ما وراء أوبك.. سباق التنويع بين السعودية والإمارات
التغيير
في 19 يوليو/تموز، وافقت دول "أوبك+" على زيادة إنتاجها من النفط لخفض أسعار النفط وتحقيق الاستقرار في السوق العالمية. وكان الهدف النهائي هو استعادة إنتاج النفط إلى معدلات ما قبل الوباء بحلول سبتمبر/أيلول 2022، والذي تم خفضه بنحو 10 ملايين برميل يوميا العام الماضي بسبب القيود العالمية وتعطل الأنشطة الاقتصادية.
وجاء القرار بعد أسابيع من المواجهة داخل "أوبك+"، التي شهدت خلافا غير عادي بين المملكة والإمارات. وليست هذه هي المرة الأولى التي تظهر فيها الخلافات بين الحليفين، الأمر الذي عزز فرصة بث الشائعات حول صلابة محور "الرياض-أبو ظبي" التقليدي.
وفي الواقع، ليس إنتاج النفط هو مصدر الخلاف الوحيد بين الحليفين؛ فالحرب في اليمن والمنافسة الاقتصادية بينهما تتسبب أيضا في حدوث احتكاكات. وفيما يتعلق باليمن، فإن دعم الرياض وأبوظبي لفصائل مختلفة يقوض "اتفاق الرياض" الذي كان محاولة لتوحيد الفصائل الجنوبية في ظل حكومة واحدة. وفي الوقت نفسه، على الجبهة الاقتصادية، قد يكون التنافس بين الدولتين الخليجيتين سيناريو محتملا حيث تتعامل المملكة والإمارات، وكذلك اقتصادات الخليج الأخرى، مع إصلاحات هيكلية تهدف إلى التنويع الاقتصادي لتقليل اعتمادهما على صادرات النفط.
وتدفع هذه الخطط البلدين إلى التنافس في العديد من المجالات الاستراتيجية، مثل صناعة الطيران، ما قد يزيد من تعقيد التماسك بين دول مجلس التعاون الخليجي مع تداعيات خطيرة على المنطقة.
ليس فقط التنافس السياسي
وتضيف المصالح الاقتصادية المتباينة إلى التوترات السياسية في علاقتهما الثنائية، على سبيل المثال الحرب في اليمن واتفاقات التطبيع والخلاف حول قطر. وتملك الإمارات ثروات نفطية أكبر للفرد الواحد، وهي أكثر تقدما في تنويع اقتصادها ويمكنها الاعتماد على الإيرادات من صناديق الثروة السيادية الراسخة.
ومن ناحية أخرى، لدى المملكة عدد أكبر بكثير من السكان لتلبية احتياجاتها، وهي جديدة على الصناديق السيادية ولعبة التنويع. ومع اقتراب ذروة الطلب العالمي على النفط بحلول منتصف الثلاثينيات من القرن الحالي، فإن الإمارات في عجلة من أمرها لاستثمار احتياطياتها النفطية، بينما تفضل المملكة تأجيل ذلك.
واشتدت المنافسة الاقتصادية مع قيام المملكة بالاستثمار في مشاريع شبيهة للخدمات اللوجستية والطيران والسياحة والعقارات التي تتميز بها دبي، ومحاولتها جذب المقار الإقليمية للشركات الدولية إلى الرياض.
قدرة كلا الاقتصاديين على الاستفادة من التنافس
ولطالما كانت الإمارات المستفيد الأساسي من بيئة الأعمال الاجتماعية الصعبة في المملكة على مدى عقود. ولتسأل الشركات ورجال الأعمال في الإمارات عن سوقهم الإقليمي الأهم، وسيذكر معظمهم المملكة. وتحكي رحلات طيران الإمارات مساء الخميس من الرياض إلى دبي القصة.
وتمتلئ تلك الطائرات بالمحامين والمستشارين والمستثمرين، وجميعهم يكونون في طريقهم إلى مقار شركاتهم الإقليمية بعد قضاء عطلة نهاية الأسبوع مع عائلاتهم. ومع اقتراب المملكة من تحقيق "رؤية 2030"، يجب أن نتوقع المزيد من التوتر التنافسي بينها وبين الإمارات.
وليس بالضرورة أن يكون هذا سلبيا طالما يدرك كلا البلدان أنها ليست لعبة محصلتها صفر. ويمكن لكلا الاقتصاديين الاستفادة من اقتصاد إقليمي أكثر انفتاحا وديناميكية.
التعاون مستمر رغم الخلافات
ولا يعد الخلاف بين المملكة والإمارات جديدا أو غير مألوف. واختلفت دول مجلس التعاون الخليجي في الماضي حول قضايا مختلفة. ومن المرجح أن تزداد المنافسة مع سير دول المنطقة في مسارات مماثلة لتنفيذ خطط التنويع ما بعد النفط. وبينما أبرز الخلاف الأخير هذا الاتجاه، إلا أنه لا يعني انهيار التعاون الذي كان موجودا دائما بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي في مختلف المجالات وبدرجات متفاوتة.
وسوف يستمر الاقتصاد في كونه أحد المحددات الرئيسية للتطورات في المنطقة، بما في ذلك العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي. ومع ذلك، فإن المصالح المشتركة ستضمن بقاء العلاقات بين دول الخليج على حالها بالرغم من الخلافات والمنافسة المتزايدة.
خلاف المملكة مع الإمارات خارج السيطرة الأمريكية
وليس للولايات المتحدة دور كبير في إدارة أو حل التوتر الحالي في العلاقة الإماراتية مع المملكة. وتعد الخلافات بين دول الخليج أمرا شائعا إلى حد ما. ومع ذلك، تتمتع هذه البلدان بعلاقات طويلة ووثيقة وقادرة على حل خلافاتها عند ظهورها.
والاحتكاك الحالي هو نتيجة طبيعية بعد الخلافات حول كيفية تعديل نهج السياسة الموحدة سابقا في المنطقة، وكذلك المنافسة المدفوعة اقتصاديا. ومع ذلك، هناك فرصة ضئيلة في أن يتطور الخلاف إلى أي شيء يشبه حصار قطر الذي تم إنهاؤه مؤخرا.
ولا تزال المملكة والإمارات أقرب حليفين لبعضهما البعض، وهما يدركان بالتأكيد أن الخلاف طويل الأمد لا يخدم مصالح أي منهما.
ارسال التعليق