العلاقات التجارية العربية الإسرائيلية لا تزال قوية.. لكن إلى متى؟
تستمر الأعمال التجارية بين بعض الدول العربية والاحتلال الإسرائيلي في ظل حرب الإبادة ضد قطاع غزة ولبنان، ومن أبرز هذه الدول الإمارات والأردن ومصر، وذلك رغم الانتقادات الظاهرة والواسعة لـ"إسرائيل".
وجاء في تقرير لموقع "دويتشه فيله" ترجمته "عربي21"، أن مجلس الأعمال الإماراتي الإسرائيلي كان ينشر قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر بشكل شبه يومي على وسائل التواصل الاجتماعي، مخبرا العالم بحماس عن مدى جودة العلاقات التجارية بين "إسرائيل" والإمارات بعد أن قام الطرفان بتطبيع علاقاتهما سنة 2020 عندما وقعا ما يسمى بـ"اتفاقيات أبراهام".
لكن هذا تغير بعد تشرين الأول/ أكتوبر 2023، فقد كان آخر منشور للمجلس، الذي يقع مقره في مدينة تل أبيب، في 8 تشرين الأول/ أكتوبر، ولم يرد على استفسارات عن سبب توقفه عن الاحتفاء بالعلاقات التجارية الإماراتية الإسرائيلية، لأنه رغم مرور سنة من الصراع، ظلت العلاقة في الواقع قوية نسبيا.
وأوضح التقرير أن قادة الدول التي تربطها علاقات تجارية مع "إسرائيل"، بما في ذلك الإمارات والأردن ومصر؛ انتقدوا الطريقة التي تدير بها تل أبيب حملاتها العسكرية في غزة ولبنان.
وأضاف أنه "منذ بدء الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي قُتل أكثر من 42,000 شخص في القطاع، من بينهم أكثر من 3,400 طفل، وبعد أن بدأت إسرائيل حملتها العسكرية في لبنان الشهر الماضي، قُتل أكثر من 1300 شخص هناك.. ونتيجة لذلك، أصبح خطاب القادة العرب أكثر حدة؟".
وذكر أن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، التقى مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، هذا الأسبوع وتحدث عن ما يحدث في شمال غزة، قائلا: "نحن نرى بالفعل تطهيرا عرقيا يحدث، ويجب أن يتوقف ذلك".
وفي اجتماع لمجلس الأمن الدولي في منتصف تشرين الأول/ أكتوبر، قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي لأعضاء المجلس، إن الأعمال الإسرائيلية مسؤولة عن "الكارثة الإنسانية غير المسبوقة" في غزة.
وأفاد التقرير بأنه بالرغم من هذه الانتقادات، إلا أن العلاقات التجارية بين تلك الدول و"إسرائيل" لم تتأثر كثيرا، وتعد الإمارات هي الأكثر تعاملا مع الاحتلال من بين دول المنطقة، تليها من حيث قيمة التجارة الثنائية الأردن ومصر والجزائر والمغرب والبحرين.
ووفقًا للإحصاءات الشهرية للتجارة الخارجية لشهر آب/ أغسطس 2024 التي جمعها مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، فإن حجم التجارة التي تقوم بها هذه الدول مع "إسرائيل" ظل إيجابيًا هذه السنة.
وفي حالة الأردن، كانت التجارة في شهر آب/ أغسطس تقريبا كما كانت في السنة الماضية؛ حيث انخفضت بنسبة 1 بالمئة فقط، أما في مصر، فقد حققت التجارة مع "إسرائيل" في الشهر ذاته نموا بنسبة تزيد عن 30 بالمئة، كما حققت التجارة مع المغرب والبحرين نموًا بشكل ملحوظ هذه السنة، رغم تهديدات البحرين السابقة بقطع العلاقات التجارية.
وبحسب الموقع، ففي سنة 2023، بلغت قيمة التجارة الإجمالية بين الإمارات و"إسرائيل" حوالي 2.9 مليار دولار، وقد يكون المبلغ أعلى من ذلك هذه السنة، فخلال الأشهر السبعة الأولى من سنة 2024، بلغ إجمالي التجارة الإماراتية الإسرائيلية بالفعل 1.922 مليار دولار، وإذا سارت الأمور على نفس المنوال، فقد يصل إجمالي التجارة الإماراتية الإسرائيلية إلى 3.3 مليار دولار بحلول نهاية السنة.
ووفقًا للخبراء فإنه يصعب التنبؤ بذلك، فرغم صمود العلاقات التجارية، إلا أن معدل النمو الذي أثارته "اتفاقات أبراهام" تباطأ بالتأكيد، وكانت هناك أيضًا تأثيرات أخرى مثل انخفاض السياحة وتعطل الخدمات اللوجستية.
ومع ذلك؛ يؤكد رجال أعمال إسرائيليين وإماراتيين أن معظم التغييرات كانت سطحية، وقال رجال أعمال إسرائيليون وعرب للصحفيين إن الصفقات مستمرة، كل ما في الأمر أن عددها أقل ولا أحد يريد مناقشتها علنًا.
وبحسب دينا إسفندياري، المستشارة البارزة في شؤون الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية، فإن الأعمال التجارية توسعت في بعض الحالات.
ولكن عندما يتعلق الأمر بدول مثل الإمارات، فإنه من المهم أن نلقي نظرة عن كثب؛ حيث توضح إسفندياري أن هناك أعمالًا بين الإسرائيليين والشركات الإماراتية المملوكة للدولة، وهناك أعمال بين الشركات الإسرائيلية وشركات القطاع الخاص الإماراتي، وقد توقف ذلك كله تقريبًا لأن القطاع الخاص أصبح متوترا جدا من مواصلة أي صفقات تجارية مع "إسرائيل".
وذكر التقرير أن الإماراتيين الأثرياء الذين كانوا متحمسين في السابق للعمل مع الإسرائيليين تخلوا عن الفكرة تماما لأن الأمر يتعلق بسمعتهم، في حين أن الشركات المملوكة للدولة ليس لديها مثل هذه المخاوف الكبيرة المتعلقة بالسمعة.
ونقل التقرير عن روبرت موغيلنيكي، الباحث المقيم في معهد دول الخليج العربي في واشنطن، فإن رجال الأعمال العرب يستخدمون حسابات مختلفة للموازنة بين المخاطر والمكاسب المرتبطة بالتعامل التجاري مع "إسرائيل"، لكن العلاقات الاقتصادية والتجارية يمكن أن تظل متوترة للغاية وسط التوترات الدبلوماسية والأزمات الإقليمية الأخرى.
وبين أن الإمارات قد ترى "تقليص العلاقات التجارية كوسيلة للضغط على إسرائيل، التي تعاني بالفعل من صعوبات اقتصادية متزايدة بسبب الصراع".
وأفادت إسفندياري بأنه من غير المرجح أن "تغير الدول الموقعة على اتفاقات إبراهيم خططها بشكل كامل؛ حيث غالبًا ما يسلط المسؤولون الإمارتيون الضوء على أن علاقتهم مع إسرائيل هي التي سمحت للإمارات بإرسال مساعدات إلى غزة أكثر بكثير من أي دولة أخرى".
لكن الأمر لا يقتصر على ذلك فقط، فهم أيضًا لا يريدون التراجع عن هذه العلاقة لأنهم يستفيدون منها.
ووفقًا لموغيلنيكي فإن الروابط الاقتصادية قد تكون بمثابة رافعة لتحفيز عملية صنع القرار الإسرائيلي في المستقبل، لكن احتمال اتخاذ الحكومات العربية خطوات مباشرة لقطع جميع الروابط الاقتصادية القائمة ضئيل.
واختتم التقرير بما قاله خالد الجندي، وهو زميل بارز في معهد الشرق الأوسط ومدير برنامج المؤسسة البحثية في واشنطن حول الشؤون الإسرائيلية-الفلسطينية، إنه "متشكك بشأن قطع العلاقات التجارية لأنه مر أكثر من سنة، ولو كانوا سيفعلون ذلك لكانوا قد فعلوه، ولكن بعد انتهاء الحملة العسكرية سيكون من غير المقبول اجتماعيًا أن يعود الناس إلى العمل كالمعتاد سابقًا، لأن الفظائع التي ارتكبت السنة الماضية أثرت بشكل عميق على الرأي العام".
ارسال التعليق