، ثم المعاهدة الدولية ضد التعذيب، والتي انضمت إليها “السعودية” بتاريخ 23 أيلول/ سبتمبر 1997، والقانون الدولي العرفي، والذي يوجب على “السعودية” في ضوء ما ألزمت نفسها به من معاهدات أن تحترم مبادئ حقوق الإنسان التي تضمن الحريات الأساسية وتحرم ممارسة التعذيب.
ارسال التعليق