رواية مراسل اجنبي عن الحرب السعودية على اليمن
تدخل مركبة عسكرية عبر بوابات فيلا فخمة حوّلتها الحرب إلى مستشفى ميداني مزدحم على شواطئ البحر الأحمر في اليمن. ينقل مقاتلون عائدون من الميدان جريحاً تتدفق من وجهه الدماء إلى قسم الطوارئ.
للعام الثالث على التوالي، تواصل السعودية حربها على اليمن، مما أسفر عن سقوط عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين وخلق ما تسميه الأمم المتحدة «أسوأ أزمة إنسانية في العالم». ولكن الحرب لم تلفت أنظار العالم إلا بعد مقتل الصحافي السعودي المنشق جمال خاشقجي قبل أسبوعين. ففي الوقت الذي يتعرض ولي العهد محمد بن سلمان، إلى هجوم حاد بسبب مقتل خاشقجي، تصاعدت الأصوات المنددة بالعدوان على اليمن والمطالبة بملاحقة الأمير الشاب بسبب الانتهاكات التي ترتكبها قواته في البلد العربي الأشد فقراً.
خارج الحدود اليمنية، تم تجاهل الحرب الكارثية إلى حد كبير. منع السعوديون الصحافيين الأجانب من الوصول إلى شمال اليمن، المنطقة التي تشهد أعنف هجوم جوي وتواجه أسوأ مجاعة. هذا الصراع غير معروف بالنسبة للأميركيين الذين يقدّم جيشهم القنابل والمعلومات والوقود إلى التحالف السعودي هناك، مما أدى إلى اتهامه بالتواطؤ في جرائم حرب محتملة. منذ حزيران/ يونيو، تتركز الحرب على ميناء الحديدة الواقع في منتصف الساحل الغربي لليمن على البحر الأحمر. وبعد رحلة محفوفة بالأخطار على طول طريق ساحلي يتعرض باستمرار للاستهداف، قمنا بزيارة نادرة خلال الشهر الجاري إلى ساحة المعركة التي تدور على تخوم مدينة الحديدة.
منذ عام 2015، راهنت السعودية والإمارات على انتصار سريع على الحوثيين، إلا أن أمد الصراع طال ويواجه اليمنيون اليوم مجاعة خطيرة بالإضافة إلى موجة من الأوبئة، أبرزها التفشي الأسوأ للكوليرا. في الحديدة، تُشَن المعارك وفق إيقاع معيّن، فتشتد عند الفجر والغسق، حين يمطر المقاتلون على كلا الجانبين الجبهة المشتعلة بقذائف الهاون. بعد ذلك بدقائق، تبدأ الآليات العسكرية المحملة بالمقاتلين الجرحى بالوصول إلى أبواب المستشفى الميداني، ومن ثمّ يتوافد المدنيون: أمهات أصبن بقذائف الهاون، أطفال يعانون من سوء التغذية الحاد وآخرون يعانون من حالات إسهال حادة، وكبار سن فقدوا أرجلهم نتيجة الألغام الأرضية. داخل المستشفى الميداني لا يوجد قيود على الأسلحة:
المقاتلون يحملون الكلاشينكوف في غرفة الطوارئ، حيث يحاول الطاقم الطبي إنقاذ رفاقهم الجرحى، في حين يمضغ الأطباء والممرضون القات.
تتمركز الجبهة الرئيسية على أرض قاحلة رملية مليئة بالمزارع المهجورة على الحافة الجنوبية من الحديدة، تمتد بين المطار المليء بالألغام في المدينة والتقاطع الاستراتيجي المعروف بـ«كيلو 16». انضممنا إلى مجموعة من المقاتلين الجهاديين لتناول طعام الغداء في منزل يقع بالقرب من خطوط المعركة الأمامية. «انظر هنا»، يشير أحد المقاتلين إلى فيديو على هاتفه لصاروخ استهدف مجموعة مؤلفة من 5 حوثيين كانوا يحتمون تحت شجرة.
تسعى السعودية لإحكام سيطرتها على الحديدة بحجة حرمان الحوثيين من ملايين الدولارات من إيرادات الضرائب الشهرية وإجبارهم على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. ولكن الحديدة هي أيضاً بوابة المساعدات الرئيسية إلى شعب جائع: يعتمد ثلاثة أرباع سكان اليمن البالغ عددهم 28 مليون نسمة على شكل من أشكال المساعدات الإنسانية التي تمر بمعظمها عبر ميناء الحديدة.
أما الجبهة الثانوية، فتمتد لمسافة 80 ميلاً إلى الجنوب، وهي موازية للطريق الساحلي الذي تسيطر عليه قوات التحالف. هناك، تدور المعركة في القرى النائية والبلدات الصغيرة، حيث يحاول الطرفان قطع خطوط الإمداد لبعضهما البعض. وتقول الأمم المتحدة إن هذه الجبهة الثانوية هي أكثر المناطق دموية بالنسبة للمدنيين. وفي هذا السياق، نزح ما لا يقل عن 500 ألف يمني من منازلهم، في حين أُجبر العديد منهم على اللجوء إلى مخيمات في مدن تقع على طول الساحل والعيش في أوضاع صعبة جدّاً. بالنسبة لهؤلاء، فإن مصدر القلق الرئيسي هو وجبتهم الغذائية التالية.يمكن اعتبار المعركة في الحديدة رمزاً لطريقة الحرب الإماراتية. تدفع الإمارات أجور المقاتلين وتزودهم بالصواريخ والمركبات المصفحة التي تبلغ قيمتها ملايين الدولارات. في المقابل، يدير الجنرالات الإماراتيون الحرب من داخل مراكز آمنة نسبياً في عدن، المدينة الرئيسية في الجنوب، حيث تتواجد الغالبية العظمى من الجنود الإماراتيين في اليمن، والمقدر عددهم بـ 5000. تستهدف الطائرات الحربية والقوارب البحرية الإماراتية الأهداف في الحديدة من الجو والبحر، في حين تقوم زوارق البحرية السعودية بدوريات في المياه قبالة الحديدة. على الخطوط الأمامية، من الصعب العثور على جنود إماراتيين وسعوديين. يحرس جنود سودانيون، معظمهم من دارفور، قواعد التحالف الممتدة طول الطريق السريع الساحلي. أما في المستشفى الميداني، فجميع القتلى والجرحى كانوا يمنيين.
دفع مشهد القوافل الطويلة المحملة بالجنود والذخيرة، بالإضافة إلى تصاعد الضربات الجوية، وسائل الإعلام في الأسابيع القليلة الماضية للحديث عن هجوم كبير مرتقب للتحالف على الحديدة. ولكن حتى لو استولوا على المدينة، يشكك الخبراء في أن ذلك سيغيّر مسار الحرب. منذ عام 2015، فشلت 18000 غارة جوية للتحالف في تغيير المشهد على الخطوط الأمامية، في حين قام الحوثيون بزرع الألغام في مساحات شاسعة من الأراضي حول الحديدة.
«لقد فشلت سنوات من الغارات الجوية في إطاحة الحوثيين، كما يشعر قادتهم اليوم بالأمان»، يقول الباحث المقيم في معهد الجزيرة العربية في واشنطن، غريغوري دي. جونسن، مضيفاً: «إنهم يعتقدون أنهم سيظلون في السلطة لمدة أطول من السعوديين أنفسهم».
بالنسبة لولي العهد الأمير محمد، فإن الحرب تشكل خطأ فادحاً، يضاف إلى الحصار الفاشل على قطر، خطف رئيس الوزراء اللبناني، واليوم، كما تشير الأدلة المتصاعدة، قتل خاشقجي في إسطنبول. ولكن بالنسبة لليمنيين، هذا هو وطنهم.
ارسال التعليق