اقتصاد
تراجع أسعار النفط تهدد طموحات ابن سلمان
كشف الخبير الاقتصادي تيم كالين، الزميل الزائر في معهد دول الخليج في واشنطن، عن تحديات اقتصادية عميقة وخطيرة تواجه "السعودية" جراء التراجع المستمر في أسعار النفط العالمية.
هذا التراجع، الذي يبدو أنه يكتسب زخمًا، يضع ضغوطًا هائلة على الشريان الحيوي للاقتصاد السعودي: الإيرادات النفطية التي تشكل الجزء الأكبر من ميزانية الدولة. التحليل الذي قدمه كالين، يُلقي بظلال من الشك على قدرة النظام السعودي على الوفاء بوعوده الكبرى وتحقيق طموحات "رؤية 2030" الطموحة التي تُعد واجهة سياسته الاقتصادية والتنموية.
تُقدم "رؤية 2030" على أنها خطة شاملة لتحويل "السعودية" من اقتصاد ريعي يعتمد على النفط إلى قوة اقتصادية متنوعة وفعالة، تُركز على الاستثمار في القطاعات غير النفطية مثل السياحة، التكنولوجيا، والترفيه.
ولكن، وكما يُشير كالين، فإن هذه الرؤية الضخمة تتطلب استثمارات ضخمة للغاية، جزء كبير منها كان يُفترض أن يأتي من الفوائض النفطية.
مع استمرار هبوط أسعار النفط، تتآكل هذه الفوائض بسرعة، مما يُهدد بشكل مباشر السيولة المالية اللازمة لتمويل مشاريع عملاقة مثل مدينة نيوم المستقبلية، التي تقدر تكلفتها بمئات المليارات من الدولارات، ومشاريع البحر الأحمر، والقدية الترفيهية.
يُسلط كالين الضوء على أن انخفاض أسعار النفط ليس مجرد تحدٍ مؤقت، بل هو بمثابة مؤشر يكشف عن الهشاشة المتأصلة في النموذج الاقتصادي السعودي. فرغم الحديث المتكرر عن التنويع، لا يزال الاقتصاد السعودي يرسو بقوة على أسس هشة تعتمد على تقلبات سوق الطاقة العالمية التي لا يمكن التحكم بها.
هذه الاعتمادية المفرطة تُعرّض المملكة لمخاطر كبيرة مع كل انخفاض في سعر البرميل، مما يُجبر الحكومة على البحث عن بدائل لتعويض النقص في الإيرادات، غالبًا ما تكون على حساب المواطن العادي.
فبينما يرى النظام أن المشاريع الضخمة ستوفر فرص عمل وتدفع عجلة النمو، فإن تراجع الإيرادات النفطية قد يُجبره على خفض الإنفاق العام أو تأجيل هذه المشاريع، مما يؤثر سلبًا على سوق العمل والفرص الموعودة للشباب السعودي. علاوة على ذلك، تُشير التحليلات إلى أن محاولات تعويض النقص قد تدفع الحكومة نحو فرض مزيد من الضرائب أو رفع أسعار الخدمات الأساسية، مما يُشكل عبئًا إضافيًا على كاهل المواطنين الذين يعانون بالفعل من تحديات اقتصادية.
إن الضغوط الاقتصادية الناجمة عن تراجع أسعار النفط، وفقًا لتحليل كالين، لا تقتصر على الجانب المالي فقط. فهي تمتد لتُشكل تهديدًا للاستقرار الاجتماعي في ظل تطلعات الشباب السعودي الذي يُشكل الأغلبية. فمع تباطؤ وتيرة التنمية وتضاؤل الفرص، قد تتزايد مستويات البطالة وتتفاقم التحديات المعيشية، مما يُغذي حالة من عدم الرضا الشعبي في مجتمع يشهد تحولات اجتماعية متسارعة تُدفع من الأعلى.
التحديات التي أشار إليها الخبير الاقتصادي تيم كالين تُقدم صورة قاتمة لمستقبل "رؤية 2030" في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة. إنها تُبرز الحاجة الملحة لإصلاحات اقتصادية حقيقية تتجاوز الوعود البراقة والمشاريع الضخمة، وتُركز على بناء اقتصاد مستدام ومُتنوع لا يرتعش مع كل تغير في أسعار النفط. فالنموذج الحالي، كما يظهر من هذا التحليل، لا يزال بعيدًا كل البعد عن تحقيق الاستقلالية الاقتصادية الحقيقية، ويُبقي مصير البلاد مُعلقًا بأسواق الطاقة العالمية المتقلبة، مما يُعرض رفاهية المواطنين للخطر ويُعيق أي تقدم حقيقي نحو مستقبل مُستقر.
وخلال الشهر الماضي، دخلت شركة أرامكو السعودية سوق السندات مرة أخرى بعد إعلانها عن نتائج مالية للربع الأول من عام 2025 أظهرت انخفاضًا في الأرباح بنسبة 4.6%. ويعزى هذا التراجع إلى انخفاض المبيعات وارتفاع تكاليف التشغيل. ويأتي هذا الإصدار الجديد للسندات المقومة بالدولار بثلاث شرائح بآجال استحقاق مختلفة، في ظل توقعات اقتصادية عالمية غير مؤكدة وتغيرات في استراتيجية تحالف أوبك+.
وتثير هذه التطورات تساؤلات حول قدرة أرامكو على الحفاظ على مستويات الأرباح وتوزيعات الأرباح في المستقبل، خاصة مع احتمال نشوب حرب أسعار نفط تهدف إلى استعادة حصص السوق. كما أن المؤشرات الأولية حول دراسة أرامكو لبيع بعض الأصول بهدف تسييل الممتلكات لم تلق حماسًا كبيرًا في السوق. يرى محللون أن تحركات أرامكو الأخيرة، بما في ذلك اللجوء إلى أسواق الدين واحتمالية بيع الأصول، قد تكون مرتبطة بالضغوط المتزايدة على تمويل المشاريع الضخمة لرؤية 2030. ففي ظل أداء أرامكو الذي لا يزال دون التوقعات، يصبح توفير السيولة اللازمة للحفاظ على زخم هذه المشاريع أمرًا بالغ الأهمية.
ارسال التعليق