
بوريس جونسون استغلّ علاقته مع ابن سلمان لتحقيق مكاسب خاصة
كشفت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، استنادًا إلى وثائق مسرّبة، أن رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون استغل اتصالاته مع مسؤولين سعوديين كبار، وعلى رأسهم محمد بن سلمان، لتحقيق مكاسب تجارية شخصية بعد خروجه من الحكم.
الملفات التي اطّلعت عليها الصحيفة تُظهر أن جونسون، الذي استقال من الحكومة عام 2022، سعى عبر شركة استشارية حديثة التأسيس تُدعى Better Earth إلى إقناع السلطات السعودية بتوظيفها كمستشار في مشاريع تتعلق بخفض الانبعاثات الكربونية. وقدّم جونسون نفسه في رسائل شخصية إلى محمد بن سلمان باعتباره “معجبًا برؤية السعودية”، مقترحًا أن تكون الشركة الجديدة “مفيدة” لتحقيق طموحات النظام.
تقول الصحيفة إن الوثائق تثير تساؤلات بشأن ما إذا كان جونسون قد انتهك القيود المفروضة على الوزراء السابقين، التي تحظر عليهم ممارسة الضغط على الحكومات الأجنبية باستخدام علاقاتهم السابقة. ويبدو من تفاصيل الاجتماعات والرسائل أن رئيس الوزراء الأسبق لم يتردّد في الاعتماد على الروابط التي نسجها حين كان في داونينغ ستريت لفتح أبواب استثمارات جديدة.
وتشير الملفات، بحسب ذا غارديان، إلى أن جونسون التقى وزير التجارة السعودي ماجد القصبي في أكثر من مناسبة، بينها غداء خاص في لندن، حيث طُرح مشروع الشركة الجديدة على طاولة النقاش. كما أرسل رسائل تحمل شعار “مكتب بوريس جونسون” إلى القصبي وإلى ابن سلمان مباشرة، في مسعى لترتيب لقاءات رسمية. اللافت أن هذه الرسائل تضمنت عبارات شخصية توحي بعلاقة ودّية، مثل تذكير ولي العهد بجلسات سابقة في الرياض أو حتى مغامرات غوص مشتركة.
الوثائق المسرّبة جاءت ضمن ما يُعرف بـ “ملفات بوريس”، والتي حصلت عليها منظمة أميركية غير ربحية تُدعى Distributed Denial of Secrets، تعنى بتوثيق تسريبات البيانات. وتكشف الملفات كيف بنى جونسون بعد مغادرته رئاسة الحكومة مهنة خاصة مربحة، مستخدمًا نفوذه وعلاقاته الرسمية السابقة.
ورغم الطلبات المتكررة للتعليق، لم تُجب لا الشركة البريطانية Better Earth ولا الحكومة السعودية على استفسارات الصحيفة. أما جونسون نفسه فقد التزم الصمت في البداية، قبل أن يرسل لاحقًا بيانًا مقتضبًا للغارديان نفى فيه أي استغلال غير مشروع لمخصصاته كرئيس وزراء سابق، واصفًا القصة بأنها “هراء” ومتهكمًا بالقول إن الصحيفة “ينبغي أن تغيّر اسمها إلى برافدا”.
تضيف الصحيفة أن مساهمي Better Earth يضمون عدداً من المقربين من جونسون، بينهم وزيران محافظان سابقان، إضافة إلى شارلوت أوين، المساعدة السابقة التي منحها لقب النبلاء. ويذكر أن الشركة تأسست في أواخر 2023 على يد رجل الأعمال الكندي أمير عدناني، الناشط في قطاع التعدين النووي. وقد التحق جونسون بالشركة بصفته رئيسًا مشاركًا، مقابل راتب سنوي يناهز 120 ألف جنيه إسترليني وحصة قدرها 12.5% من الأسهم.
ووفقًا للوثائق، وقّع جونسون عقد العمل مع الشركة بعد يوم واحد فقط من زيارة للرياض ألقى خلالها خطابًا والتقى مسؤولين سعوديين بارزين. وبعدها بأيام، أبلغ الهيئة الرقابية البريطانية على الوظائف الحكومية بنيته العمل مع الشركة، من دون أن يشير إلى أن الاتفاق قد تم بالفعل. ورغم موافقة الهيئة لاحقًا على دوره الجديد، فقد اشترطت أن لا يستخدم اتصالاته السابقة في الحكومات الأجنبية. غير أن الوثائق المسرّبة تكشف أنه كان قد بدأ بالفعل بلقاء مسؤولين سعوديين والترويج للمشروع.
كما تُظهر الملفات أن شركة Better Earth كانت تروج لولي العهد عبر وعود بدعم المملكة في التحضير لقمة المناخ “كوب 30”، بل وتحدثت عن استعدادها لإرسال فريق خبراء إلى السعودية لتطوير مشاريع “الطاقة الحرارية الأرضية".
ووفق ذا غارديان، لم يتضح حتى الآن ما إذا كانت الرياض قد تجاوبت فعليًا مع عروض جونسون أو دعواته، لكن المؤكد أن رئيس الوزراء السابق استثمر شبكة علاقاته السعودية التي بُنيت خلال زيارته الرسمية للرياض في 2022، حين كان لا يزال في منصبه.
بهذا، تسلط الوثائق الضوء على تلاقي المصالح بين شخصية سياسية بريطانية بارزة تبحث عن نفوذ مالي جديد، ونظام سعودي يسعى لتلميع صورته عبر مشاريع بيئية وواجهات استشارية غربية. وتبقى الأسئلة مطروحة – وفق الصحيفة البريطانية – حول مدى التزام جونسون بالقواعد الأخلاقية في الحياة العامة، وحول استعداد السلطات السعودية لشراء النفوذ السياسي عبر صفقات استشارية مشبوهة.
ارسال التعليق