حرب الأسعار: خيار السعودية غير المستبعد في أوبك
أشارت وكالة رويترز إلى توجه كازاخستان الرامي إلى الإعلاء من شأن مصالحها الوطنية عند تحديد مستويات إنتاج النفط، حتى لو تعارض ذلك مع التزاماتها في تحالف "أوبك+". هذا التوجه، الذي عبّر عنه وزير الطاقة الجديد، قد يُنذر بخروج فعلي من الاتفاق، مما يضع "السعودية" أمام خيارات حاسمة، منها زيادة الإنتاج لحماية هيمنتها على السوق، وهو ما قد يؤدي إلى حرب أسعار في وقت دقيق للأسواق العالمية.
وأكدت الوكالة تجاوز كازاخستان لحصتها الإنتاجية بشكل كبير، ما قد يُمهّد فعليًا لخروجها من تحالف "أوبك+". وأوضحت بأن الأخيرة ارتفع إنتاجها إلى 1.85 مليون برميل يوميًا، متجاوزة حصتها المحددة بـ1.468 مليون. هذا التحدي يضعف وحدة التحالف، خصوصًا مع تكرار المخالفات من دول أخرى مثل العراق والإمارات، ويزيد الضغط على "السعودية" التي قد تلجأ إلى تصعيد مثل حرب أسعار لحماية مصالحها.
ولفت التقرير إلى أنه "في الفترة الأخيرة، أصبحت كازاخستان من أكثر الدول المخالفة لالتزاماتها ضمن تحالف "أوبك+"، إذ رفعت إنتاجها النفطي بشكل كبير بعد توسيع حقل "تنغيز"، متجاوزة الحصة المقررة لها بكثير. هذا التمرد يُضعف فاعلية التحالف الذي نجح نسبيًا في الحفاظ على استقرار أسعار النفط. "السعودية"، التي تعتمد على أسعار تفوق 90 دولارًا للبرميل لتحقيق التوازن المالي، بدأت تشعر بالضيق من هذا التراخي الجماعي، ما ينذر بتوترات محتملة أو قرارات تصعيدية".
في خطوة تحذيرية للأعضاء غير الملتزمين في "أوبك+"، قررت "السعودية" وحلفاؤها تسريع زيادة الإنتاج بواقع 411 ألف برميل يوميًا اعتبارًا من مايو، وهو ما يفوق الخطة السابقة بثلاثة أضعاف. كما خفّضت الرياض أسعار بيع الخام للأسواق الآسيوية إلى أدنى مستوى منذ أربعة أشهر. إذا استمرت هذه الاستراتيجية، فقد تؤدي إلى حرب أسعار مشابهة لعام 2014، ما سيجعل العديد من الحقول النفطية غير مجدية اقتصاديًا ويمنح المنتجين منخفضي التكلفة حصة أكبر في السوق.
الاتفاق الأخير على زيادة الإنتاج كان يهدف إلى دفع الدول غير الملتزمة، مثل كازاخستان والعراق، لتطبيق خفض كبير في إنتاجها عبر خطة تعويض مفصلة. لكن التطورات الأخيرة تشير إلى أن كازاخستان ترفض الالتزام، وتواصل الإنتاج عند مستويات مرتفعة، ما يُنذر بتصعيد داخل التحالف، بحسب الوكالة.
ورأت "رويترز" في تقريرها، بأن تمرد كازاخستان يُعد تهديدًا خطيرًا لوحدة تحالف "أوبك+"، إذ يفتح الباب أمام دول أخرى لإعادة التفكير في جدوى الالتزام بالاتفاق. مثل هذا التوجه قد يؤدي إلى تفكك التحالف، ويفاقم من هشاشة السوق النفطية التي تعتمد على التنسيق بين كبار المنتجين للحفاظ على التوازن.
واعتبرت الوكالة أن رفض كازاخستان الالتزام باتفاق "أوبك+" يهدد بانهيار التحالف، خاصة إذا شجّع دولًا أخرى مثل العراق أو الإمارات على السير في الاتجاه ذاته. وفي حال فشل الضغوط الدبلوماسية، قد تلجأ "السعودية" إلى إغراق السوق بالنفط الرخيص لإجبار المخالفين على العودة للالتزام، وهو ما قد يؤدي إلى حرب أسعار شاملة. ورغم قدرة "دول الخليج" على تحمّل الأسعار المنخفضة لفترة، فإن استمرارها سيضغط على ميزانياتها.
في سياق متصل، حذر المحللون من أن النزاع الداخلي للتحالف قد يزيد من تفاقم فائض النفط العالمي ويزيد من سوء التوقعات السلبية بالفعل. وبحلول الساعة 1:45 مساءً في نيويورك، كانت العقود الآجلة للنفط الأمريكي قد انخفضت بما يقرب من 3% قرب 62 دولارًا للبرميل.
بدورها اعتبرت حليمة كروفت، رئيسة استراتيجية السلع في بنك RBC، إن تمسك كازاخستان بموقف "المصلحة الوطنية أولاً" يعزز احتمالات اتخاذ تحالف أوبك+ قرارًا برفع طوعي جديد وسريع للإنتاج في يونيو، مشيرة إلى أن الاجتماع الوزاري المقبل في مايو سيكون بالغ الأهمية ويستحق المتابعة الدقيقة.
هذا ومن المقرر، أن تعقد منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وشركاؤها مؤتمرًا عبر الفيديو في 5 مايو/أيار لاتخاذ قرار بشأن سياسة الإنتاج لشهر يونيو/حزيران. وتشير الخطة الافتراضية إلى زيادة شهرية متواضعة في الإنتاج بمقدار 138 ألف برميل يوميًا، بما يتماشى مع خطتها طويلة الأجل. لكن اعتماد زيادة كبيرة بمقدار 411 ألف برميل يوميًا — أي ما يعادل ثلاث زيادات شهرية دفعة واحدة — سيكون مؤشرًا على تصاعد التوترات الداخلية وقد يؤدي إلى موجة بيع جديدة في العقود الآجلة للنفط الخام.
وكان خام برنت، المعيار الدولي، قد انخفض لفترة وجيزة إلى ما دون 60 دولارًا للبرميل في وقت سابق من هذا الشهر، بعد أن أعلن التحالف عن زيادة مفاجئة في الإمدادات لشهر مايو/أيار. وقد تزامن هذا الإعلان مع إطلاق الرئيس الأميركي دونالد ترامب حربًا تجارية ضد الصين ودول كبرى أخرى."
وقال غاري روس، الرئيس التنفيذي لشركة "Black Gold Investors LLC" مراقب شؤون أوبك: "نفد صبر الكثيرين، لكن السعوديين مترددون في إغراق السوق لأنهم يعلمون مدى صعوبة إصلاح الوضع لاحقًا. هذه هي المعضلة".
وذكر عدد من مندوبي أوبك+، الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم، أن المجموعة لم تناقش بعد خططها لشهر يونيو بشكل رسمي. وقد توقع أحدهم أن يتم اعتماد زيادة صغيرة، في حين قال آخر إن جميع الخيارات ستكون مطروحة للنقاش.
أيًا كان القرار، فإنه قد يحمل تداعيات كبيرة على تحالف أوبك+، الذي يمتد لتسع سنوات من الشراكة بين "السعودية" وخصومها السابقين، بما في ذلك روسيا.
ويذكّر تحدي كازاخستان البعض بما حدث مع أنغولا، التي انسحبت من المنظمة عام 2023 بعد خلاف حول حصتها الإنتاجية. فكما هو الحال مع الدولة الأفريقية، تعتمد كازاخستان على شركات نفطية كبرى مثل "شيفرون" لتطوير مواردها، ولا تملك الحكومة سوى قدر محدود من السيطرة على هذه الشركات، بينما تسعى لتوسيع طاقتها الإنتاجية. ووفقًا لمصادر مطلعة تحدثت إلى بلومبرغ، فإن وزارة الطاقة لم تبذل حتى الآن جهدًا كبيرًا لكبح هذه الشركات.
وقال آرني لوهمان راسموسن، كبير المحللين في "A/S Global Risk Management": "يمكننا أن نرى هنا جذور مواجهة أوسع بين السعودية وكازاخستان. ويمكن التساؤل عمّا إذا كانت كازاخستان مؤهلة فعلًا لتكون عضوًا في أوبك، إذا كانت غير قادرة على التحكم في إنتاجها."
يذكر أن شركة أرامكو كانت قد أعلنت قبل فترة قصيرة، عن انخفاض أرباحها بنسبة 12% في عام 2024، لتصل إلى 106.25 مليار دولار، في ثاني انخفاض سنوي بعد ارتفاع أسعار النفط في عام 2022. كما توقعت الشركة انخفاضا مستمرا لأرباحها للعام 2025، حيث بلغت توزيعات أرباحها المتوقعة 85.4 مليار دولار، ما يعني انخفاضاً بنحو 30% مقارنة بعام 2024، حيث بلغت توزيعات الأرباح 124 مليار دولار العام الماضي.
ووفقا لبيان الشركة: “يرجع ذلك في المقام الأول إلى انخفاض الأسعار وحجم النفط الخام المباع، فضلاً عن انخفاض أسعار المنتجات المكررة والكيميائية”. وأضافت أن الانخفاض في الأرباح الإجمالية جاء “مدفوعا بانخفاض الإيرادات والدخل الآخر المتعلق بالمبيعات، وارتفاع تكاليف التشغيل، فضلا عن انخفاض التمويل والدخل الآخر”.
وعلى صعيد الإيرادات، شهدت أرامكو انخفاضاً إلى 436.6 مليار دولار في عام 2024، مقارنة بـ440.8 مليار دولار في العام السابق.
وفي توسّعه في خلفيات هذا الانخفاض، قال روبرت موغيلنيكي -وهو باحث مقيم في معهد دول الخليج العربي في واشنطن- أن مجموعة أسباب كان لها تأثيرها على أسعار النفط: “الجمع بين فائض النفط العالمي، والقدرة الإنتاجية الاحتياطية الوفيرة، والطلب العالمي غير المؤكد، والعديد من الإشارات السياسية الصادرة عن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب”. وتابع “ظلت الأسعار أقل مما ترغب حكومات الخليج مثل السعودية في رؤيته، وستحتاج الحكومة السعودية ومعظم الحكومات الأخرى في المنطقة إلى الاستمرار بالإنفاق بشكل ذكي”.
وتعتبر واردات “أرامكو” العمود الفقري للاقتصاد في البلاد ومصدر التمويل الرئيسي لـ”رؤية 2030″ بعيدا عن أولويات وحاجات الشعب. إذ يدّعي محمد بن سلمان تحضيره “السعودية” لمرحلة ما بعد النفط. وتنفق أرباح الشركة في تمويل مشاريع بن سلمان كمدينة نيوم، والترويج للسياحة والترفيه. وبعد أن حققت “أرامكو” أرباحًا في عام 2022، نتيجة لارتفاع أسعار النفط بعد غزو روسيا لأوكرانيا، شهدت الشركة تراجعًا في أرباحها بنسبة 25% عام 2023. وتشير التوقعات من المحللين الاقتصاديين إلى أن “أرامكو” ستواجه تحديات إضافية في المستقبل القريب، فمع استمرار خفض الإنتاج، قد تتأثر الأرباح بشكل أكبر إذا استمرت أسعار النفط في التراجع.
ارسال التعليق